الأبعاد الدولية للانتخابات الأميركية: التوجه غير القابل للتحول في سياسة البيت الأبيض

تقلصت أكثر من أي وقت مضى التوقعات التي يطرحها المحللون والسياسيون بشأن التحولات المتوقعة في سياسة الولايات المتحدة خاصة على الصعيد الدولي، بترافق مع الانتخابات الرئاسية التي تنظم في الولايات المتحدة كل أربع سنوات يوم 6 نوفمبر. السبب في ذلك يعود إلى أن النظام الانتخابي والسياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة كون مع مرور السنين إطارا ذا مرونة ضئيلة لا يسمح بإفراز قيادة سياسية قادرة أو راغبة في إدخال تعديلات أساسية على سياسة البلاد.

فالتنافس سواء على منصب رئيس البيت الأبيض أو عضوية الكونغرس أو حكام الولايات وغيرها من المناصب القيادية ينحصر تقريبا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذان لا يختلفان جوهريا في خياراتهما السياسية سواء الداخلية أو الخارجية، الفارق بينهما يتعلق بأمور جزئية وتباين في التكتيكات. الجمهوريون أكثر تعلقا بالسياسات التي توصف باليمينة والمحافظة في حين أن الديمقراطيين أكثر ليبرالية.

قواعد اللعبة السياسة

الأسلوب الانتخابي في الولايات المتحدة معقد إلى حد كبير، ويقول منتقدوه أنه وضع ليسمح للمركب الصناعي الاقتصادي بالتحكم في العملية السياسية.

يتم انتخاب الرئيس الاميركي بالاقتراع العام غير المباشر، حيث يختار الاميركيون في 6 نوفمبر عددا من “كبار الناخبين” الذين يشكلون هيئة انتخابية.

وقد انشئت هيئة كبار الناخبين عام 1804 بموجب التعديل الدستوري الثاني عشر وتضم 538 ناخبا كبيرا يقومون بدورهم بانتخاب الرئيس ونائب الرئيس. والفائزان في الانتخابات هما المرشحان لمنصبي الرئيس ونائب الرئيس اللذين يحصلان على الغالبية المطلقة اي 270 من اصوات كبار الناخبين. والمرشحون هذه السنة هم الديموقراطيان، الرئيس الاميركي باراك اوباما ونائبه جو بايدن، والجمهوريان ميت رومني وبول راين.

يمثل كل ولاية عدد من كبار الناخبين يوازي عدد الشيوخ والنواب الذين يمثلونها في الكونغرس. ومنذ 1961 اضيف الى مجموع هؤلاء ثلاثة ممثلين عن دائرة العاصمة الفدرالية واشنطن التي ليس لها مندوب له حق التصويت في الكونغرس.

ولولاية كاليفورنيا وهي اكثر الولايات كثافة سكانية، 55 ناخبا كبيرا، وتكساس 38 ناخبا وفلوريدا 29 ناخبا. اما الولايات الاقل سكانا مثل وايومينغ فلها ثلاثة ناخبين كبار كحد ادنى.

وفي حال التعادل أي 269 لكل معسكر، يقوم مجلس النواب الجديد الذي سينتخب في يوم الانتخابات الرئاسية نفسه بانتخاب الرئيس الجديد، وهو ما حدث في 1800 و1824. ويعود الى مجلس الشيوخ في هذه الحالة انتخاب نائب الرئيس.

ويمكن وفقا لهذا النظام ان يفوز مرشح بالرئاسة بدون ان يحصل على الغالبية المطلقة لاصوات الناخبين على المستوى الوطني، وهو ما حصل عام 2000 حين فاز الجمهوري جورج بوش على الديموقراطي آل غور، وما سبق ان حدث بالفعل ثلاث مرات في تاريخ الولايات المتحدة.

وهذه الحالة الشاذة ممكنة لانه في جميع الولايات تقريبا باستثناء ولايتي ماين ونبراسكا اللتين تعتمدان نوعا من النظام النسبي، فان المرشح الذي يحصل على أغلبية أصوات الناخبين في احدى الولايات، يحصل على جميع أصوات كبار الناخبين الممثلين لهذه الولاية. فمجرد حصول أحد المرشحين على أغلبية بسيطة في ولاية كاليفورنيا على سبيل المثل، يحصد المرشح جميع أصوات كبار ناخبي الولاية البالغ عددهم 55.

ويجتمع الناخبون الكبار في عاصمة كل ولاية لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس في اول يوم اثنين يلي ثاني اربعاء من شهر ديسمبر، ما يصادف 17 ديسمبر من العام 2012.

ولا يلزم الدستور كبار الناخبين باحترام التصويت الشعبي، غير ان بعض الولايات تلزمهم بذلك. وسبق ان طرح حوالى 700 اقتراح في الكونغرس في القرنين الماضيين لتعديل هيئة كبار الناخبين او الغائها واتباع الاقتراع العام المباشر ولكن من دون جدوى.

المال يحكم

المؤرخ الأميركي الكبير كور فيدال الذي توفى في نهاية شهر يوليو 2012، أكد أن معظم أعضاء الكونغرس لا يمثلون الولايات ولا مواطنيها بل الشركات والجماعات التي أوصلتهم إلى البرلمان. انها دكتاتورية المال التي يحتاج فيها عضو الجهاز التشريعي في المتوسط إلى أكثر من خمسمائة مليون دولار أميركي كي يفوز بالمقعد.

وقد أشتهر فيدال بمقالاته الناقدة بحده للمجتمع والأدب والسياسة. حيث قال في أحد مقالاته “إن عبقرية طبقتنا الحاكمة أنها منعت غالبية الشعب من التساؤل عن ظلم النظام الذي يكدح فيه الغالبية طوال حياتهم ويدفعون ضرائب باهظة بلا شيء في المقابل”. ومن مواقفه إنتقاده بشده الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش واتهامة بالوصول إلى الرئاسة نتيجة تزوير الانتخابات.

تحدث كور فيدال عن النظام السياسي الأميركي قائلا: “في الولايات المتحدة الأميركية، ليس هناك غير حزب واحد، ألا وهو حزب الملكيّة. وهناك جناحان لليمين: جناح جمهوري، وجناح ديمقراطي. والجمهوريّون أغبى قليلا، وأشدّ صلابة وحدّة في مفهومهم للرأسماليّة من الديمقراطيّين الذين يبدون لطفاء، وكيّسين لكنهم أكثر فسادا”.

وذكر كور فيدال أن على الولايات المتحدة أن تلتفت لشؤونها الداخلية وتكف عن التدخل في سياسات الدول الأخرى. وقال لصحيفة التايمز اللندنية عام 2009 إن “أميركا تتعفن كجثة… إننا مقبلون على توطد أركان ديكتاتورية عسكرية في القريب العاجل”.

ويستشهد فيدال بجون جاى (1745-1829) الذى وضع اول دستور لولاية نيويورك، واصبح أول رئيس للمحكمة العليا الاميركية، حيث دعا عند قيام الجمهورية الاميركية الى مبدأ “من يملك يحكم “أى من يملكون البلد هم من يحكموه.

في تقرير لها نشر في الأول من شهر نوفمبر 2012 ذكرت وكالة فرانس برس: “انفق المرشحون للانتخابات الاميركية حوالى ستة مليارات دولار في 2012 حسب تقديرات لخبراء في الجانب المالي للانتخابات أي بزيادة حوالى 13 بالمئة من إقتراع سنة 2008.

غير أن الانتخابات الرئاسية وحدها بين باراك اوباما وميت رومني ستكلف أقل من اقتراع 2008 عندما اضطر المرشح الديموقراطي لتمويل معركة الانتخابات التمهيدية ضد هيلاري كلينتون.

وستكلف هذه حوالي 2600 مليون دولار مقابل 2800 مليون في 2008 كما قال مركز “ريسبونسيف بوليتيكس” الذي يحلل وينشر كل النفقات الانتخابية في الولايات المتحدة على موقع “اوبنسيكريتس.اورغ”.

ويشمل هذا المبلغ نفقات المرشحين ولجان دعمهم والاحزاب.

ونجمت الزيادة العامة للدورة الانتخابية التي بلغت 700 مليون عما كانت قبل اربع سنوات عن ظهور لجان سياسية مستقلة للاحزاب قادرة على تلقي مساهمات غير محدودة من قبل شركات ونقابات وافراد اغنياء منذ قرار اتخذته المحكمة العليا في 2010.

“التلاعب بالمصائر”

الانتقادات الموجهة للنظام الأميركي كثيرة، وهي لا تقتصر على الداخل. يوم 31 أكتوبر 2012 هاجم فلاديمير تشوروف رئيس لجنة الانتخابات المركزية الروسية نظام الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، في مقالة نشرت في صحيفة “روسيسكايا غازيتا”.

واستخلص تشوروف بعد انكبابه على دراسة وتحليل 223 عاما من “الديمقراطية الأميركية”، أن الانتخابات في هذا البلد “غير مباشرة وغير شاملة ولا تؤمن امكانية التصويت السري للناخبين”.

وأشار تشوروف إلى أن الاهتمام القوي بالانتخابات الأميركية يفسره الدور الذي اتخذته على عاتقها، وهو دور “المتلاعبة بالمصائر”.

إضافة إلى ذلك، كانت الخارجية الروسية قد رفعت تقريرا إلى مجلس الدوما حول “وضع ضمان حقوق الإنسان في الولايات المتحدة” الذي شمل إلى جانب مواضيع أخرى الرد الروسي على الانتقادات الأميركية للانتخابات الروسية.

وجاء في تقرير الخارجية أن نظام الانتخابات الأميركية غير شفاف ويحد من حقوق المواطنين.

وكان تشوروف قد اقترح إجراء مقارنة بين نظامي الانتخابات في روسيا وفي الولايات المتحدة، إلا أن المقارنة التي قام بها بنفسه عبارة عن مبادرة شخصية خاصة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها تشوروف عن موقفه هذا، ففي سبتمبر 2012 أثناء زيارة قام بها إلى إحدى الجامعات الأرثوذوكسية الروسية، استغرب “وقاحة” الولايات المتحدة التي تسعى إلى “تعليم روسيا القيم الديمقراطية”.

وقال وقتها: “الولايات المتحدة أسوأ منظم للانتخابات في العالم”.

ويمكن القول إن تشوروف في المقالة التي نشرت في “روسيسكايا غازيتا” يستعيد مقاطع كاملة من تقرير الخارجية حول الانتخابات.

ويرتكز كاتب المقالة تشوروف إلى تقرير أصدرته منظمة “أدفانسمانت بروجيكت” الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الانتخابات في 23 ولاية من أصل 50 تضع مشاركة المواطنين من أصول أميركية لاتينية تحت التهديد.

ويرى تشوروف أن أحد الشوائب التي تصبغ الانتخابات الأميركية هي نظامها اللامركزي، إلى جانب اعتماد الأرقام الرمزية عند التصويت بدل جوازات السفر.

واستعرض تشوروف في تقريره جملة من المشاكل التي تطال نظام الانتخابات في الولايات المتحدة التي يصفها بأنها لا تمثل بأي شكل كان، النمط الديمقراطي الذي تسوقه.

ازدواجية المعايير

يوم 3 نوفمبر 2012 اتهمت الخارجية الروسية الولايات المتحدة باستخدام المعايير المزدوجة فيما يخص تنظيم العمليات الانتخابية داخل البلاد وفي الدول الأخرى.

وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش في تصريح صحفي: “نرى من جديد استخدام المعايير المزدوجة من طرف الولايات المتحدة وأيضا من طرف مكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تعتبر مهمتها مراقبة نزاهة الانتخابات وتقديم تقييمات لأي خرق للقواعد المتبعة، بغض النظر عن الدول التي تحدث فيها ونفوذها على الصعيد الدولي”.

وواصل: “عندما نتابع هذه التصرفات يخطر ببالنا ما جاء في الكتاب المقدس: “لا تدينوا ولا تدانوا”. ولعل مسؤولي الولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا سيجدون ما يكفي من الوقت للعودة إلى القيم الإنسانية المشتركة، وليس فقط للقراءة العشوائية لوثائق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وإن لا، فسيواصلون تبرير انحيازهم ضد الدول الواقعة شرقي فيينا بالتعليمات الداخلية لمكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان والتي لم يتم إقرارها بإجماع الدول المشاركة في المنظمة. بينما ستبدي ضعفا عجيبا حيال ما يشهده رواد الديموقراطية وراء المحيط، الأمر الذي سينعكس سلبا من جديد على سمعة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي بدأت مصداقيتها بالاهتزاز منذ فترة”.

وأشار الدبلوماسي الروسي إلى أن “موسكو لا تريد أن تحكم في المواجهات السياسية بين المرشحين والأحزاب باعتبارها “أمرا خاصا بالناخبين ودافعي الضرائب الأميركيين”، لكنها تتابع ما يحدث حاليا في الولايات المتحدة وتقارن بينه وبين الحملات الانتخابية المماثلة وطريقة مراقبتها من قبل مكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في غيرها من الدول الأعضاء”.

وأضاف: “وأثناء عملية المتابعة والمراقبة نجد الكثير من الأشياء الطريفة التي لا يمكن تجاهلها. فقد تحدثنا مؤخرا عن تهديدات مدعي ولاية تكساس غريغ أبوت بإحالة المراقبين الدوليين إلى القضاء في حال اقتربوا من صناديق الاقتراع. إذا كان مثل هذا التصريح قد صدر في دولة واقعة شرقي فيينا، لأثار ذلك فضيحة تستمر أشهرا عدة. لكن عندما عرفت قصة المدعي في تكساس سارع حاكم الولاية ريك بيري للدفاع عنه”.

وواصل: “والآن نسمع أحيانا محاولات تبرير أبوت من قبل الخارجية الأميركية، وذلك عن طريق الاستشهاد بالبند الثامن من الوثيقة التي اتخذتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 1990 والذي ينص على أن المراقبة الدولية تجرى “على نطاق تسمح به القوانين في الدولة المعنية. وإذا لم تذكر إمكانية المراقبة الدولية للانتخابات في تشريعات تكساس وعدد آخر من الولايات الأميركية (أيوا، أريزونا وميسيسيبي)، فلا توجد مشكلة إطلاقا، كما يقولون”.

وتابع: “لكن المشكلة في أن زملاءنا الأميركيين يلجأؤن إلى الحيل، وإذا رأوا مصلحة ينسون هذا البند، ويبررون به أعمالهم في أحوال أخرى مثل هذه. لكن لب الموضوع لا يتغير، وهو أولا أن واشنطن لم تعمل شيئا من أجل جعل تشريعها الداخلي يتناسب مع المعايير الدولية في مجال المراقبة الانتخابية، على عكس غالبية الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وثانيا أن الولايات المتحدة تطلب من سلطات الدول الأخرى بكل حسم وعزم توفير إمكانيات مطلقة للمراقبين أن يتابعوا جميع مراحل العملية الانتخابية، بما في ذلك مراقبة عملية فرز الأصوات في مراكز التصويت يوم الانتخابات وفرز النتائج النهائية وإعداد محاضر في لجان انتخابية من مختلف المستويات”.

وأضاف: “أما مكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا فهو الآخر لا يرغب في توجيه الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح”.

تقلص التأثير

يسجل المراقبون أن الإنتخابات الأميركية في نوفمبر 2012 لم تثر نفس الاهتمام الدولي الذي سجل في مناسبات سابقة. البعض يعلل ذلك بعدم توقع تحولات هامة في السياسة الأميركية مهما كان الفائز، بينما قدر آخرون أن الأمر يعكس تقلص تأثير القوة الأميركية على الساحة الدولية.

في تقرير من ريو دي جانيرو، ذكر محللون ان اميركا اللاتينية التي اصبحت اليوم في مركز أكثر استقلالا من أي وقت مضى، بعد ان كانت منطقة نفوذ للولايات المتحدة في السابق، لا تتوقع شيئا ملموسا من الرئاسة الاميركية. لكن بعض دولها مثل البرازيل تعول على الاستفادة من هذه اللامبالاة لمواصلة توسيع نفوذها الاقليمي.

واعتبر المحللون الذين سألتهم وكالة فرانس برس ان اميركا اللاتينية غير مدرجة على قائمة اولويات واشنطن، أكان مع اعادة انتخاب باراك اوباما او فوز منافسه الجمهوري ميت رومني.

وفي حين توجه واشنطن انظارها نحو الصين وسوريا وايران، تحقق اميركا اللاتينية التي يحكمها في الغالب اليسار، مزيدا من الاستقلالية.

وقد انشئت في السنوات الاخيرة هيئات مثل رابطة دول اميركا اللاتينية والكاريبي “سيلاك” او اتحاد دول اميركا الجنوبية “يوناسور” التي تركت الولايات المتحدة خارجا.

وقال روبنز بربوسا السفير البرازيلي السابق في واشنطن لفرانس برس ان لامبالاة الولايات المتحدة “امر جيد بالنسبة للبرازيل لانها تواصل تقدمها اقتصاديا وسياسيا في المنطقة”.

واعتبر برونو بورجس الخبير في العلاقات الدولية في جامعة بوك ريو ان “البرازيل توفر امامها الفضاء لتنمو ولوضع سياسات اقليمية”، و”اصبحت القوة الاقليمية المعتدلة التي تحاور الجميع”، مؤكدا ان على واشنطن “ان لا تخشى شيئا”.

ولفت بربوسا الى ان “النزاعات انتهت. والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز لم يعد يشكل تهديدا وكوبا لم تعد تهديدا” وحركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية “فارك” تتفاوض مع بوغوتا.

وقال اوليفر ستونكل خبير العلاقات الدولية في مؤسسة جيتوليو فارغاس في ساو باولو ان “اوباما محبوب جدا في المنطقة. لكن اميركا اللاتينية لم تشعر بشكل كاف بانعكاسات سياسته الخارجية ليكون لديها تفضيلا واضحا” بينه وبين رومني.

واضاف بربوسا ان “البلدان البوليفارية لا تريد اي اتفاق لحرية التبادل مع واشنطن، كذلك دول مركوسور أي الارجنتين والبرازيل والاوروغوي وفنزويلا والباراغواي التي علقت عضويتها حتى انتخابات مارس 2013 لان الولايات المتحدة غير مستعدة لفتح قطاعها الزراعي الذي يهمنا”.

وكان هوغو تشافيز قد قال قبل اعادة انتخابه “لو كنت اميركيا لانتخبت اوباما”، واصفا الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش بـ”الاحمق” و”السكير”.

لكن تشافيز هو الزعيم الوحيد في القارة الذي عبر علنا عن تفضيله. وحليفه البوليفي ايفو موراليس قال مؤخرا ان اقامة علاقات طيبة مع الولايات المتحدة “هراء”.

اما القادة الاخرون من المكسيك الى الارجنتين مرورا بكولومبيا فاعتمدوا موقفا حذرا وبراغماتيا وامتنعوا عن الانحياز الى اي جانب.

لذلك يصعب القول من تفضل الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف. فعلاقاتها مع البيت الابيض تتسم بالتهذيب لا اكثر.

وقد قامت رئيسة سادس قوة اقتصادية في العالم بتدوير الزوايا في سياستها الخارجية فتفادت استقبال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد على سبيل المثال كما فعل من قبلها سلفها ومرشدها لويس ايناسيو لولا دا سيلفا.

لكنها صعدت لهجتها بشكل حازم لانتقاد “التسونامي المالي” الذي تسببت به سياسة واشنطن التي كانت وراء تدفق كثيف للدولارات الى البرازيل وارتفاع قيمة الريال. وقالت “لن اسمح للدول الثرية بابتلاع الدول الناشئة”.

حرب تحت غطاء مقاومة الإرهاب

على الساحل الشرقي للمحيط الاطلسي مقابل أميركا اللاتينية، سجل المراقبون عدم المبالاة النسبي في القارة السمراء.

كتب المحلل الفرنسي اندرو بيتي: قبل اربع سنوات رحبت افريقيا بفرح وابتهاج بانتخاب باراك اوباما آملة بجرأة بان يقوم اول رئيس اميركي اسود بمبادرات حيالها، لكن واشنطن تنتهج سياسة خالية من الامتيازات حيال القارة تتمحور بشكل اساسي على المشاكل الامنية.

فيوم انتخاب باراك اوباما في نوفمبر 2008 بكى وزير الخارجية النيجيري تأثرا، فيما اكد الرئيس الجنوب افريقي السابق نلسون مانديلا ان ذلك دليل على انه يتوجب التحلي ب”الجرأة للحلم” وكينيا اعلنت يوم عطلة.

وهذا الابتهاج والترحيب لقيا صدى سريعا في الجانب الاميركي فقام اوباما بزيارة غانا بعد خمسة اشهر فقط من تنصيبه رئيسا.

وقال انذاك ان “دما افريقيا يجري في عروقي” بدون ان يخفي تأثره الكبير امام البرلمان الغاني مباشرة على التلفزيونات الافريقية. واكد ان “افريقيا تشكل من الان فصاعدا وبشكل اساسي جزءا من عالمنا المترابط”.

لكن مع تفاقم الانكماش في الولايات المتحدة واستمرار الحربين في العراق وافغانستان، وتفجر الفوضى في العديد من الدول العربية وجدت افريقيا نفسها في مركز ثانوي مألوف بالنسبة لها.

وقال الدبلوماسي الجنوب افريقي توماس ويلر المرتبط حاليا بالمؤسسة الجنوب افريقيا للشؤون الدولية “كان هناك أمل كبير من ان اوباما سيكون رئيسا اميركيا لافريقيا”.

واضاف “لكنه كان مجرد أمل غير واقعي، لان “واقع ان يكون والده من اصل افريقي لا يعني انه سيمضي مزيدا من الوقت للاهتمام بافريقيا”.

وكانت زيارة اوباما الى غانا الوحيدة الى القارة الافريقية.

ولم ينشر البيت الابيض وثيقة من تسع صفحات بعنوان “الاستراتيجية الاميركية ازاء افريقيا جنوب الصحراء الكبرى” سوى في يونيو 2012.

لكن القارة السوداء لم تكن مهملة تماما. فسلاح الجو الاميركي واجهزة الاستخبارات حاضران فيها فعلا.

وبدأت سياسة الولايات المتحدة ازاء افريقيا تصبح خالية من الامتيازات أكثر فأكثر لتصبح شبيهة بتلك التي يتبعونها ازاء بقية العالم.

وقال جايسون وارنر وهو خبير من هارفرد في شؤون الأمن في افريقيا “ان اوباما في اعتقادي أكثر التزاما ازاء افريقيا لكن الطريقة التي تلتزم فيها الولايات المتحدة في القارة قد تبدلت. فهي ترتبط اكثر بمشكلات الامن”.

ورأى ان اوباما ساعد على “تطبيع” السياسة الافريقية.

ومنذ وصول اوباما إلى البيت الابيض اشير الى ان ادارته طورت شبكة قواعد جوية في سائر ارجاء القارة الافريقية للتدرب على مواجهة المتطرفين المسلحين المرتبطين بتنظيم القاعدة وجماعات اخرى.

وقد استخدمت قواعد سرية مرات عدة في بوركينا فاسو وموريتانيا لمراقبة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، وفي اوغندا لملاحقة عناصر جيش الرب للمقاومة بزعامة جوزف كوني.

وفي 2011 أمر باراك اوباما بنشر نحو مئة عنصر من القوات الخاصة لمساعدة القوات الاوغندية على القيام بدوريات في الادغال الكثيفة في جمهورية افريقيا الوسطى بواسطة طائرات مراقبة للبحث عن كوني. كما اشارت معلومات غير مؤكدة الى قيام طائرات بدون طيار بضربات في الصومال بصورة متكررة.

وتتكلل هذه السياسة الامنية الجديدة حيال افريقيا بالقيادة الافريقية للولايات المتحدة او “افريكوم” التي تشكل العصب الحيوي للعمليات العسكرية في المنطقة او في مجال التعاون.

واصبحت هذه القيادة عملانية قبل شهر تقريبا من انتخاب اوباما وباتت تملك طاقما دائما من الفي شخص، أي أكبر من طاقم الوكالة الاميركية المكلفة التنمية الاقتصادية والمساعدة الانسانية في العالم “يو اس ايد”.

دور القارة العجوز

في القارة التي يصفها الأميركيون بالعجوز، يدرك مزيد من الأوروبيين أن الولايات المتحدة اليوم هي أضعف كثيرا من السابق وأن هناك قوى اخرى تبرز على الساحة ويمكن أن يكون تأثيرها أنفع.

كتب جان لوك برديه يوم 31 اكتوبر 2012 في بروكسل: لم يعد باراك اوباما يلهم الاوروبيين ويجعلهم يحلمون لكنهم ما زالوا يؤيدون الرئيس الديمقراطي في مواجهة منافسه الجمهوري ميت رومني ولو ان اسس العلاقات بين الولايات المتحدة واوروبا لن تتغير ايا كان الفائز في الانتخابات.

لكن يكاد الاوروبيون يجمعون على تاييد باراك اوباما، ذلك ما افاده استطلاع اجراه “غرمان مرشال فاند” وتمنى 75 في المئة منهم تفوقه على خصمه مقابل 8 قي المئة ايدوا ميت رومني، وبنتيجة كادت أن تصل إلى 90 في المئة في فرنسا والمانيا.

ورغم تراجع شعبيته ب12 نقطة بين 2009 و،2012 ظلت شعبية أوباما مرتفعة بشكل غير معهود: 71 في المئة من الاوروبيين أيدوا طريقته في ادارة شؤون العالم.

وفي العلن لزم القادة الاوروبيون الصمت الحذر، باستثناء فرنسا التي اعربت صراحة عن رغبتها في فوز باراك اوباما، على لسان رئيس الوزراء جان مارك ايرولت الذي قال انه “يؤيده تماما”.

وبعد اربع سنوات من موجة “حب اوباما” في اوروبا، تراجعت شعبية الرئيس الاميركي قليلا، فبعد ان ايد الاوروبيون انهاء الحرب في العراق واصلاح نظام الصحة، تراجعت حصيلته بسبب عجزه عن تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والابقاء على قاعدة غوانتانامو.

وقال جان تيشو مدير مركز كارنيغي الاوروبي ان رغم ذلك يظل باراك اوباما “اقرب ما يكون من التيار الاجتماعي الديمقراطي” الاوروبي مؤكدا ان “هناك قرابة اساسية” بينه وبين الاوروبيين.

وبعد ان كان يعتبر لفترة طويلة معتدلا شدد ميت رومني لهجته خلال الحملة الانتخابية واقترب من موقف المحافظين الجدد المقربين من الرئيس السابق جورج بوش الذي ترك لدى الاوروبيين ذكريات سيئة جدا.

ورغم ان الاوروبيين ما زالوا مولعين بالانتخابات الاميركية، لا يلقى اهتمامهم بها صدى كبيرا في الولايات المتحدة، لا سيما ان السياسة الخارجية لم تكن ابدا الرهان الاساسي في الحملات الانتخابية الاميركية التي ركزت هذه السنة ايضا على الاقتصاد والتوظيف.

غير ان النقاشات لا تتناول اوروبا في الغالب وفي بعض الاحيان تعتبرها نموذجا سلبيا، حتى ان ميت رومني اتهم باراك اوباما بالسير “على طريق اليونان”.

ويرى البعض ان هذا الغياب مؤشر جيد يدل على ان اوروبا، حتى وهي تشهد ازمة اقتصادية، ليست موضع قلق كبير بالنسبة للولايات المتحدة كما هي الحال ازاء التطرف.

ويرى ستيفن بلوكمنز من مركز دراسات السياسة الاوروبية، ان ذلك يعني خصوصا ان الولايات المتحدة التي جعلت من آسيا المحيط الهادي محور دبلوماسيتها “تدير ظهرها لاوروبا”.

واضافت اولريكي غيرو من المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية ان الكتلتين “تفقدان اهتمامها الاستراتيجي الواحدة بالاخرى وكذلك قدرتهما على العمل سويا، والاسوأ، قدرتهما على ايجاد حلول مشتركة لمشاكل العالم”.

وبدا خبراء اخرون اكثر اعتدالا فقالت كلارا مارينا اودونيل من مركز الاصلاحات الاوروبي انه “ايا كان الفائز” فان “الادارة الأميركية ستواصل النظر الى اوروبا على انها منطقة هامة في العالم”.

وترى الخبيرتان ان النتيجة لن تختلف بالنسبة للعلاقات مع القارة العجوز، حيث ستواصل اميركا دفع اوروبا الى تولي مزيد من المسؤوليات في مجال الامن الدولي واعادة تركيزها هي ايضا على منطقة اسيا المحيط الهادىء وتسريع عمليات التكامل للخروج من الازمة.

لا مبالاة فلسطينية

إذا كانت اسرائيل لم تخف أملها في فوز المرشح الجمهوري ميت رومني لأنه أكثر ولاء للسياسات الصهيونية، فإن الأمر كان مخالفا بالنسبة للفلسطينيين لأنهم يرون أنه لن يكون هناك فرق كبير مهما كانت هوية الرئيس الاميركي المقبل.

وتشير ارقام نشرت في استطلاع رأي اجري مؤخرا الى ان اغلبية الاسرائيليين اليهود 57 بالمئة منهم تعتقد انه عندما يتعلق الامر بمصالح اسرائيل فان رومني سيكون رئيسا افضل مقابل 22 بالمئة يعتقدون ان اوباما سيكون افضل.

وبالنسبة لبيتر ميدينغ استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس فانه على الرغم من تصوير بعض وسائل الاعلام الاميركية ويهود اميركا المحافظين لاوباما عل انه عامل اسرائيل بفتور، قامت ادارته بالكثير من اجل امن الدويلة العبرية على مدى السنوات الاربع الماضية.

واشار الى انه على الرغم من ان رغبة نتانياهو بانتخاب رومني ليست سرا ولكن القضية الرئيسية تتعلق بالرئيس الذي سيحمي ظهر اسرائيل.

وعلى الجانب الفلسطيني فلا يوجد اي نوع من الحماس للانتخابات الاميركية.

ومع تعثر مفاوضات التسوية منذ اكثر من عامين فان اوباما لم يعد يثير حماس الفلسطينيين الذين يرون بان الرئيس المقبل للولايات المتحدة لن يغير شيئا.

وقال مهند عبد الحميد وهو محلل سياسي في رام الله “الموقف الاميركي معروف في مساندته لاسرائيل مهما كانت طبيعة الرئيس المقبل”.

واضاف “الولايات المتحدة تكيف نفسها مع الواقع الاسرائيلي ومع طبيعة الحكومة في اسرائيل وليس العكس، بالتالي فمواقف الولايات المتحدة من اسرائيل هي ذاتها سواء كانت اسرائيل نتانياهو او اسرائيل ليبرمان او اي شكل اخر”.

وذكر عبد المجيد سويلم وهو استاذ العلوم السياسية في جامعة القدس ان اي شعور بالتفاؤل اثاره انتخاب اوباما قبل اربع سنوات اختفى منذ فترة طويلة في ضوء المواقف الاميركية المترددة حول قضايا مثل بناء المستوطنات.

وتابع سويلم “لا اعتقد ان هناك اي امكانية كي تغير الولايات المتحدة سياستها في الشرق الاوسط بصورة جذرية عما عهدناه في السابق مهما كان الرئيس الاميركي المقبل”.

وكان رومني قد تعرض للانتقادات في وقت سابق من عام 2012 لقوله بانه ليس لدى الفلسطينيين “رغبة “باقامة السلام مشيرا الى انه لن يقوم باي محاولات جادة كرئيس لحل الصراع في الشرق الاوسط.

لكن ايتان جلبوع الخبير في العلاقات الاميركية الاسرائيلية في جامعة بار ايلان فقد ذكر رأى ان فوز رومني الذي لن يمارس على الارجح ضغوطا على اسرائيل فيما يتعلق بالمفاوضات او سياسة البناء في المستوطنات، قد يساعد في اعادة اطلاق عملية السلام المتعثرة.

واضاف ان “الفلسطينيين اعتقدوا ان اوباما سيقوم بالعمل بالنيابة عنهم وبأنهم سيحصلون على صفقة تقوم فيها إسرائيل بتقديم تنازلات وهذا سبب الحاحهم كل الوقت”.

واكد جلبوع انه اذا انتخب رومني رئيسا فسيكون لذلك تأثير عكسي “وقد يقولون “يجب علينا الدخول في مفاوضات في نهاية المطاف”.

عمر نجيب

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *