الغرب إجمالا أظهر في هذه المرة خوفاً على إسرائيل!

إن انتصار المقاومة الفلسطينية، هذه المرة، في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة كان أوضح من انتصارها في عدوان 2008 ـ 2009، ومن انتصار المقاومة في لبنان عام 2006، فلأول مرة توجه المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية موجعة للعدو الصهيوني وفي القلب منه، وتمكنها من بلوغ منطقة غوش دان، التي تضم تل أبيب وهرتسيليا والقدس الغربية، ويتواجد فيها 70% من المستوطنين الصهاينة، واهم المنشآت الاقتصادية والحكومية، ونجاحها، على مدى أيام العدوان الثمانية، في الاحتفاظ بزمام المبادرة، وان تبقى الكلمة الأخيرة لها، بإطلاق صليات من صواريخها على المستوطنات الصهيونية، قبيل بدء سريان وقف النار.

ومثل هذا الانتصار العسكري، الذي هز أمن واستقرار الكيان الصهيوني، وغير قواعد اللعبة، واقر به المسؤولون الصهاينة (اعتراف شاؤول موفاز بهزيمة اسرائيل، ووسائل الاعلام الصهيونية، واستقالة وزير الحرب ايهود باراك وخروجه من الحياة السياسية)، واحدث تحولا نوعياً في الصراع مع العدو الصهيوني، يشكل انتصارا حصرياً لقوى المقاومة والممانعة.

غير أن اتفاق التهدئة لم يرتق إلى مستوى هذا الانتصار العسكري لماذا.

فالاتفاق نص بوضوح على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: تقوم إسرائيل بوقف كافة الأشكال العدائية العسكرية على قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص.

الأمر الثاني: تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كافة العمليات من قطاع غزة باتجاه الجانب الإسرائيلي بما في ذلك اطلاق الصواريخ والهجمات عبر خط الحدود.

الأمر الثالث: فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان، أو استهدافهم في المناطق الحدودية، ويتم التعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

كما نص الاتفاق على حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه، والتزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك.

ومن خلال التمحيص في هذه البنود يتبين أن اتفاق التهدئة جاء دون مستوى انتصار المقاومة للأسباب التالية:

السبب الأول: لم يشمل أي تكريس لحق المقاومة بالاستمرار في مقاتلة جنود الاحتلال، الذي لا يزال يحتل اكثر من 85 % من أرض فلسطين، وقطاع غزة، المحرر جزئيا، لا يشكل سوى مساحة ضئيلة جداُ منها (360 كلم مربع فيما مساحة فلسطين تبلغ 27 الف كلم مربع)، وكان يجب الإصرار على فرض معادلة شبيهة بمعادلة تفاهم أبريل، التي فرضتها المقاومة في لبنان خلال عدوان عناقيد الغضب عام 1996.

السبب الثاني: إن الاتفاق لم ينص على رفع الحصار عن قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، وإنما نص على تسهيل تنقلات حركة الأشخاص والبضائع على المعابر.

وقد تبين أن شرط رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، كان هو البند المسبب الرئيسي لتأجيل اعلان وقف النار، وأن حلا وسطاً وافقت عليه حماس والجهاد الاسلامي، وطرحته الرئاسة المصرية، ويقضي في البداية بوقف اطلاق نار متبادل، ومن ثم تتعهد مصر بالعمل من اجل رفع الحصار بشكل كامل، دون أن تلتزم إسرائيل خطياً بذلك.

لكن الصيغة التي وردت في اتفاق التهدئة لم تنص على رفع الحصار، فإذا كانت المقاومة لم تتمكن من فرض معادلة شبيهة بتفاهم أبريل في لبنان تقر بحق استمرار المقاومة ضد الاحتلال، ولم تتمكن من فرض فك الحصار بالكامل عن قطاع غزة، فأين هو المكسب السياسي الذي تم تحقيقه من الانتصار العسكري للمقاومة. فأضعف الايمان، على الاقل، كان أن يتم فرض فك الحصار، خاصة أن اسرائيل كانت في مأزق، وتسعى الى التهدئة.

السبب الثالث: القبول بأن تكون مصر هي راعية الاتفاق، والمشرفة على متابعة تنفيذه يشكل تشجيعاً على استمرار علاقتها مع الكيان الصهيوني، وعلى أن تكون وسيطاً بينه، وبين فصائل المقاومة الفلسطينية، في وقت كان يجب رفض أن تعود مصر، بعد سقوط نظام مبارك، الى لعب دور الوسيط، ومثل هذا التسليم من قبل فصائل المقاومة بهذا الدور لمصر، وتشجيع الرئيس مرسي على ذلك، والاشادة به، ما كان يجب أن يحصل لأنه لا يخدم مشروع المقاومة، والقضية الفلسطينية.

لكل هذه الاسباب، فإن الانتصار العسكري المهم، والنوعي للمقاومة الفلسطينية، لم يترجم انتصاراً سياسياً، وظل محصوراً في كونه اكد انتصار خيار وخط المقاومة، واضعف نهج المساومة والتفريط في الساحتين الفلسطينية والعربية، وبالتالي عزز من قوة محور دول وقوى المقاومة للاحتلال الصهيوني والمشروع الاميركي الغربي في المنطقة.

انكشاف حقيقة انظمة الربيع العربي:

بالمقابل فإن الحقيقة التي كشفها العدوان على غزة هي أن الواقع العربي لم يطرأ عليه أي تغيير، بل يمكن القول إنه اصبح اكثر سوءاً مما كان عليه قبل سقوط أنظمة: حسني مبارك في مصر، و زين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، فيما مؤسسة الجامعة العربية ظلت على نفس ايقاعها من التقاعس والتخاذل والتواطؤ.

وتجسد ذلك في الآتي:

1 ـ استمرار علاقة الانظمة العربية، بما فيها الانظمة الجديدة في مصر، وتونس، وليبيا، مع الولايات المتحدة الاميركية، والدول الغربية، ولم يحصل أي اختلاف، أو تغيير في هذه العلاقة عما كانت عليه في السابق من تبعية للسياسة الأميركية الغربية.

2 ـ أما على صعيد الصراع العربي ــ الاسرائيلي، فإنه لم يحصل أيضا اي تبدل، لا بل ما حصل أن مصر، التي كانت ايام حسني مبارك تحصر التعامل مع الكيان الصهيوني، أثناء العدوان على غزة، بجهاز الاستخبارات، رفعت اليوم مستوى هذا التعامل الى المستوى السياسي، الذي عبر عنه برعاية الرئاسة المصرية لاتفاق التهدئة ودخول مرسي على خط المفاوضات بين «اسرائيل» وفصائل المقاومة، وهو ما لاقى تنويه كل من تل أبيب، وواشنطن والعواصم الغربية.

وتبين أن موقف مصر في ظل حكم الاخوان لم يتغير في أي جانب من الجوانب، عن موقفها في ظل حكم مبارك، وظهر ذلك بوضوح من خلال الخطوات التي اتخذها مرسي اثناء العدوان، وتمثلت في الآتي:

ـ سحب السفير المصري من تل ابيب.

ـ ارسال رئيس الوزراء هشام قنديل الى غزة.

ـ فتح معبر رفح.

ويمكن القول انه اضافة الى كل هذه الخطوات التي لا تختلف بشيء عن تلك التي كان يقدم عليها مبارك اثناء العدوان على غزة لامتصاص غضب الشارع، قبل مرسي بأن يكون الراعي السياسي لاتفاق التهدئة.

على مستوى الجامعة العربية : فإنها لم تجتمع إلا بعد ايام من العدوان، وبناء على دعوة من وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، وليس من امينها العام نبيل العربي، أي أنها كعادتها تحركت متأخرة، في حين أن بيانها الذي صدر لا يعدو كونه نسخة طبق الاصل عن بيانها الذي صدر خلال العدوان على غزة عام 2008 ـ 2009، أي أنه لم يطرأ اي تحول لناحية التخاذل في اتخاذ اية مواقف، أو اجراءات عملية.

الموقف الاميركي الغربي:

ظهر الموقف الأميركي الغربي، الذي حرص، كما في السابق، على دعم حكومة نتانياهو في عدوانها، خائفاً هذه المرة على «اسرائيل» نفسها، وهو وما يفسر تحركه سريعاً للتوصل الى تهدئة، لسببين:

الأول: تنامي قدرات المقاومة، وادراكه عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على تغيير المعادلة في غزة، لانه لو كان قادراً على ذلك لتمكن من تحقيقه عام 2008 ـ 2009، وبالتالي وجدت اميركا وحلفاؤها في الغرب أن المقاومة اصبحت اكثر قدرة، وصواريخها وصلت الى عمق الكيان الصهيوني، وسقطت في قلبه، في تل ابيب والقدس الغربية، أي اكثر مناطقة حيوية وحساسة.

الثاني: عدم ثقة اميركا والدول الغربية بقدرة انظمة الربيع العربي الجديدة والطرية العود على الصمود في مواجهة التداعيات التي قد تنشأ عن إقدام الجيش الاسرائيلي على اجتياح قطاع غزة، وبالتالي الخوف من عدم قدرة هذه الانظمة على تحمل ضغط الشارع، ولذلك سارع المسؤولون الغربيون الى الاكثار من الحديث عن مخاطر الهجوم البري، لانهم لا يريدون تورط اسرائيل، واحراج، أو اضعاف انظمة الربيع العربي من ناحية

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *