المواجهة الأميركية-الروسية مستمرّة… وسوريا أبرز ساحاتها!

يوم الثلاثاء المقبل، ستتحدّد هويّة الرئيس الأميركي المقبل، في ظلّ تقارب كبير بين حظوظ كل من الرئيس الحالي الديمقراطي باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، وإن كانت إستفتاءات الرأي التمهيديّة ترجّح كفّة الأوّل بالنقاط. لكن هذا الأمر لا يعني إطلاقاً حسم النتيجة مسبقاً حيث أنّ كل الإحتمالات تبقى واردة حتى اللحظة الأخيرة. وبغض النظر عن هويّة الفائز في الإنتخابات المرتقبة، فإنّ سعي الولايات المتحدة الأميركية لأن تكون الدولة الرقم واحد على مستوى العالم سيستمرّ.

 لكن هذا الأمر لم يعد محطّ قبول من العديد من الدول، وفي طليعتها روسيا والصين. وإذا كانت بكين تكتفي بمواجهة واشنطن بالسلاح الإقتصادي، فإنّ موسكو وواشنطن يتواجهان عسكرياً، ولو بالواسطة! واللافت أن من بين أبرز أراضي المواجهات بين الطرفين حاليا: سوريا، والشرق الأوسط، ككل!.

إذن، المواجهة القديمة بين واشنطن وموسكو(1) مستمرّة، وساحتها الحالية سوريا حيث تقف روسيا بحزم ضدّ أيّ تدخّل عسكري هناك، وتمدّ النظام السوري بالدعم العسكري (تقدّر قيمة الأسلحة المصدّرة إلى سوريا سنوياً قبل إندلاع الأزمة بنحو 400 مليون دولار) إلى جانب الدعم السياسي في الأمم المتحدة، لجهة إفشال أي قرار أممي لا يناسب مصالح النظام.

وخلال الأزمة الأخيرة، لم توقف موسكو مساعداتها العسكرية لسوريا، على الرغم من عجز هذه الأخيرة عن التسديد، لأن روسيا ترفض التخلّي عن حليف أساسي لها في الشرق الأوسط. ففي خلال الحرب الباردة كانت القوات الأميركية تجد العديد من الموانئ لها في الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط وفي الخليج العربي، بينما القوات الروسية كانت لا تحتفظ سوى بموطئ قدم وحيد في طرطوس في سوريا بفضل سياسة حزب البعث الحاكم! وترغب روسيا حالياً بالإبقاء بأي ثمن على النظام السوري المتحالف معها، للحفاظ على حضورها العسكري والإستخباري في المنطقة من جهة، ولتثبيت كل صفقات الأسلحة والمنافع الإقتصادية والتجارية من جهة أخرى.

 ومن بين الأهداف، أن يؤكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعيد إنتخابه لولاية ثانية، أنّ بلاده هي لاعب رئيس لا يمكن تخطّيه على مستوى العالم. يُذكر أنّ إشاعات كثيرة حامت حول إيران، الحليف الإقليمي القوي للنظام السوري، لجهة تدخّلها مادياً للتعويض عن التقصير السوري إزاء روسيا، وذلك باعتبار أنّ الأهداف واحدة، وتتمثّل بمناهضة الحلف الإسرائيلي-الأميركي في المنطقة. ومناهضة روسيا للسياسة الغربية، وتحديداً الأميركية هي لدوافع مبدئية وإستراتيجية. وهي لا تقتصر على ملف سوريا والشرق الأوسط، بل تشمل مختلف الملفّات العالقة في العالم

في المقابل، تبدو المواجهة الأميركية للسياسة الروسية القديمة- المتجدّدة متفاوتة الحجم ومستوى الحزم تبعاً للملف المعني. فأميركا التي لم تتردّد مثلاً في “زكزكة” روسيا بمناورات عسكرية في جورجيا القريبة من حدود الإتحاد الروسي الحالي، وتسعى لإقامة منظومة صاروخية (أرض-جوّ) هناك، لا تزال تتعاطى مع الملف السوري بتردّد وتحت ستار “الدوافع الإنسانية”. وبالتالي، لم يصل دعمها للمعارضة السورية مرحلة الدعم الإستراتيجي بمواجهة النفوذ الروسي المتصاعد. وبحسب محلّلين غربيّين، الأخطاء الأميركية المتراكمة باتت كثيرة، وإدارة واشنطن لا ترغب في إضافة خطأ جديد إلى اللائحة!

فعندما هاجمت القوات الأميركية والحليفة، العراق، وأسقطت الرئيس صدّام حسين، تراجع النفوذ السنّي ضد إيران في المنطقة، ليصل إلى الحكم في بغداد نظام مؤيّد لطهران، بعكس الإرادة الأميركية! وبالتالي فقدت واشنطن “ورقة مهمّة” كانت تستخدمها ضد إيران، وضد الدول الخليجيّة أيضاً، من دون أن تحقّق في المقابل أيّ مكسب!

وعندما إجتاحت الوحدات الأميركية أفغانستان بمساعدة قوى محلّية مناهضة لحركة “طالبان”، لم تنجح في إقامة حكم قوي يدعم نفوذها في آسيا، حيث تحوّلت القوات الأميركية والحليفة إلى حرس لحكم ضعيف، وإلى أهداف دمويّة يوميّة لمتشدّدين إسلاميّين!

وعندما وقفت واشنطن إلى جانب “إرادة الشارع” في مصر، خسرت حليفاً قوياً لها، بسقوط الرئيس حسني مبارك، وحلول “الإخوان المسلمين” مكانه، مع التذكير أنّ النفوذ الأميركي في مصر كان حلّ مكان النفوذ الروسي هناك، وذلك عند توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1979. وبالتالي، صار الهم الأميركي حالياً، عدم تنامي نفوذ الإسلاميّين في سيناء بشكل يهدّد أمن إسرائيل، وعدم إنحراف مصر عن سياستها السابقة التي كان تدور في الفلك الأميركي!

وعندما دعمت القوات الحليفة، ومن ضمنها القوات الأميركية، “الثوار” في ليبيا، ضد الدكتاتور معمّر القذافي، بات الإيقاع في ليبيا غير مضبوط، وتصاعد نفوذ مناصري “القاعدة” في ليبيا، وفي القارة الإفريقية ككل، خاصة بعد التغيير في قيادة اليمن! ولعلّ مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا، كريستوفر ستيفنز، هو خير دليل على ذلك، شأنه شأن الضربات الجويّة التي تنفّذها طائرات أميركية من دون طيّار في اليمن وغيرها، ضد أهداف محسوبة على “إسلاميّين متشدّدين” يزدادون عدداً وعدّة!


واليوم تخشى واشنطن أن ينتهي دعمها للمعارضة السورية، بنفوذ لن تتمكّن في المستقبل من إستغلاله ضد أحد، وربما سينقلب عليها كما حصل في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها في الماضي القريب! وهذه الخشية ستجعل الفائز الأميركي في إنتخابات الثلاثاء المقبل، أكان أوباما أو رومني، يعيد حساباته ألف مرّة قبل التورّط في أي خطوة جدّية ضد سوريا، لأنّ المسألة بالنسبة إلى واشنطن تتجاوز الصراع الداخلي في سوريا، والصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، وحتى مصالح إسرائيل في المنطقة، حيث يبلغ مستوى صراع النفوذ العالمي بين واشنطن وموسكو، في تجديد لما كان يُعرف بإسم “الحرب الباردة” بعد الحرب العالمية الثانية!

(1) تعود جذور “الحرب الباردة” بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الروسي إلى أيّام الثورة البلشفية على حكم القيصر نيكولا الثاني في تشرين الأوّل من العام 1917. وبعد الحرب العالمية الثانية التي وجد فيها الأميركيون والروس أنفسهما في خندق واحد ضد الجيش الألماني النازيّ وحلفاءه، نجحت موسكو في السيطرة على أراض واسعة بعكس واشنطن، الأمر الذي أثار حفيظة هذه الأخيرة.

 وعندما هاجمت كوريا الشمالية بمساعدة روسيا كوريا الجنوبية، إضطرّت أميركا لنشر وحدات قتالية هناك. وعندما هاجمت واشنطن الحكم العسكري في فيتنام كان الهدف المنظومة الشيوعيّة في العالم ككل. وفي مطلع التسعينات نجح الثوّار في أفغانستان، وبدعم أميركي بالمال والسلاح، من إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي، لينهار الإتحاد السوفياتي بعد ذلك، ويتقطّع إلى 11 دولة!

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *