فضل الناتو على أوروبا

عند منح جائزة نوبل للسلام هذا العام للاتحاد الاوروبي ألمحت لجنة الجائزة بشكل صحيح الى دور الاتحاد المهم في تحويل اوروبا من قارة للحرب إلى قارة للسلام، ولكن الاوروبيون وهم يحتفلون بما انجزوه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عليهم الا ينسوا انه لولا يد المساعدة التي قدمتها الولايات المتحدة والناتو لما نجحوا في الوصول إلى ما وصلوا إليه.

فعن طريق ايجاد نوع من الاعتماد الاقتصادي المتبادل ثم بناء روابط سياسية وثقافية واجتماعية عميقة فتح الاتحاد المجال امام اوروبا الغربية ثم الوسطى والشرقية لبناء الرخاء، وأصبح رعب حربين عالميتين جزءا من الماضي؛ على أن هذا الرخاء أصبح ممكنا فقط عندما تم ضمان الامن، ولولا الولايات المتحدة والناتو لما كان السلام ممكنا.

في العام 1949 تأسس تحالف بين الولايات المتحدة وكندا واوروبا الغربية ضمن للاوروبيين الغربيين عدم اجتياحهم من قبل الدبابات السوفيتية، وخلال عقود اربعة من الحرب الباردة، ركن الأوروبيون إلى معرفتهم بأن الولايات المتحدة ستهرع إلى نجدتهم، فكان ذلك سببا في جعل الاوروبيين يركزون على بناء معجزتهم، وعندما انتهت الحرب الباردة، تحولت انظار الغرب إلى مساعدة بني جلدتهم من مواطني اوروبا الوسطى والشرقية على الانضمام إلى منطقة السلام والرخاء التي رفل في نعيمها الغربيون. ووفر الاتحاد الاوروبي المساعدة كي يضمن للبولنديين والتشيك والاستونيين وغيرهم بناء اقتصاد السوق وتطوير الديمقراطية وحكم القانون، موفرا الحماية لحقوق الانسان في اعقاب انتهاء هيمنة السوفيت.

بيد انه ما كان لشيء من ذلك ان يحدث بدون الامن، ولقد قاد الناتو الطريق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. في البداية وضع تحالف الاطلسي برنامج الشراكة من اجل السلام بهدف ضمان ان تفهم الجيوش في تلك البلدان الشيوعية السابقة معنى بناء مجتمع ديمقراطي، وبعد ذلك مهد الحلف طريق العضوية لعدد كبير من الدول في المنطقة موفرا الامل للدول التي اجبرت على العيش في ظل نظام استبدادي بأن بإمكانهم العيش في سلام وأن تعرف شعوبهم طعم الحريات الفردية وانه ستكون محمية.

لو لم يضمن الناتو الامن لكان من المشكوك فيه ان يتمكن الاتحاد الاوروبي من التوسع. هل كان الاتحاد سيسمح لاستونيا ولاتفيا وليتوانيا بالانضمام في وجه التخويف الروسي وفي غياب حماية الناتو؟ ان تلك الدول كانت تعتبر غير امنة بشكل لا يسمح لها بالانضمام. لقد كانت في وضع اشبه بوضع جورجيا التي يمنع صراعها مع روسيا تبليسي من ان تحذو حذوها. ثم ان هناك البوسنة، التي شهدت مطلع التسعينات حربا استمرت نحو اربع سنوات. وكانت الولايات المتحدة تأمل في ان يوقف الاتحاد الاوروبي المذبحة التي ترتكبها الحكومة الصربية وحلفاؤها، ولكن الاتحاد لم يكن يملك الرغبة ولا القدرة على فعل ذلك، فما كان من الناتو بقيادة الولايات المتحدة عام 1995 الا ان يتدخل وينهي الحرب ويروج للسلام، ولم يكن الاتحاد الاوروبي هو الذي وضع نهاية لأسوأ موجة عنف تعصف بالقارة منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يكن الاتحاد الاوروبي الذي وضع حدا لحرب ابادة جماعية تذكر بجرائم النازيين؛ بل كان الناتو، الذي قام بنفس الدور بعد ذلك بأربع سنوات عندما تعرض البان كوسوفا لعدوان من الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفتش.

يبنغي لنا ان نحتفل جميعا بنجاح الاتحاد الاوروبي، وأن لجنة جائزة نوبل للسلام ارادت بوضوح ان ترسل رسالة بأن الزعماء الاوروبيين لا يمكنهم ان يسمحوا للأزمة الاقتصادية الراهنة ان تقودهم إلى تفكيك ما حققه اسلافهم. على ان السلام في اوروبا لم يكن ببساطة وليد رخاء اكبر فقط، ولكنه كان ايضا شرطا اساسيا للنمو الاقتصادي. خلاصة القول ان القيادة الاميركية للناتو هي التي ساعدت على جعل السلام والرخاء امرا ممكنا.

جيمس جولدجير
عميد كلية الخدمة الدولية بالجامعة الاميركية بواشنطن
خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون – نيويورك تايمز

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *