رواية: حكايات من ضيعة الأرامل لجيمس كانيون

صدرت عن دار «الجمل» في بيروت رواية «حكايات من ضيعة الأرامل/ ووقائع من أرض الرجال» للكاتب الكولومبي جيمس كانيون ترجمة السوري خالد الجبيلي. رواية فيها من الذكاء ما يكفي لسحر القارئ، تمزج بين السياسة والدين والجنس في إطار يشبه المسلسل.

«حكايات من ضيعة الأرامل» نشرت في أكثر من 20 دولة، وفازت بالجائزة الأولى لأفضل رواية أجنبية عام 2008. كذلك وصلت إلى التصفية النهائية لجائزة «أدموند وايت» لعام 2008 للرواية، وجائزة «لامبدا الأدبية» لعام 2008 لأفضل رواية أولى.

تحكي الرواية قصة مشحونة بجرعات عالية من الواقعية السحرية التي اشتهر بها كتاب أميركا اللاتينية، خصوصاً غابرييل غارسيا ماركيز وإيزابيل الليندي، رواية مفعمة بالمواقف الساخرة والفكاهية والإنسانية، وفيها شيء من طيف رواية «مئة عام من العزلة». ففي 15 نوفمبر 1992، يقتحم الثوار ماريكيتا، وهي قرية كولومبية جبلية نائية، ويرغمون رجالها على الالتحاق بصفوفهم، ويقتلون على الفور كل من يقاومهم أو يرفض الاستجابة لطلبهم، ولا يبقى في القرية إلا الأرامل والعوانس بالإضافة إلى قسيس القرية وفتى أبيض البشرة، يتنكر في هيئة فتاة.

تغوص القرية في حالة من الفوضى وتمتلئ شوارعها بالأوساخ، وتعاني نساؤها من شح الطعام. وتتصور روزالينا أرملة باتينو مستقبلاً جديداً لقرية الأرامل هذه. وبعد أن تنصّب نفسها قاضية للقرية، تعد بسن قوانين جديدة، وفرض النظام، واستعادة الاقتصاد المنهار، وتمضي في إقامة بقية حياتها، معلمة مدرسة. وترثي دونا اميليا خسارة زبائن المبغى التي تقوم بإدارته. وفي الوقت نفسه، تشكل مانوليا موراليس مجموعة من الفتيات اللواتي يشعرن بالحنين إلى الرجال، ويقمن ما يشبه «مبغى سحريًا»، حيث تغوي النساء الوحيدات الرجال القادمين من القرى المجاورة قبل وصولهم إلى مبغى دونا امليا. وبعد أن تؤدي عاصفة قوية إلى إزالة الدرب الترابي الوحيد المؤدي الى القرية، لا يعود لنساء القرية أي سبيل للتواصل مع العالم الخارجي، وتقترح القاضية روزالينا «حملة الإنجاب»، حيث يقوم قسيس القرية بعلاقة مع 29 امرأة ويتبين أنه عقيم أو عاقر. وتعقب كل حكاية ترويها النساء، شهادات عن الفظائع التي يرتكبها الرجال المقاتلون.
رواية عن دراما الصراع بين الحرية والتقليد، بين المأساة وبين الكوميديا، الدين والتهتك، فيها من الذكاء ما يجعل القارئ يمارس نوعاً من الحشرية لإتمامها.

اليوم الذي اختفى فيه الرجال

كانت بداية صباح اليوم الذي اختفى فيه الرجال تشبه بداية صباح أي يوم أحد عادي في ماريكويتا: فقد نسيت الديوك أن تصيح معلنة بزوغ الفجر، وأطال القندلفت نومه، فلم يقرع جرس الكنيسة لمناداة المؤمنين لحضور الصلاة في وقت مبكّر، (وكما جرت العادة في صباح كلّ يوم أحد خلال السنوات العشر الماضية) لم يكن يحضر صلاة القداس عند الساعة السادسة صباحاً إلا شخص واحد وهو دونا فيكتوريا أرملة مورليس. فقد دأبت الأرملة على حضور الصلاة، كما كان دأب القسّ رافائيل. في البدء، لم يكن أي منهما يشعر بالارتياح: فقد كان القسّ الضئيل البنية، يكاد يختفي وراء المنبر وهو يلقي موعظته، والأرملة الطويلة القامة، العامرة الصدر، تجلس وحدها في الصف الأول دون أن تأتي بأي حركة، يغطي رأسها وشاح أسود يتهدل على كتفيها. وقرّرا مؤخراً التخلي عن أداء الصلاة، وأصبحا في معظم الأحيان يجلسان معاً في ركن الكنيسة، يحتسيان القهوة ويتجاذبان أطراف الحديث. وفي اليوم الذي اختفى فيه الرجال، كان القسّ رافائيل يشتكي للأرملة من التدني الشديد في ريع الكنيسة، وكانا يناقشان سبل إحياء دفع ضريبة العشر بين المؤمنين. وبعد أن أنهيا حديثهما، اتفقا على تجاوز الاعتراف، ولكن بالرغم من ذلك، تناولت الأرملة سر القربان المقدس، ثمّ تلت بعض الأدعية والصلوات قبل أن تعود أدراجها إلى البيت.


ومن خلال نافذة غرفة جلوسها المشرعة، سمعت أرملة موراليس أصوات الباعة المتجولين وهم يحاولون جذب انتباه أول طلائع المستيقظين من النوم بأطايب الطعام التي يبيعونها: «مورسيلاس» (نقانق سوداء) و{إمباناداس» (سمبوسك) و{تشيتشارونيس» (حلقات من لحم الخنزير). أغلقت الأرملة النافذة التي تهبّ من خلالها روائح دم النقانق الكريهة والأطعمة المقلية التي كانت تزعجها أكثر مما تزعجها الأصوات الحادة المرتفعة التي تعلن عن تلك الأطعمة. أيقظت بناتها الثلاث وابنها الوحيد، ثمّ عادت إلى المطبخ، وراحت تعدّ طعام الإفطار لأفراد أسرتها وهي تصفّر لحن أغنية.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *