نهاية أميركا البيضاء!
يقع حي استرادا في شرق مدينة لوس انجلوس ولا تسمع الناس هناك الا وهم يتكلمون اللغة الإسبانية. وتسود اللغة الإسبانية أيضاً في جنوبي ولاية كاليفورنيا. هنا يسكن أناس قدموا من أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى، ويتألف حي استرادا من 414 وحدة سكنية أقيمت بدءاً من أربعينيات القرن الماضي. وفي مرتفعات بوبل إحدى ضواحي لوس انجلوس يسكن مهاجرون يهود ويابانيون ويوغوسلاف وروس وغيرهم من المهاجرين القادمين من مختلف أصقاع الأرض.
كان لأصوات المهاجرين الذين يتكلمون اللغة الاسبانية دور كبير في إنجاح باراك اوباما لولاية ثانية ولولا أصواتهم لتمكن رومني من إلحاق الهزيمة به. ويعترف اوباما بذلك قائلاً: «إن بلادنا هي الأغنى في العالم. ولدينا الجيش الأقوى في العالم. ولكن هذا ليس سبب قوتنا. ما يجعل أميركا مميزة في العالم، هو ذلك التعدد في السكان القادم من انحاء الأرض كافة، والمتحد في شعب واحد».
صوت سبعة من كل عشرة من المهاجرين اللاتينين لأوباما وكانت نسبتهم في فلوريدا 58 بالمئة وفي فرجينيا 66 بالمئة وفي نيفادا 80 بالمئة وفي كولورادو 87 بالمئة. كما كانت نسبة المؤيدين السود له 93 بالمئة. كما صوّتت له الأقليات الاخرى من آسيوية وعربية وغيرها.
يدل تحليل هذه الأرقام على أن تغيراً كبيراً قد حدث في هذه الانتخابات وفي خيارات الناخبين. فهل يعني هذا نهاية لسيطرة البعض على أميركا، وصعود المجتمعات المهاجرة إلى سدة الحكم فيها، والذي يعكس التغير الديموغرافي فيها والذي سيغير حتماً الطبقة الحاكمة فيها؟
يحذر الحزب الجمهوري من «القنبلة السكانية» التي ستنفجر حتماً في مقبل الأيام. ولكن هذا الأمر ليس
بالجديد إذ حذر منه كثير من الباحثين والخبراء الاقتصاديين، الذين قالوا ان الأغلبية البيضاء ستفقد سيطرتها على الحكم خلال 30 عاماً. وهذا ما ظهر جلياً في الانتخابات الرئاسية الحالية.
يتناقص أعداد البيض في كثير من الولايات الأميركية. ويرى ذلك بوضوح في مدينة لوس انجلوس، المدينة الثانية الأكبر في أميركا. وهي أيضاً المدينة الثانية الأكبر، التي يتحدث أهلها باللغة الاسبانية وتنتشر في مكتبات لوس انجلوس الكتب الخاصة بتعليم اللغات الأجنبية ومنها الاسبانية والصينية والبنغالية وغيرها. ويعبر ذلك عن تعدد الأعراق والأجناس والشعوب في أميركا.
من يتحدث عن التعدد الثقافي في أميركا يعني بداية مجتمع المهاجرين الذين قدموا من مختلف البقاع وحملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم. وقد فوجئ فريق المرشح الجمهوري ميت رومني بانقلاب الموقف الانتخابي ضده، لان التركيب المجتمعي قد تغير، وهم كانوا غافلين عنه.
كانت فترة حكم رونالد ريغن تمثل سيطرة كاملة للبيض على الحكم. ويجب على الجمهوريين الآن تقبل الحقائق المرة التي أظهرتها أرقام الانتخابات الحالية. إن ناخبي الحزب الجمهوري هم الأغنياء والفئة المتدنية من البيض. في حين أن ناخبي الحزب الديموقراطي هم من الطبقة العاملة البيضاء. كما ان الأغلبية التي كان يحوز عليها البيض قد تغيرت.
يدرك الخبراء الآن في أميركا التغيرات الديموغرافية التي حدثت، خاصة زيادة عدد السكان من اللاتينيين. وفي كل يوم يدخل 20 ألف ناخب منهم إلى ساحة الانتخابات لأنهم بلغوا الـ18 سنة من العمر. وقد فهم الديموقراطيون هذا الأمر مبكراً.
وقد قال انطونيو فيلاروغاس عمدة مدينة لوس انجلوس في مؤتمر الحزب الديموقراطي «إن هذا اليوم قد يكون يوماً تاريخياً لمستقبل أميركا، حين يتحد الجميع، أغنياء وفقراء، بيضاً وسوداً، لاتينيين وآسيويين، مسيحيين، مسلمين، يهودا، في سبيل الوصول إلى أهدافنا».