الجيل الثالث من «القاعدة»… قواعد ناشئة جديدة للإرهاب

قد يشير أبرز المدافعين عن الإدارة الأميركية إلى نهاية الحرب على الإرهاب، لكن يبدو أن الجيل الثالث من “القاعدة” لا يزال فتّاكاً بالقدر نفسه… ويرى قادة غربيون أن المعاقل الجديدة للتنظيم في شمال إفريقيا تطرح أخطر التهديدات على استقرار المنطقة منذ أكثر من 10 أعوام.

بينما يدّعي المسؤولون في البنتاغون أن تنظيم “القاعدة” أصبح في طريقه إلى الهزيمة، نشهد على أرض الواقع نشوء جيل ثالث من هذا التنظيم الإرهابي.

يبدو أن هذا الجيل الثالث المحاصر بالطائرات بلا طيار في باكستان واليمن استغل الصحوة العربية لإنشاء أكبر الملاجئ الآمنة والقواعد الخاصة بتنفيذ عملياته منذ أكثر من عشر سنوات في أنحاء العالم العربي. قد يثبت هذا الواقع أن “القاعدة” لم يكشف بعد عن أخطر وجوهه.

كان الجيل الأول يتألف من الفرع الأصلي في أفغانستان وقد أنشأه أسامة بن لادن في التسعينيات. ثم نشأ الجيل الثاني بعد اعتداءات 11 سبتمبر، حين عاد التنظيم للظهور في باكستان ثم في أنحاء العالم الإسلامي. اليوم، يمكن رصد نشوء جيل ثالث غداة مقتل بن لادن والصحوة العربية.

تشهد سورية أسرع تنامي للجيل الجديد من “القاعدة”. يستعمل “القاعدة” اسماً مستعاراً هناك، “جبهة النصرة”، وقد أصبح هذا التنظيم على الأرجح أخطر عنصر في المعارضة ضد النظام الدكتاتوري الوحشي الذي يقوده بشار الأسد. دعا أمير “القاعدة”، أيمن الظواهري، المجاهدين من أنحاء العالم إلى التدفق نحو سورية في الربيع الماضي للانضمام إلى الانتفاضة ضد نظام الأسد والأقلية العلوية التي تدعمه. بالنسبة إلى “القاعدة”، يُعتبر الأسد والعلويون أهدافاً مثالية. يعتبر عدد كبير من السنّة أن العلويين يمثلون فرعاً منحرفاً من الإسلام ولا بد من قمعهم. صحيح أن “القاعدة” هو جزء صغير من المعارضة في سورية، ولكنه يتمتع بمهارات استثنائية في مجال صنع القنابل وتنفيذ العمليات الانتحارية.

في المرحلة الراهنة، تعلن المواقع الإلكترونية الخاصة بالمجاهدين يومياً أن “شهداء” تنظيم “القاعدة” الجدد ماتوا خلال المعركة في دمشق وحلب بعد أن قدموا من المملكة العربية السعودية وفلسطين ومصر. تتحدث بعض التقارير الموثوقة عن مجموعات من المجاهدين الناشطين في البلد، ولكنهم لا يرتبطون بعلاقة وثيقة مع “القاعدة” بل يتألفون من متعصبين جاؤوا من باكستان وبنغلادش.

سعى أعضاء فرع “القاعدة” في سورية إلى التعلّم من أخطاء أسلافهم. هم يتجنبون الإعلان صراحةً عن ارتباطهم بالقاعدة المركزية ويسعون إلى التعاون مع الجماعات السنية الأخرى. هذا التنظيم هو على مستوى جيد من التسلّح ويستعمل قواعد في العراق لدعم عناصره وتزويدهم بالمعدات اللازمة، كما أنه يستفيد من الأسلحة التي توفرها قطر والمملكة العربية السعودية إلى المعارضة. يستعمل قادته الاسم الحربي “أبو محمد الجولاني”، في إشارةٍ إلى هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل، وذلك لإثبات أن كبير القادة سوري وليس مقاتلاً أجنبياً.

كلما طالت مدة الحرب الأهلية في سورية، استفاد “القاعدة” من الفوضى والانقسام الطائفي. كما أنه سيستفيد من امتداد مظاهر العنف من سورية إلى لبنان وتركيا والعراق والأردن، وقد أصبح هذا الوضع حتمياً اليوم. مثل بقية دول العالم، فوجئ “القاعدة” بالثورات التي أسقطت الحكّام الدكتاتوريين في تونس ومصر وليبيا واليمن. واجهت إيديولوجيا العنف والجهاد صعوبة في الانتشار في البداية بسبب الحركات الثورية غير العنيفة التي اجتاحت شمال إفريقيا والشرق الأوسط. لكن “القاعدة” يجيد التكيف مع الظروف المتغيرة وقد استغل الفوضى والاضطرابات المرافقة للتغيير الثوري بهدف إنشاء قواعد لعملياتها ومعاقل جديدة له.

في شمال إفريقيا، نجح “القاعدة في المغرب الإسلامي” (هي في الأصل فرع جزائري لتنظيم “القاعدة”) في الاصطفاف مع جماعة متطرفة محلية في مالي اسمها “أنصار الدين”. سيطرت الجماعتان معاً على ثلثي مالي في المنطقة الشمالية. اليوم، يسيطر “القاعدة في المغرب الإسلامي” على مدينة تمبكتو الأسطورية.

ركز “القاعدة في المغرب الإسلامي” طوال فترة وجوده على خطف الغربيين الذين يسافرون إلى الصحارى النائية في الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر وغيرها. تفيد بعض المصادر في بريطانيا بأن التنظيم كسب 50 مليون يورو بهذه الطريقة. خلال الربيع الماضي، بعد الانقلاب العسكري في مالي، وجد “القاعدة في المغرب الإسلامي” شريكاً له في جماعة “أنصار الدين”، فسحقا معاً القوات النظامية انطلاقاً من شمال مالي وهما يسيطران الآن على معقل صحراوي واسع بحجم تكساس. ينشط “القاعدة في المغرب الإسلامي” في ليبيا أيضاً، ولا سيما حول بنغازي. يعتبر القادة الإسبان والفرنسيون أن المعاقل الجديدة للقاعدة في المغرب الإسلامي داخل مالي وليبيا تطرح اليوم أخطر التهديدات على استقرار المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات.

يقع معقل آخر للجيل الثالث من “القاعدة” في صحراء شبه جزيرة سيناء بعد أن شهدت تلك المنطقة حالة من الإحباط والجمود لفترة طويلة في مصر. بعد الثورة، تعاونت القبائل البدوية الغاضبة في سيناء مع المجاهدين الذين خرجوا من سجون مبارك كي يبدأوا بشن اعتداءات ضد المنشآت الأمنية وخط أنابيب الغاز بين مصر وإسرائيل. أعلن المجاهدون في سيناء ولاءهم للظواهري الذي دعم بشكل متكرر اعتداءاتهم ضد الأهداف الإسرائيلية.

في اليمن، استغل “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” سقوط نظام علي عبدالله صالح الدكتاتوري للاستيلاء على مناطق نائية في جنوب وشرق البلاد. لكنه فقد سيطرته على بعض البلدات بعد أن شنت الحكومة اعتداءات مضادة هذا الصيف. لكن سرعان ما رد بهجمات مدمرة ضد مواقع أمنية في صنعاء وعدن ومدن كبرى أخرى. تكثف الطائرات بلا طيار اعتداءاتها ضد “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” في صحارى اليمن. قتل أحد الاعتداءات المماثلة الناشط المولود في الولايات المتحدة، أنور العولقي. لكن لا يزال التنظيم صامداً.

لا شك أن فرع “القاعدة” في العراق هو أساس ذلك الصمود. كان يُفترض أن تدمّر خطة زيادة القوات العسكرية فرع “القاعدة” الذي يحمل اسم “دولة العراق الإسلامية” ولكنها لم تفعل. على رغم الضغوط الهائلة وقطع رؤوس كبار القادة في مناسبات متكررة، صمد “القاعدة” واستعاد عافيته. هو يكسب دعم الأقلية العربية السنية التي تشعر بالظلم بسبب ممارسات الحكومة الشيعية. أعاد “القاعدة في العراق” بناء مخابئه في بعض المناطق السنية ووعد زعيمه أبوبكر البغدادي بشن اعتداءات إضافية في العراق والولايات المتحدة.

استفاد الجيل الثالت من “القاعدة” من التغيير الناجم عن الثورات في العالم العربي على رغم افتقاره للدعم الشعبي الواسع. لايزال هذا الجيل الثالث يجسد حركة متطرفة تكسب تأييد أقلية صغيرة فقط. لكن الإرهاب ليس مسابقة لكسب الشعبية. أصبح “القاعدة” اليوم أقوى مما كان عليه منذ سنوات بعد أن ارتفع مستوى عملياته في العالم العربي

.
بالعودة إلى باكستان، تعمد قيادة “القاعدة” القديمة (أو ما يسميه المجاهدون “القاعدة الأم”) إلى إعادة بناء نفسها. منذ وصول الرئيس أوباما إلى الرئاسة في عام 2009، وقع حوالي 300 اعتداء قاتل بطائرات بلا طيار في باكستان، وقد انطلقت تلك الطائرات من قواعد في أفغانستان وكان معظمها يستهدف ناشطين في “القاعدة”. إلى جانب عملية أبوت أباد، أدت تلك الاعتداءات الهجومية إلى وضع التنظيم في موقع دفاعي.

لكن لم يهلك هذا التنظيم ولم يصبح وحيداً. تتراجع الضغوط التي يواجهها حلفاء “القاعدة” في باكستان، مثل “عسكر طيبة” (الجماعة التي استهدفت مومباي في عام 2008) أو حركة “طالبان” الأفغانية والباكستانية. يوجد في باكستان ثلاثة قادة من أصل خمسة مطلوبين بارزين على لائحة الإرهاب الأميركية (الظواهري، ومؤسس جماعة “عسكر طيبة” حافظ سعيد، وزعيم “طالبان” المُلا عمر). وحده الظواهري يلازم مخبأه بينما يتمتع القائدان الآخران بدعم الاستخبارات الباكستانية. لكن يحصل الظواهري على الأرجح على حماية أطراف نافذة أيضاً.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *