“الإخوان” يتوسّلون الديمقراطية.. لممارسة “التيوقراطية”

سعى تنظيم الإخوان المسلمين إلى الاستيلاء على السلطة في بلدان «الربيع العربي»، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية ودول عربية وإقليمية كالسعودية وقطر وتركيا. هذا الاستيلاء على السلطة قد يكون مشروعاً، إذا كان عبر الوسائل الديمقراطية، إلا أنّ الأهمية تكمن في المحافظة على هذه الوسائل الديمقراطية بعد الإمساك بالسلطة.

غير أنّ ما حصل في مصر مُغاير تماماً لذلك، فصحيح أنّ الرئيس محمد مرسي وصل إلى السلطة بوسائل ديمقراطية، إلا أنه ضرب كل ذلك عرض الحائط، وانقلب على الربيع المصري، ونصّب نفسه حاكماً بأمره وفرعوناً على بلاد النيل، عبر الإعلان الدستوري الذي أعطى فيه لنفسه سلطات استثنائية، تؤدي بالتالي إلى استمرار الحكم الديكتاتوري في مصر.

وأمام التطورات السياسية هذه ، يعود هذا التنظيم من جديد في عصرنا الحالي ليشكل خطراً فادحاً على الشرق والعالم العربي برمته، ويهدّد بإحداث فوضى عارمة.

وفي هذا السياق، يعبّر القيادي في التيار الوطني الحر اللبناني الدكتور ناصيف قزي عن الخشية من أن نكون في زمن «العود على بدء»، وفي زمن سقوط قرنين من النضال على طريق الحداثة والتقدم وعلى طريق بلوغ المجتمع المدني والدولة الحديثة، حيث أننا اليوم نعود إلى مقولات الإصلاح في القرن التاسع عشر وما إلى ذلك. ويشير إلى «أن الإطار الحالي مغاير لما كان عليه عالمنا في ما قبل، فالنضالات في العالم العربي بمشرقه ومغربه، أوصلتنا إلى بلوغ نوع من المجتمع المتقدم، مجتمع وضع نفسه على خريطة العالم.

ووفق قزي، فإنّ الحركات السلفية أو الإخوان المسلمين ليست حركات رجعية بل هي حركات تراجعية، ويقول: «من حق السلفيّين أن ينشدوا العودة إلى السلف الصالح، إلى الإسلام الأول في عهد الرسول، وأن يكونوا جماعة عندهم أخلاق وصالحين في المجتمع، وكذلك الإخوان المسلمون، لكن اليوم لا يمكننا أن نقبل بمقولة الدولة «التيوقراطية» التي هي من زمن فات، من زمن الماضي لا من الزمن الحاضر».

ويشير قزي إلى «أنّ الإسلام بجوهره، وهذه مسلمة قائمة، يؤمن بالتنوع، وصحيح أن هناك فتوحات، لكن ليس بحدّ السيف أسلم الناس»، وبالتالي على هذه الحركات الإسلامية أن تقرّ وتعترف أن الآخر موجود».
ويبدي الخوف من الحركات التكفيرية، الأصوات الهزيلة التي نسمعها في مصر التي تكفر أقباطاً من هنا ومسيحيّين من هناك، وبعض الأصوات التي نسمعها في مشرقنا إن كان في سورية أو في لبنان.

وإذ يلفت إلى «أنّ هذه الأصوات لا تمتّ إلى إلاسلام بشيء، لأننا مع الأزهر ووثيقة الحريات، ومع التأكيد على التنوّع، ويشدّد قزي على أنّ النظام السياسي لا يمكن أن يكون نظاماً دينياً»، وإذا كانت الدينية متأصّلة في المجتمعات، إلا أنها لا يمكن أن تتحوّل إلى نظام جائر يسقط مفاهيم المساواة والحق والعدل.

وأمام ما يجري في عالمنا العربي من رفض للآخر على أساس الدين والمذهب، يأتي دور الإرشاد الرسولي ليحقق، كما يرى الدكتور قزي، المفاهيم الجديدة التي أرساها المجتمع الفاتيكاني في ستينيات القرن الماضي، والذي رسم سياسة مغايرة للكنيسة عن تلك السياسة التي أوقعتها في منزلقات خلال الحربين العالميتين، وحتى قبل ذلك في التاريخ. وقد اعتذر البابا يوحنا بولس الثاني عن بعض سلوكيات تلك المرحلة التي أودت بالكنيسة إلى الانحراف عن خطها اللاهوتي الطبيعي الذي يجب أن يكون لها.

ويشدّد على «أنّ الإرشاد الرسولي الذي أعلن عنه البابا بنيديكتوس السادس عشر من لبنان، يدعو المسيحيين إلى التشبث في أرضهم، والمصالحة مع الذات، والحوار مع الآخر، والشركة في ما بيننا، ويلفت إلى «أنّ الحوار مع الآخر قائم منذ أن كان الآخر الذي نتشارك معه في بناء المجتمع والدولة، وبالتالي الإرشاد الرسولي دعا إلى الانفتاح وفهم الآخر كما هو، ودعا الآخر إلى القبول بنا كما نحن، وأن نبقى في شراكة معاً، لأنّ الشراكة التي تحدث عنها الإرشاد الرسولي لم يُردها فقط المسيحيين في ما بينهم، بل أرادها كذلك مع الآخرين».

ويرى قزي «أن المسيحي المستنير اليوم يشعر بأنه ينتمي في مكان ما إلى الإسلام، والمسلم المستنير يشعر أنه ينتمي إلى المسيحية في مكان ما، من دون أن يكون أي منهما قد تخلى عن دينه».

ووسط تنامي الأصوليات، تستمرّ سياسة تهجير المسيحيين من الشرق بهدف إفراغه من مسيحيّته، فالمسيحيون وفق القيادي في التيار الوطني الحر عانوا الكثير في الشرق، بدءاً من الاضطهاد الذي يتعرّضون له في الأراضي المحتلة من ِِقبل العدو الإسرائيلي، والأماكن المقدسة تنتهك كلّ يوم، والمسيحيون في العراق ذاقوا الأمرّين، والمسيحيّون في سورية، يتعرّضون أيضاً للترهيب على يد الإرهابيين. ويؤكد قزي أن كلّ ذلك يصبّ في النهاية عند النبوءة الشرّيرة التي سمعناها قبل سنوات عديدة عن ِصدام الحضارات، وأن يصبح هذا العالم عالماً إسلامياً، والغرب عالماً مسيحياً، إلا أنّ الغرب يُضيف قزي ليس عالماً مسيحياً، لأن الكنيسة هي التي تنطق بالمسيحية لا أميركا أو فرنسا، فهم ينتمون إلى التقليد المسيحي، لكنهم ليسوا مسيحيّين في مزاولة القيَم المسيحية».

ويشير إلى ألا شيء يمنع من أن يجتمع المسيحيون والمسلمون على المشرقية التي هي فلسفتنا، ومدرستنا التي عبّر عنها أحد أبرز روادها مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده، لا سيما في كتابه «الإسلام في رسالتيه

».

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *