طهران ترفض التهافت: في معاني تمنّع سعيد جليلي عن لقاء الأميركية شيرمان

الأرجح أن لا ودّ بين سعيد جليلي وويندي شيرمان، ولن يقوم بينهما أي ودّ. المفاوضة الأميركية لم تستطع إغراء المفاوض الإيراني، ولو بخلوة ثنائية، رغم ما تراكم بينهما من مواعيد حول برنامج طهران النووي في اسطنبول وبغداد.

ذلك أن الإيراني المتحفظ طبعا إلى حدّ رفض مصافحتها، لم يتوقف عن صدّ شيرمان عن استدراجه بعد كل لقاء، إلى رواق جانبي، بعيدا عن أعين الخمسة الآخرين، لتفضي إليه بما يمكن أن تعرضه واشنطن ثنائيا.

الشاهد الراوي، ديبلوماسي غربي مثابر على حضور اللقاءات في كل العواصم، نقل المشهد، مؤكداً أن لا حقيقة في الأنباء التي جرى تداولها عن مفاوضات أميركية – إيرانية سرّية للتوصل إلى تسوية حول مشاريع طهران النووية. ولفت إلى أن الأميركيين يميلون إلى الاختلاء ثنائيا بالإيرانيين، لكن هؤلاء رفضوا الخلوة على الدوام .

الديبلوماسي الغربي، المواكب لمفاوضات الستة مع إيران، كشف عن عروض جديدة للتفاوض مع طهران حول النووي، لكن أياً من هذه العروض لن يفاجئ الإيرانيين. فلا تغييرات جوهرية عما عرفوه في لقاءات اسطنبول وبغداد وموسكو من مقايضات عرضت عليهم لقاء وقف برنامجهم النووي

.
وبحسب الديبلوماسي الغربي، خلص اجتماع بروكسيل للمفاوضين الستة حول إيران إلى ورقة جديدة ستُعرض على الإيرانيين في اجتماع ينعقد في اسطنبول في النصف الأول من الشهر المقبل، إذا ما نجحت الاتصالات الجارية بترتيب الموعد في الوقت المطلوب، وإلا فإن الموعد سيضرب للإيرانيين في اسطنبول مطلع كانون الثاني المقبل.

وما يدعو للعودة إلى اسطنبول هو اتضاح تكتيكات الإيرانيين باللعب على عتبة الكمية الكافية لإنتاج القنبلة النووية ومخزونها الذي يعلو ويهبط حول 225 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. وهذه أرقام أوردها تقرير وكالة الطاقة النووية الصادر الأسبوع الماضي.

 
اللعب على أعصاب الأميركيين والأوروبيين، ومداعبة العتبة الحرجة لإنتاج القنبلة النووية، تكتيك الديبلوماسية الإيرانية الأخير على جبهة الملف النووي، تبعا لصعود أو هبوط الضغوط السياسية والتهديدات العسكرية. من هنا، رسم المصدر الديبلوماسي الغربي «آليات التعاطي الإيراني مع التهديدات العسكرية الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية، وقال ان الإيرانيين يتحكمون بقواعد اللعبة وقد استطاعوا خفض التوتر مع الإسرائيليين طيلة العام، من دون أن يعني ذلك أن احتمالات الضربة العسكرية قد زالت». وأضاف «لكنهم طمأنوا الإسرائيليين الأشهر الماضية عبر تراجعهم خطوات عن اللحظة التكنولوجية الحاسمة لإنتاج القنبلة، عندما توصلوا إلى إنتاج الكمية الكافية». ذلك أنه في عزّ الدعوة إلى ضرب البرنامج النووي الإيراني، لجأ الإيرانيون إلى سحب 90 كلغ من مخزون الـ225 الذي يمتلكونه وقاموا بتحويله إلى وقود نووي (أوكسيد اليورانيوم) يقوم بتشغيل مفاعل طهران الاختباري. والقاعدة أن الكمية التي يتم تحويلها إلى استخدام مدني في المفاعل الاختباري تصبح وقودا ساكنا لا تمكن إعادة استخدامه عسكريا أو حسبانه في المخزون الخاص لاستخدامات عسكرية.

 
وبعد طمأنة الغربيين والإسرائيليين بالابتعاد عن العتبة الحرجة والكمية الضرورية، وانخفاض مستوى التهديدات خلال الصيف، وافتتاح الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية توقف الإيرانيون عن تحويلهم مخزون اليورانيوم إلى استخدامات مدنية وعادوا إلى تكديس المخصّب منه بنسبة 20 في المئة .

 
ويبدو هدف إيقاف البرنامج الإيراني بأكمله بعيد التحقق آنيا، خصوصا ما يتعلق بالتخصيب المنخفض بنسبة 3.5 في المئة، فضلا عن أي تقدم بشأن الكميات وخفض نسبة تخصيبها أو إخراجها من إيران، أن يكون قادرا على طمأنة كل الخائفين من البرنامج النووي الإيراني لأن الخطر «أصبح يتمثل في أن الإيرانيين أصبحوا يمتلكون التقنيات النووية وعددا كبيرا من العاملين فيها، وهو ما سيكون صعبا على أي عقوبات صدّه». فالعروض التي ستقدم في اسطنبول تهدف إلى التوصل إلى وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، أولا، والتفاوض على مقايضة محتملة للمخزون الحالي منها بضمانات شبيهة بما عرض في الماضي من تحويلها إلى وقود لمفاعل مدني، وتجاوز الخلاف حول الآليات وطريقة تسليم الكميات إلى طرف ثالث بالتقسيط كما يرى الإيرانيون أو دفعة واحدة كما يطالب الغربيون.

 
ويقرّ الديبلوماسي الغربي أن العقوبات لم تؤثر في سير البرنامج النووي الإيراني، وهو ما أكّده المدير العام لوكالة الطاقة النووية يوكيا أمانو خلال زيارته الأسبوع الماضي للعاصمة الفرنسية. أما عمليــات الاغتــيال التي تعرّض لها بعض الخبراء في البرنامج فلم تغيّر شيـئا في وتــيرة البــحث والإنتاج، خصوصا أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية التي نفذت العمليات لم تتوصل إلى تصفية أي من العاملين الأساسيين أو المشرفين على نواة البرنامج، وأن العمليات استهدفت كل من كان بوسع الاستخبارات الإسرائيلية الوصول إليه لإحداث صدمة نفسية وإشاعة الخوف والفوضى.

في المقابل، يبدو أن العقوبات الاقتصادية الغربية نجحت بتدمير نصف الاقتصاد الإيراني. وقال الديبلوماسي الغربي ان من الصعب على أي بلد أن يستمر طويلا في تمويل برنامج نووي مكلف، مع الفوضى التي بدأت تعم اقتصادا كالاقتصاد الإيراني في حالته الراهنة. وقد فقد الإيرانيون أكثر من نصف إنتاجهم النفطي والتصديري، وهبط تصدير النفط من 2.3 مليون برميل يوميا، ومعها عائداتها، إلى مليون برميل. كما خسر الريال الإيراني ثلث قيمته الشرائية وارتفعت البطالة، وتجاوز التضخم 30 في المئة، كما وسّع الإيرانيون لائحة البضائع التي لم يعد ممكنا استيرادها.

وقال المصدر الغربي ان القرار 1929 الذي يدير العقوبات قد استنفد تماما، وان أي عقوبات جديدة لن تتجاوز فعاليته، باستثناء ربما فرض حصار شامل على إيران، وهذا أمر يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن.

 
وتقارب مجموعة الستة موعد اسطنبول بالكثير من الريبة لجهة إمكان توصله إلى ثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي رغم استفحال العقوبات، إذ «لم تصدر أية مؤشرات جديّة عن الإيرانيين تبيّن رغبة حقيقية في التفاوض، كما أن التطورات في الملف السوري لا تشجع الإيرانيين على إبداء أي ليونة ولا يتوقع منهم الكثير من ذلك، وهم مقبلون على انتخابات رئاسية تحمل أكثر على التشدد من الاعتدال في الموضوع النووي».

 
واستشهد الديبلوماسي الغربي بما لقيه من استقبال فاتر في طهران المندوب الروسي سيرغيي ريابكوف، خلال استطلاعه قبل أسبوع الموقف الإيراني «حيث لم يلق أي انفتاح» رغم ما لعبته موسكو من دور اعتراضي في هذا الملف .

 
وقال الديبلوماسي الغربي إنه مع ذلك هناك عناصر ضاغطة ايجابية يمكن أن تلعب دورا في اسطنبول. فبعد اجتياز الولايات المتحدة الانتخابات الرئاسية، وبقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، «اتضح المشهد، خصوصا مع تعهد أوباما أمام اجتماع اللوبي الإسرائيلي («الآيباك») بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وأنه لا يستبعد الخيار العسكري. أما الخيار العسكري الإسرائيلي وفرضية الفرصة الإضافية التي منحها بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة كي يقوم بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، فقد تأقلم الإيرانيون معهما عن طريق اللعب عند الحافة الحرجة لليوروانيوم الضروري لإنتاج القنبلة، وهم يتحكمون بقواعد اللعبة… حتى الآن

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *