نعم : الديمقراطية ليست للجميع!!

الديمقراطية ليست للجميع وأقولها بملء فمي. قد يقول البعض منكم: “إنها مجنونة”، وآخرون سيلوموني وحتى سيسبوني وسيصرخون بوجه المقالة “هراء”. ومع ذلك أكررها وأقول “الديمقراطية ليست للجميع”، وهي ليست بالخاتم الذي يمكن إلباسه على يد أية إمرأة كانت، وليست بالشجرة التي يمكن زرعها في أي أرض في العالم .. فلا بد من وجود تربة مناسبة لهذا النوع من الحريات، وطقس ملائم لحياتها ونموها بالطريقة الصحيحة، وإلا فهي مقترنة بالموت ..

ما يحدث في الوطن العربي لا يمكن ألا يدفعنا على التفكير والتحليل على المدى البعيد، وبالتالي التوصل إلى نتائج قد ننصدم بها نحن، أصحاب هذه الأفكار.

بداية ما هي الديمقراطية ؟! إنها نموذج للحياة في الغرب، المفعم بجملة من القيم والآداب، والمانح للحريات الشخصية والإجتماعية والسياسية بمختلف مستوياتها. الديمقراطية هي نتيجة لتطور الشعوب وهي عبارة عن تغييرات اجتماعية تم التوصل إليها بالتدريج وخلال فترة كبيرة من الزمن، تلك الفترة التي منحت الفرصة للشعب إمكانية التعود عليها وإدراك أهميتها، فتحولت مع الزمن إلى نمط حياة.

والآن نعود إلى الربيع العربي. ماذا يريدون هناك إخواتنا؟ يؤيدون ديمقراطية على النمط الغربي وعلى الفور، بين ليلة وضحاها، مزينة بجميع الحريات معا وفي آن واحد ..

ولكن هل الديمقراطية بمفهومها الغربي (بغض النظر عن كونها إيجابية أم سلبية) صالحة للجميع؟! هل يمكن نيلها بين ليلة وضحاها كما يريد إخوتنا؟! هل أولئك الذين كانوا يقدسون تمثال صدام حسين على مدى أعوام ومن ثم هدموه بعد غزو العراق، هل هم يدركون ما هي الديمقراطية وهل تناسبهم بالأساس؟! إنظروا، الديكتاتورية انتهت وجلب الأمريكان الديمقراطية إلى هذا البلد، الديمقراطية التي سمحت بإعدام رئيس البلاد المسلم في أول أيام عيد الأضحى. واليوم ، ماذا نرى؟! تفجيرات دامية لا نهاية لها ،كره سني – شيعي وأوضاع إقتصادية وسياسة داخلية أشبه بالفاشلة وذلك وسط أوضاع أمنية يرثى لها.. ها هي االديمقراطية الجميلة..

اليوم إذا سألت الثائر ما هي الحرية؟ كثيرا ما تسمع الرد يقول (بدي سب على الرئيس، بدي غير النظام ولا للحوار) أهذه هي الحرية ؟! هل هذه العقول مستعدة للحريات والديمقراطية؟!


حقيقة مؤلمة ولكني أقولها وبكل وعي: للديكتاتورية مكان بل وحاجة لدى الكثير من الشعوب وإن الإنتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مراحل زمنية وتغييرات إجتماعية متدرجة، وهذا ما تفتقد له المجتمعات العربية في يومنا الحالي ..

صديق لي أخبرني مرة إنه يوما في درعا السورية كاد الناس أن يدخلوا في نزاع ضخم فيما بينهم فقط لأن ماشية هؤلاء رعت في المكان الذي ترعى فيه ماشية أولئك، ولم تحل المشكلة إلى بعد أن دخل الجيش السوري إلى المنطقة وفرض حظر التجوال. مثال صغير لكنه يفتح أمامنها حقيقة المجتمعات العربية متعددة الطوائف والقوميات والأديان، إذ فيها الديكتاتورية تقابل الأمن والإستقرار والسلام ووحدة الدولة. وسواء هذا الخيار أم الخيار الدموي الآخر فكلاهما فاشل. لأن هناك مميزات وقيم ومبادئ لدى الشعب العربي يتوجب عليه أن يبني ديمقراطيته الخاصة به إنطلاقا منها، تلك الديمقراطية التي تضع حياة الإنسان فوق أي مبدأ والإحترام المتبادل أساسا لجميع الحريات، ولكن برؤية تناسب الإنسان العربي بتكوينته وطبعه. أما الديمقراطية التي يطرحها الغرب فلا تناسبه كما أنها ليس منزلة وهي ليست الكمال الذي يجب علينا جميعا أن ننطلق منه؟!

رانيا دريدي

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *