مصر بين تخبّط «الإخوان» وتأهب الناصريين

معادلة «مصر لذاتها وبذاتها» التي كانت خلال حكم حسني مبارك، لم تعد موجودة. فما يحيط بمصر يعكس مرآته على المعادلات الداخلية استراتيجياً، إذ إن هنالك توازناً ما بين البعد السياسي الاجتماعي الداخلي وما تعكسه الأحداث المحيطة بمصر، خصوصاً غزة، التي يعتبر البعض أن ما يحصل فيها ستكون له انعكاسات على أمن مصر. فأمن غزة من أمن مصر، وغزة ذاتها كانت قبل العام 1967 تحت الإدارة المصرية. وبرغم قوة الخسارة التي ألمّت بمصر حين اصطدمت ناقلة نقل بأحد القطارات في الأسبوع الماضي، ما أدى إلى مقتل ما يزيد عن خمسين طفلاً، إلا أن أحداث غزة حاضرة بقوة، وكان حادث الصدام ثانوياً في أحاديث المصريين.

في مصر يرى كثيرون أن «الإخوان المسلمين» الذين يتخبطون في الحكم، ليس لديهم خبرة في إدارة مؤسسات الدولة، برغم قدرتهم على إدارة مؤسسات خيرية نجحوا فيها.

 
وفي هذا السياق، يقول المرشح الرئاسي الثالث حمدين صباحي في لقاء معه: «إن مصر لن تعود إلى الوراء». وحمدين الذي يشهِّر به «الإخوان» هو غير ما كانه خلال فترة الانتخابات، إنه يتصرف من موقع المسؤولية، وكأنه في الحكم غداً. هو متفائل بمستقبل مصر، وإن كان يردد بأن الحياة السياسية في مصر يلزمها حوار، أكثر مما هو الواقع الحالي من ترصد أخطاء هذا أو ذاك والبناء عليها.

 حمدين صباحي لا يتصرف بردات أفعال، هو يثق بالفقراء من عمّال وفلاحين ومن أجيال جديدة، لا سيما أن من وقفوا معه، كما يقول، قد تضاعف عددهم، «هؤلاء هم المنتسبون إلى المستقبل، علينا أن نرى الأمور بعيونهم… مصر تتفاعل بسياساتها المقبلة مع الدائرة العربية الإسلامية والدائرة الأفريقية، وأخيراً العالمية، هي ذاتها لا تريد أن تكون تابعة لهذا أو ذاك». حمدين عقله في مصر وقلبه في فلسطين وعيناه على سوريا واليمن.

إنه عالم عدم الانحياز الجديد، ولكن بظروف جديدة وعالم يختلف جذرياً عما كان عليه أيام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. وناصر هو المثال لحمدين، أما نهرو وتيتو وغيرهما من قيادات تلك المرحلة فلم يبقى منهم إلا تاريخهم وما قاموا به.

إيران ليست بعيدة من حسابات صباحي، كذلك تركيا. أما الموقف من سوريا فقد يكون مربكاً له، فسوريا ومستقبلها في مجال التساؤل والاستفهام، وهو يقف مع الشعب وإن كان ضنيناً بالدم السوري.

يعمل حمدين مع فريق عمل ليل نهار على تكوين إدارة موازية، وهو الذي يطرح برنامجاً رئاسياً، منه ما قد يبدو واضحاً ومنه ما هو غير ذلك. إنه يخطو بثبات عبر التعاون مع نخبٍ تتوفر فيها اختصاصات مصر بحاجة إليها في المرحلة المقبلة. القطاع الزراعي ـ الصناعي له الأولوية في تفكيره، وإن كانت حالات توطين التقنيات الحديثة ليست غائبة عن برنامجه، والقطاع التربوي ومناهجه هو ما يجب البدء منه والبناء عليه.

 
الناصريون يجددون حضورهم، خصوصاً انهم يحضّرون وعبر اجتماعات متواصلة من أجل وحدة الأحزاب الناصرية، وقد خَطت عمليات التحضير من أجل ذلك خطوات مهمة. ويقول سيد عبد الغني وهو أحد القيادات المصرية الفاعلة على هذا الصعيد، وواحد من مجموعة تعمل بدينامية من أجل التوحيد: «إن هناك من يشعر بأنه قد يخسر شيئاً حين تحقيق هذه الوحدة، لكن لا يمكن التعويل على آراء من هذا النوع ولا على أشخاص يربطون مسألة الوحدة بالمصالح الذاتية». سيد عبد الغني الفاعل في «الحزب الديموقراطي العربي الناصري»، متفائل ـ إن مركز الحزب الواقع في قلب القاهرة في شارع طلعت حرب، يعج بالنخب التي تأتي من مختلف المناطق ـ ويرى أن مسألة الوحدة ستعطي الثقة لهذا التراث التاريخي الناصري الذي نسعى إلى تجديده. ففي مركز الحزب ترى أسبوعياً الآلاف من الوجوه التي تأتي إليه، لا سيما من العنصر النسائي الذي يتمتع بحضور مميز وله رأيه المستقل.

 
أما عن حزبَي الوفد والدستوري وغيرهما من الأحزاب، فقد ترى بأنهما يمران بحالة فيها الكثير من عدم الاستقرار، ليست في رؤيتيهما للسياسة الداخلية وحسب، بل إلى موقع مصر ودورها أيضا… وإن كانت أيديولوجية كل من هذين الحزبين ترى مصر في ذاتها وبذاتها، بينما يريان في مواقف الأحزاب الأخرى فائضاً أيديولوجياً لا مبرّر له. أما مواقف هذين الحزبين حيال ما يحصل في غزة، فمرهون مباشرة بما يمس الأمن المصري.

 
مصر التي تحررت في 25 يناير 2011 من الهيمنة الأميركية تعيش حالة من الارتباك قد تكون طبيعية، وقد تكون جزءاً من هذا الذي أسست له قوى داخلية وخارجية، خصوصاً الأميركية، تلك التي خططت لهندسة المجتمعات العربية كي تتلاءم وتخدم سياسات أبعد ما تكون عن مصالح الشعوب العربية.

 
القوى المضادة تعمل بفعالية. والإرث الذي تركه الحكم السابق ثقيل وفعال. القوى المضادة تعمل بجدارة لإعادة ما كان لها من نفوذ وتأثير. بينما القوى السياسية الوطنية تتعامل بشك، لكن بندية مع بعضها البعض، ليس من لغة تفاوض أو مساومة بين بعضها.

مصر من يراها اليوم ويعيش المناخات التي تعيشها، سيجد نفسه في حالة تشوش وارتباك… مصر التي تفتش عن خياراتها الداخلية الوطنية خصوصاً الاجتماعية منها هي ذاتها، وعبر أحزابها المتعددة تحاول أن ترسم إستراتيجية للخيارات الداخلية والخارجية. النقاش حول الإستراتيجية القومية لمصر وموقعها ما زال في بداياته.
إن الإرث الثقيل الذي تركته المرحلة السابقة لا سيما «الساداتية» منها، ما زال حاضراً، فأنور السادات الذي اعتبر أن حرب العام 1973 هي آخر الحروب، يفرض على تلك الأحزاب أن تعيد النظر فيه، وفي ما خططت له وعملت من أجله سياسات حكم السادات ومبارك.

مصر الآن وقواها السياسية تحاول إعادة النظر في اتفاقية كامب دايفيد، ويشدد حمدين صباحي على ضرورة استفتاء شعبي، وإعادة النظر بتلك الاتفاقية تلك التي رُسِم فيها دور مشوّه لمصر ولوظيفتها الإقليمية ولموقعها العربي والدولي

.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *