الذراع الصهيونية

هناك حقيقة يثبتها الكيان الصهيوني كل يوم، فهو يرى أنه في حالة حرب مع جميع الدول العربية، وغير مطمئن إلى المعاهدات والاتفاقيات، ويعدها حبراً على ورق، ولهذا، لا يتردد لحظة في توجيه ضربات عسكرية جوية أو بحرية أو برية، مهما كان الهدف بعيداً، وحتى لو لم يقع في دولة من دول الطوق (مصر وسوريا ولبنان والأردن أو أراضي السلطة الفلسطينية “الضفة الغربية وقطاع غزة«)، التي يمكن أن تهدده تهديداً مباشراً، والتبريرات لديه جاهزة؛ “إنها تهدد أمنه القومي وسلامة أراضيه«، ولهذا، فإنه يرى أي تنام للقوة، أو بناء أي مصنع حربي، أو اقتناء أي أسلحة متطورة أو حتى أي مفاعل نووي يستخدم للأغراض السلمية، كل ذلك يشكل خطراً على “أمنه القومي”.


السنوات الماضية شهدت اعتداءات متكررة من قِبل الكيان الصهيوني على دول عربية لا تربطها حدود مع الكيان الصهيوني المفتعل، مثل تونس والعراق والسودان، وأحدث هذه الاعتداءات وقعت في السودان . فقبل عطلة العيد اتهم وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان “إسرائيل«، بالقيام بقصف مجمع اليرموك للتصنيع الحربي جنوبي العاصمة الخرطوم . وقال في مقابلة مع “بي بي سي”إن السودان يمتلك الأدلة على ذلك، مشيراً إلى أن “مجموعة من الفنيين أكدوا من خلال فحص مخلفات الأسلحة التي استخدمت في الهجوم، وجود أدلة دامغة بأنها أسلحة “إسرائيلية«”.


وفي 12 يناير/كانون الثاني من العام 2009 تعرّض 17 صياداً سودانياً على متن أربعة قوارب للصيد بالبحر الأحمر إلى قصف قاتل، وأعقب ذلك قيام طيران الاحتلال “الإسرائيلي”بقصف قافلة سيارات زعمت “إسرائيل”أنها كانت تحمل أسلحة إلى قطاع غزة .


وفي أغسطس/آب 1998 قصفت صواريخ كروز أمريكية مصنع الشفاء للأدوية في شمال الخرطوم، بعد أن زعمت واشنطن أنه يتم فيه إنتاج أسلحة كيميائية، إلا أنه لم تظهر أدلة دامغة على ذلك .


كما تعرّضت الأراضي التونسية لاعتداء بتاريخ 16 إبريل/نيسان 1988 واغتالوا القيادي الفلسطيني أبو جهاد .


وفي سبتمبر/أيلول من العام 2007 قصفت “إسرائيل”ما يسمى بالمفاعل النووي السوري بدير الزور، وفي شهر يونيو/حزيران 1981 قصفت 8 طائرات عسكرية “إسرائيلية”مفاعل تموز النووي العراقي الذي قارب على الانتهاء بمساعدة فرنسية وإشراف المهندس النووي المصري يحيى المشد الذي اغتالته “إسرائيل”في باريس .


وفي العاشر من إبريل/نيسان العام 1973 قامت “إسرائيل”بعملية أطلق عليها “عملية فردان أو عملية ينبوع الشباب«، باغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين: كمال عدوان، وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت، كما قاموا بتفجير مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين .


في 15 إبريل 1986 قامت 66 طائرة أمريكية، انطلق بعضها من قواعد بريطانية، بشن غارة وقصف أهداف في العاصمة الليبية طرابلس، ومنطقة بنغازي، كما تم قصف المجمع السكني الذي كان يقيم فيه الرئيس الراحل معمر القذافي وقتل 45 جندياً ليبياً و 15 مدنياً .


لم يرد أحد، ولم يهدّد أحد، بل العكس من ذلك، اجتمع العرب في بيروت وعرضوا على الكيان الصهيوني مبادرة “الأرض مقابل السلام«، فلم تعد الأرض إلى أصحابها، ولم يتحقق السلام، وظلت الأجواء العربية والأراضي العربية ساحات لتحرك الموساد الصهيوني، من دون رادع، وأحياناً من دون إدانة من أحد . وبما أن الهجوم على المصنع الحربي في السودان هو الأكثر حداثة، فإن الرد السوداني جاء بارداً، على الرغم من التصريحات التي قالت إن هذا الاعتداء يجعل من السودان دولة مواجهة مع الكيان الصهيوني، وبالفعل أصبح دولة مواجهة، ولكن في مواجهة التقنية الصهيونية والخبراء الصهاينة الذين تسللوا إلى جنوب السودان .


الحقيقة التي يدفن العرب رؤوسهم تحت رمالها ولا يرغبون في معرفتها أو تصديقها، هي أن الكيان الصهيوني وقادته غير مصدقين أبداً أن المعاهدات التي ربطت بينهم وبين بعض الدول العربية يمكن أن تدوم، وهم يدركون جيداً أن حالة العداء على صعيد الشعوب العربية باقية مع الكيان الصهيوني الذي يعتدي يومياً، ليس على الفلسطينيين، وإنما على العرب أيضاً وبطرق شتى وبوسائل جهنمية، إن كان بزرع عملائه، أو مباشرة عن طريق وجوده في المناطق التي تشهد قلاقل واضطرابات، ولم يستقر فيها الوضع السياسي أو العسكري بعد، مثل ليبيا والعراق، والآن سوريا، ولبنان وغيرها، بل إننا لا نبالغ في التوصيف حين نقول إن أي منطقة يوجد فيها عنصر عسكري أو سياسي أو استخباراتي أو تقني استراتيجي أمريكي، هو وجود “إسرائيلي”بامتياز، لأن التنسيق الأمني بين الأمريكيين و”الإسرائيليين”يجري على قدم وساق وعلى أعلى المستويات، وهذا ليس سراً أبداً، فكل النافذين في البيت الأبيض يؤكدون بين فترة وأخرى أن أمن “إسرائيل”أولوية، إضافة إلى الشراكة الاستراتيجية بينهما، ولعل المناظرات والتصريحات الأخيرة لكل من المرشحين للرئاسة، باراك أوباما وميت رومني، اللذين تسابقا على الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، لخير دليل على أن زعماء البيت الأبيض الحاليين والسابقين، لا يحترمون مشاعر العرب والمسلمين، ولا يقفون مع حقوقهم، وليس في نيتهم تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة .


وفق هذه الاستراتيجية يتصرف الكيان الصهيوني، فيقصف هنا، ويغتال هناك، وهو يعيش حالة مزدوجة من الرعب والرعونة والإحساس بالتفوق، لعلمه أن أمن وجوده تكفله الولايات المتحدة الأمريكية، راعية السلام في الشرق الأوسط .


على راسمي السياسات في الوطن العربي أن يستغلوا المتغيرات الإقليمية والدولية، وأن يشهروا أوراق الضغط في وجه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي، وأن يتحركوا بشكل عملي لتحجيم القوة الصهيونية، لأن قلق الكيان لن ينتهي إلا برؤية العرب متخلفين سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وفي المجالات كلها، ليتقدموا بعد ذلك إلى إدارة خيرات البلاد وثرواتها الطبيعية

 

. وأوراق الضغط متوافرة، وأدواتها كثيرة، فإضافة إلى النفط، تعدّ السوق العربية من الأسواق الضخمة من حيث الاستهلاك، وهناك خيارات هائلة من الموردين والخبرات . أما أن يبقى العالم العربي تحت رقابة الكيان الصهيوني، ليحدد مستوى القوة التي يجب أن يتمتع بها هذا العالم في مجالات الإنتاج والتصنيع والتقدم والتطور في جميع المجالات، فهذا يفقد العالم العربي جزءاً من سيادته أولاً، وثانياً، يبقيه تابعاً ومرعوباً ومتخلفاً، وكل عام وأنتم بخير .

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *