«حماس» تزداد قوة بعد حرب غزة

أرادت إسرائيل وضع حد للصواريخ الآتية من غزة وتهريب الأسلحة عبر الأنفاق تحت الأرض. في المقابل، أرادت «حماس» إنهاء الاعتداءات الإسرائيلية وتخفيف الحصار وفتح المعابر لعيش حياة طبيعية نسبياً في ذلك القطاع الذي يشبه إلى حد بعيد أكبر سجن عالمي في الهواء الطلق.

لنضع الادعاءات التي تطلقها إسرائيل والادعاءات المضادة التي ترد بها “حماس” جانباً. ولنتجاهل التوقعات القائلة إن بنيامين نتنياهو صعد الصراع في غزة كجزءٍ من حملة إعادة انتخابه أو اقتنص فرصة الهجوم في غزة بعد أن حرمه باراك أوباما من فرصة مماثلة في إيران.

لننظر إلى المشهد العام
كجزءٍ من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه، حقق الهجوم الإسرائيلي على غزة الوعود بوقف الصواريخ التي تستهدف إسرائيل موقتاً. لكن هل سيكون هذا الهجوم الأخير مختلفاً عن التحركات الإسرائيلية السابقة التي تترافق مع نتائج عكسية بعد استهداف “حماس” و”حزب الله” والفلسطينيين عموماً؟
حين فازت “حماس” بالانتخابات الفلسطينية عام 2006، اعتبرتها إسرائيل كياناً إرهابياً، ثم فرضت عقوبات مشددة وحصاراً على غزة. كان الهدف من تلك التدابير حث سكان غزة (1.5 مليون نسمة) على الانقلاب ضد “حماس” وتجريد هذه الحركة من شرعيتها تزامناً مع تعزيز نفوذ السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس كونها تمثل المحاور الأكثر تساهلاً.

نسف العلاقات

لكن حصل عكس ذلك، فقد سحقت “حماس” محاولة انقلاب من السلطة الفلسطينية وحافظت على ثقة سكان غزة.
كذلك، أدى الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 2006 إلى تقوية “حزب الله”. اليوم، يستأثر الحزب بما يشبه حق النقض في حكومة بيروت.

ولم تنجح الحرب الإسرائيلية الجوية والبرية على غزة بين عامي 2008 و2009 في إضعاف “حماس”، بل إنها أدت في نهاية المطاف إلى اضطراب ونسف العلاقات الإسرائيلية مع تركيا بعد أن كانت هذه الدولة حليفتها المسلمة منذ فترة طويلة.

كانت الحملة الهجومية الأخيرة على غزة مدعومة من الولايات المتحدة وكندا ومعظم دول أوروبا (إسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها!). لكن لم تمنح تلك الدول موافقتها على شن حرب إسرائيلية برية كما حدث بين عامي 2008 و2009، بل إنها تدخلت لتجنب اندلاع حرب مماثلة. كان موقف نتنياهو المتخاذل يوم الأربعاء لافتاً. لا شك أن عشرات آلاف الجنود الذين استدعاهم شعروا بالإحباط.
الأهم من ذلك هو أن “حماس” استعملت صواريخ بلغت تل أبيب والقدس، مع أنها لم تستهدف مواقع كثيرة. لكن أثار تفجير حافلة بالقرب من المقر العسكري في تل أبيب رعباً شديداً في قلب إسرائيل.

الهواء الطلق

بعد أن عمدت كندا والولايات المتحدة وحلفاؤهما إلى عزل “حماس” طوال سنوات، قررت تلك الدول نفسها التواصل مع الحركة هذه المرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من أجل التوصل إلى بروتوكول مع إسرائيل.
إذا كانت إسرائيل تريد فرض شروط معينة، ينطبق الأمر نفسه على “حماس”. أرادت إسرائيل وضع حد للصواريخ الآتية من غزة وتهريب الأسلحة عبر الأنفاق تحت الأرض. في المقابل، أرادت “حماس” إنهاء الاعتداءات الإسرائيلية وتخفيف الحصار وفتح المعابر لعيش حياة طبيعية نسبياً في ذلك القطاع الذي يشبه إلى حد بعيد أكبر سجن عالمي في الهواء الطلق.

يقول جيم رايلي، أستاذ في تاريخ الشرق الأوسط العربي في جامعة تورنتو: “استعادت حماس شرعيتها، وتم التعامل معها وكأنها حكومة شبه مستقلة. لقد اختار وزراء الخارجية الإقليميون وممثلو جامعة الدول العربية التواصل مع حماس”.
هذا ما فعلته وزارة الخارجية الأميركية والأمانة العامة للأمم المتحدة أيضاً بوساطة مصرية.
يوضح رايلي: “أصبحت حماس الآن المحاوِر الفلسطيني الذي يصعب الاستغناء عنه. لقد رسخت نفسها في محور الأحداث”.
حصل ذلك تزامناً مع ظهور تداعيات الربيع العربي.
لم يغفل رئيس مصر المنتخَب عن أفعال إسرائيل، كما كان يفعل حسني مبارك. لكن لا شك أن يدَي محمد مرسي مكبلتان. هو يريد في المقام الأول إصلاح الاقتصاد المصري ويحتاج إلى المساعدة الأميركية لتحقيق ذلك. هو لا يريد الحرب مع إسرائيل.
لكنه أرسل رئيس حكومته إلى غزة حيث التقطت له صور وهو يقبل جثة طفل قيل إنه قُتل خلال الاعتداء الإسرائيلي. لعب مرسي دور الوساطة بين “حماس” وإسرائيل والولايات المتحدة. ظهر هذا الرجل الذي ينتمي إلى جماعة “الإخوان المسلمين” ويُعتبر المعلم الروحي لحركة “حماس” بصورة اللاعب النافذ في المنطقة.
ينطبق هذا الدور على تركيا أيضاً، وهي ثاني أهم قوة في المنطقة والدولة المسلمة الوحيدة في حلف الأطلسي. عبّر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان (وهو زعيم أُعيد انتخابه للمرة الثالثة) عن تضامنه مع مرسي في القاهرة ومع سكان غزة.

أكبر الخاسرين

كذلك، أرسلت الحكومة التونسية المنتخبة ممثليها إلى غزة. وحاول أمير قطر كسب الإشادة حين تعهد بتقديم 400 مليون دولار خلال زيارته إلى غزة قبل أيام من بدء الأعمال العدائية. في الأردن، البلد العربي الوحيد الذي عقد معاهدة سلام مع إسرائيل إلى جانب مصر، يواجه الملك عبدالله انتفاضة شعبية بسبب ارتفاع الأسعار وانزعاج عام من النظام غير الديمقراطي.

ويقول رايلي: “لقد أدى الربيع العربي إلى تغيير الحسابات. ما نشهده هو تنامي نفوذ “حماس”. بغض النظر عن الكيان الفلسطيني الجديد الذي يمكن أن ينشأ في المرحلة المقبلة، لا شك أنه سيضمن تمثيلاً قوياً جداً لحركة حماس”. في الوقت نفسه، تبين أن السلطة الفلسطينية والرئيس عباس كانا “أكبر الخاسرين، فقد بقيا على هامش الأحداث”. في ما يخص حل الدولتين، “يبدو أنه يتلاشى مع مرور الأيام”

.
انضم حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو إلى حزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة المسؤول المعادي للعرب أفيغدور ليبرمان لخوض انتخابات شهر يناير معاً.
يضيف رايلي: “يشير هذا الأمر إلى عدم وجود التزام جدي، من جانب الأحزاب السياسية المسيطرة اليوم، بأي بند تعتبره بقية دول العالم نتيجة تتماشى مع إرساء حل الدولتين. ستسيطر إسرائيل عسكرياً على البلد كله وستتقبّل منح بعض الصلاحيات العابرة للإدارة الفلسطينية في مناطق منزوعة السلاح”.

في هذه الحالة، سيمهّد الوضع القائم لاستمرار المراوحة التي أثبتت مراراً وتكراراً أنها انهزامية بالنسبة إلى إسرائيل.
هل سيسمح أوباما باستمرار هذا الوضع بعد إعادة انتخابه وإشراك الولايات المتحدة بالعمل مع مصر وإسرائيل والتنسيق مع المجتمع الدولي بشكل قوي وغير متوقع في الأيام الأخيرة؟

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *