المشـاكـل الداخـلـيـة تهـدّد دور أمـيـركا العـالمـي

لطالما تابع العالم العربي الانتخابات الأميركية كجزء لا يتجزأ من شؤونه الداخلية، في وقت شغلت السياسة الخارجية حيّزاً لا يُستهان به من خطاب المرشحين للانتخابات، حتى أنها أتت أحياناً على حساب الشأن الداخلي، في وقت ربط كل مرشح فوزه بالتمكّن من الحفاظ على دور أميركا في صدارة القيادة العالمية.

 
وفيما لا يُخفى على أحد المأزق الماثل أمام السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، نظراً لتوسع رقعة الصراعات وتفاقمها، يبقى هناك العديد من المحطات التي ينبغي التوقف عندها في هذه المرحلة من الانتخابات، حيث يتوسّع النقاش ليطال مفهوم السياسة الخارجية بحدّ ذاته وآليات رسمها، فضلاً عن مستقبلها الذي يُفترض أن يحدّد مستقبل أميركا نفسها كقوة عظمى.

وفي متابعة لما أثير خلال الحملات الانتخابية الأخيرة لكلا المرشحين، الديموقراطي باراك أوباما والجمهوري ميت رومني، فضلاً عما دار من نقاش خلال المناظرة التي خصصت للسياسة الخارجية، يمكن الخروج بالعديد من الخلاصات.

قد تُعدّ أبرز العوائق التي تعترض السياسة الخارجية اليوم، حسب مراقبين، هو تفاقم المشكلات الداخلية، الاقتصادية تحديداً، وميل الناخب الأميركي للتركيز على الداخل أكثر من أي شيء آخر. وهذا ما دفع بكلا المرشحين إلى الانغماس في الشأن الداخلي ومحاولة التفرّد في الخطاب المطروح، مقابل تقديم نظريات عمومية حول القضايا الخارجية تفتقر إلى طرح الكثير من المسائل الجوهرية التي يهدّد غيابها الدور الاميركي نفسه.

 
من هنا بقيت نقاط كثيرة خارج حدود الطرح، أما تلك التي خضعت للنقاش فقد شهدت في أحيان كثيرة انسجاماً بين المرشحين أو تأييداً «رومنياً» لما سبق وبدأ به أوباما أو خطّط له.

 
وفي النهاية، بدا واضحاً بحسب ما ذكرت العديد من الصحف الأجنبية افتقار أميركا لوجود سياسة خارجية شاملة، مقابل الاستغراق في تفاصيل معينة متعلقة بمنطقة أو حرب ما.

 
وفي هذا السياق، تشير مجلة «فورين بوليسي» إلى ست نقاط جوهرية لم يتمّ التطرق إليها خلال الحملات الأخيرة، وهي: تحديد نهاية لـ«الحرب على الإرهاب»، لا سيما أن معتقل غوانتانامو ما زال يضم أكثر من 160 سجيناً من دون محاكمة أو خطة توضح ما سيكون مصيرهم. النظر في وضع الدستور الحالي بعد إخضاعه إثر اعتداء 11 أيلول لتغييرات شرعنت القتل والقمع وكل أشكال «حماية» الداخل.

 أهداف أميركا في الشرق الأوسط هل تتعلق بالنفط؟ بإسرائيل؟

وما هو الهدف من تعزيز حروب الوكالة في إيران، والتي توسعت اليوم إلى الحروب السيبيرية؟

 هل أميركا خائفة من إيران نووية أم من مجرّد انضمام عضو جديد إلى النادي النووي؟

هل ستكمل في لعبة القرن التاسع عشر ذاتها في دعم الديكتاتوريين الذين يؤيدون سياساتها ومحاربة من يعارضونها؟

 مع العلم أن هذا النمط في رسم السياسات الخارجية لم يكن ناجحاً على المدى الطويل. ضرورة وضع خطة لإعادة تشكيل الجيش بالطريقة الصحيحة، وخفض عدد البعثات العسكرية إلى الخارج، وذلك بعد أن أوصلت الحرب على العراق وأفغانستان الجيش الأميركي إلى أضعف مراحله منذ حرب فييتنام.

 مع العلم أن الاعتماد المتزايد على القوات الخاصة الأميركية بالتعاون مع العناصر المسلحة من «السي آي إيه» وطائراتها من دون طيار عزّز إحساس الرئيس بقدرته الشخصية على القتل.

وهكذا، حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، إن كانت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة حفزت الطرفين على إجراء نقاش عميق وجدي حول دور الحكومة في الاقتصاد، فإن الفوضى التي شهدها العقد الماضي، لم تدفع باتجاه نقاش مماثل في ما يخص دور أميركا في العالم. في المقابل حافظت واشنطن على نغمتها الشاعرية القديمة بخصوص «الاستثنائية» الأميركية التي لم يعد أحد يؤمن بها

.
وكما يفسّر نورمان أورنشتاين من معهد «أميركان إنتبرايز» فبسبب الانقسامات التاريخية داخل الحزب الواحد حول السياسة الخارجية، يفضل المرشحون توجيه الخلافات نحو أسلوب القيادة العالمية بدلاً من الدخول في نقاشات عميقة ومتقدمة بشأن دور أميركا في العالم، كما يشير إلى افتقار الجيل الحالي من القادة للخبرة أو المكانة للتفاهم مع السلطة العسكرية من دون صدام.

 
في الواقع، يظهر النقاش حول السياسات الخارجية في أميركا حنيناً إلى العهد الذي كان باستطاعة أميركا فيه أن تملي ما يجب على أصدقائها وان تعاقب أعداءها.

وحسب اقتراح «مجلس العلاقات الخارجية» إن كانت أميركا تودّ الحفاظ على وجودها الفاعل في المنطقة، فعليها أن تترك وراءها هذه السياسة المتعفنة وأن تعمل على تبني سياسة جديدة تأخذ بالاعتبار أن المواطنين باتوا أكثر وعياً لمصالحهم.

كما يقترح أن يركز الرئيس المستقبلي على عملية السلام الفلسطيني – الاسرائيلي، وأن يأخذ بالاعتبار التحولات السياسية الجارية في العالم العربي، وينخرط في دعم العملية الديموقراطية في البلدان التي شهدت تغييراً والتي لم تشهد بعد.

 
وفي النهاية، رغم صعوبة التنبؤ بالمستقبل، حملت النقاشات مؤشرات عدة تشي بأن المرجح أن يكون الرئيس الفائز أكثر حذراً وتحفظاً في طرح مبادرات السياسة الخارجية، وبأن أميركا ستظل داعمة للمواقف الإسرائيلية بصرف النظر عمن يتم انتخابه، كما ستشهد النظرة الأميركية للخليج العربي تطوراً خلال الأعوام المقبلة وسط ما يُحكى عن اكتشافات نفطية جديدة على السواحل الأميركية.

في المقابل، يحذر المراقبون من الانغماس في تحديد سيناريوهات للأحداث الإقليمية على قاعدة تبسيط الأمور إلى حدّ الاكتفاء بالقول إن العلاقات الأميركية – العربية ستكون أفضل مع رومني لأنه جمهوري، أو أفضل مع أوباما لأن انتخابه يعني انتقاله لولايته الثانية وتحرره من بعض الضغوط السابقة

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *