الموقف الرسمي العربي تفضحه غزة

في الوقت الذي أكد العدوان على قطاع غزة تطور وتنامي قدرات المقاومة، وأن انتصارها العسكري الواضح قد عزز من قوة محور دول وقوى المقاومة في المنطقة، فإنه كشف حقيقة أن الواقع العربي الرسمي لم يطرأ عليه أي تغيير، بل يمكن القول إنه أصبح أكثر سوءاً مما كان عليه قبل سقوط أنظمة: حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، فيما مؤسسة الجامعة العربية ظلت على نفس إيقاعها من التقاعس والتخاذل والتواطوء، وتجسد ذلك في الآتي:

أولاً: استمرار علاقات التبعية، لمعظم الأنظمة العربية، بما فيها الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا، بالولايات المتحدة الأميركية؛ الراعي والداعم الأول للكيان الصهيوني وعدوانه على غزة، وتبين أنه لم يحصل أي اختلاف، أو تغيير في هذه العلاقات، عما كانت عليه في السابق من التزام في ترجمة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، سياسياً وأمنياً.

ثانياً: أما على صعيد الصراع العربي “الإسرائيلي”، فإنه لم يحصل أيضاً أي تبدل، لا بل ما حصل أن مصر، التي كانت أيام حسني مبارك تحصر التعامل مع الكيان الصهيوني، أثناء عدوانه على غزة، بجهاز المخابرات المصرية، رفعت اليوم من مستوى هذا التعامل إلى المستوى السياسي، الذي عبر عنه برعاية الرئاسة المصرية لاتفاق التهدئة، ودخول الرئيس محمد مرسي على خط المفاوضات بين “إسرائيل” وفصائل المقاومة، وبإشراف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وهو ما لاقى تنويه “إسرائيل”، التي حرصت هذه المرة على أن تكون هناك رعاية سياسية مصرية لاتفاق التهدئة.

وتبين أن موقف مصر في ظل حكم “الإخوان” لم يتغير في أي جانب من الجوانب، عن موقفها في ظل حكم مبارك، وظهر ذلك بوضوح من خلال الخطوات التي اتخذها مرسي أثناء العدوان، والتي كان يقدم عليها مبارك أيضاً لامتصاص غضب الشارع، والتي تمثلت في الاكتفاء بسحب السفير المصري من تل أبيب، وإرسال مسؤول مصري إلى غزة، وفتح معبر رفح.

ثالثاً: جامعة الدول العربية، كعادتها، لم تسارع إلى الاجتماع، إلا بعد أيام من العدوان، وبناء على دعوة من وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور، وليس من أمينها العام نبيل العربي، أي أنها تحركت متأخرة، على عكس ما فعلت ولا تزال في الأزمة السورية، حيث هي جاهزة ومستنفرة ليلاً ونهاراً لاتخاذ القرارات والمواقف العملية لدعم الجماعات المسلحة، بالمال والسلاح، اللذين تحجبهما عن غزة، وهو ما عكسه بيان الجامعة الذي لا يعدو كونه نسخة طبق الأصل عن بيانها الذي صدر خلال العدوان على غزة عام 2008 ـ 2009، أي أنه لم يطرأ أي تبدل لناحية استمرار التخاذل في اتخاذ أي مواقف، أو إجراءات عملية تدعم الشعب العربي الفلسطيني ومقاومته ضد الاحتلال، كقطع العلاقات، وإلغاء الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، وتقديم كل أشكال الدعم له.

أما رئيس وزراء قطر الذي ظهر خلال الأزمة في سورية في مقدمة من يتقدمون الصفوف، مطلقاً التصريحات النارية ضد نظامها المقاوم، ومحرضاً على إسقاطه، وعلى دعم الجماعات الإرهابية، فإنه سارع إلى بث مناخ الإحباط واليأس، من إمكانية مواجهة “إسرائيل”، عندما حاول إظهار العرب بصورة “النعاج” غير القادرين على مواجهة “إسرائيل”.

رابعاً: ظهر الموقف العربي منسجماً مع الموقف الأميركي الغربي في الحرص على التهدئة خوفاً هذه المرة على “إسرائيل” نفسها، وهو وما يفسر تحركه سريعاً للتوصل إلى تهدئة لسببين:

الأول: تنامي قدرات المقاومة وإداركه على تغيير المعادلة في غزة، لأنها لو كانت قادرة على ذلك، لتمكنت من ذلك عام 2008 ـ 2009، وبالتالي وجدت أميركا وحلفاؤها في المنطقة أن المقاومة أصبحت أكثر قدرة، وصواريخها وصلت إلى عمق الكيان الصهيوني، وسقطت في قلبه، أي في تل أبيب والقدس المحتلة، أكثر مناطق حيوية وحساسة، الأمر الذي يشكل خطراً على قوتها الردعية يجب العمل على الحد منه وتطويقه.

الثاني: عدم ثقة أميركا والدول الغربية بقدرة أنظمة الربيع العربي الجديدة على الصمود في مواجهات التداعيات، التي قد تنشأ عن إقدام الجيش “الإسرائيلي” على اجتياح قطاع غزة، وبالتالي الخوف من فشل “إسرائيل”، ومن عدم قدرة هذه الأنظمة على تحمل ضغط الشارع، خصوصاً مع حصول مجازر صهيونية ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك سارع المسؤولون الغربيون إلى إكثار الحديث عن مخاطر الهجوم البري، لأنهم لا يريدون تورط “إسرائيل”، وإحراج أو إضعاف أنظمة الربيع العربي من ناحية، ويريدون إيجاد المبرر لـ”إسرائيل” للتراجع عن القيام بعملية برية من ناحية أخرى، الأمر الذي عكسه تصريح نتنياهو بالقول: “واجهنا وضعاً مركياً وأخذنا بالحساب جملة اعتبارات عسكرية وسياسية

“.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *