الأزمة العالمية تثير محاذير حيال السياسة الاقتصادية الكلية للهند

عقد صناع السياسة الاقتصادية في العالم في طوكيو اجتماعاتهم السنوية الخاصة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هذا العام في العاصمة اليابانية طوكيو، وقد أتاح انعقاد هذه الاجتماعات في آسيا فرصة جيدة لتدارس وضع صندوق النقد الدولي بالنسبة إلى اقتصادات الدول الآسيوية بما فيها الهند.

من الأهمية بمكان التمعن في كيفية أداء الاقتصاد العالمي قبل محاولة التعرف على ما يحدث داخل الاقتصادات الآسيوية، فصندوق النقد الدولي يواصل توقعاته بحدوث درجة من التعافي التدريجي، ولكن بوتيرة أضعف قليلاً مما كنا نتوقعها في وقت سابق.

ونحن نتنبأ في الوقت الراهن أن يحقق الاقتصاد العالمي نمواً نسبته 3.3 في المئة خلال سنة 2012 وقد يرتفع إلى 3.6 في المئة في السنة المقبلة. وكما كانت الحال لبعض الوقت فإن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تنمو بسرعة أكبر من نمو الدول المتقدمة.

ومن المهم أيضاً ملاحظة حقيقة استناد هذا التوقع إلى افتراضين هما:
أولاً: أن صناع السياسة في منطقة اليورو سيتبنون سياسات كافية لتخفيف الأوضاع المالية في الدول المتعثرة.
وثانياً: أن صناع السياسة في الولايات المتحدة سيتوصلون إلى مخرج لتفادي ما تتضمنه الموازنة الأميركية الراهنة من انخفاض حاد في النفقات والإيرادات الناتجة عن الزيادات الآلية في الضرائب، ذلك التراجع الذي يطلق عليه البعض «الهاوية المالية»- التي يتضمنها قانون الميزانية الحالي.

وعلى أي حال، نحن في القارة الآسيوية شهدناً أيضاً درجة من التباطؤ في الأسواق الناشئة الكبرى وكما قال العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي لدينا «لقد تبخر وهم البعد عن الأزمة».

ماذا عن آسيا؟ إذا نظرنا إلى الدول المتقدمة والناشئة والنامية معاً نجد أن نمو الناتج المحلي الاجمالي في آسيا كان في حدود 5.5 في المئة خلال النصف الأول من سنة 2012، وهو أدنى مستوى منذ 2008 التي شهدت اندلاع الأزمة المالية العالمية.

ويرجع هذا في جانب منه إلى ضعف الطلب في أوروبا والولايات المتحدة غير أن العوامل الداخلية كانت مهمة أيضاً خصوصا في الهند وبدرجة أقل في الصين، بينما تعرضت اليابان إلى تباطؤ بسبب ضعف جهود إعادة البناء.

أما الأخبار الجيدة، فتتمثل بأن العديد من دول الآسيان، خصوصاً ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وتايلاند استمرت في النمو لتقترت من طاقتها القصوى المتوقعة أو بمستويات قريبة منها.

ومقارنة مع السنوات الأخيرة، فإن الوضع في الأجل القريب بالنسبة إلى آسيا يبدو باهتاً بنمو متوقع في عام 2012 نسبته 5.5 في المئة و6 في المئة لعام 2013. ويترافق مع هذا التراجع الضئيل في النمو المتوقع تباطؤ لمعدلات التضخم في معظم الدول، وفي العديد من الحالات فقد وصلت إلى مستويات مريحة بالنسبة إلى البنوك المركزية في المنطقة.

لكن أين يمكن أن يقع الخطأ؟ تتركز المخاطر الرئيسة فيما سيحدث في منطقة اليورو وهل ستقع الولايات المتحدة في «هاوية مالية» جراء الزيادات التلقائية في الضرائب. ولا ننسى هنا أن الصين غدت محركاً للنمو في المنطقة، لذلك فمع أي احتمال بعيد لحدوث «هبوط عنيف» للاقتصادات الأوروبية والأميركية فقد ينجم عن ذلك تداعيات وتأثيرات مهمة تلحق بعدد من الشركاء الرئيسيين في آسيا.

فمن حيث القيمة المضافة، فإن ثلثي صادرات آسيا الناشئة ترتبط بالطلب من الولايات المتحدة أو أوروبا. كما أن حدوث ارتفاع مفاجىء في أسعار الطعام أو الوقود العالمية قد يؤثر أيضاً في النمو في شتى أنحاء آسيا. وبناء على نماذج توقعات خاصة بآسيا فإن احتمالاً نسبة 14% في المئة أن يسجل معدل النمو للمنطقة الآسيوية أقل من 4 في المئة في سنة 2013، وهو ما يقارب ما سجلناه في عام 2009

.
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى الهند؟ ترتبط الهند طبعاً بالتباطؤ الاقتصادي العالمي، لذا ليس من المفاجئ أن تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن وضع الهند الاقتصادي يتسم بالضعف أيضاً.
وإضافة إلى ذلك، فإن العوامل الداخلية لعبت أيضاً دوراً مهماً في التباطؤ في الهند. وبالنسبة إلى سنة 2012 نحن نتصور تحقيق نمو فعلي في الناتج المحلي الاجمالي يصل إلى 4.9 في المئة ويرتفع إلى 6 في المئة في سنة 2013- وهذه الإحصاءات محتسبة وفقاً لأسعار السوق.

أما البيانات المقابلة المحتسبة استناداً إلى عوامل التكلفة ومدد السنوات المالية، فإن الاقتصاد الهندي يتوقع نموه بنسبة 5.6 في المئة في العام المالي 2012- 2013 وبنمو نسبته 6 في المئة للعام المالي 2013- 2014، كما أنه من المرجح استمرار ارتفاع التضخم مع توقع وصول مؤشر أسعار المستهلكين المستهدف إلى أكثر قليلاً من 11 في المئة في هذه السنة المالية، وهبوطها إلى 9 في المئة خلال السنة المقبلة.

ما هي انعكاسات ذلك على السياسة الاقتصادية في الهند؟ تبرز حالة عدم اليقين التي ميزت الاقتصاد العالمي الحاجة إلى توخي الحذر في أسلوب التعامل مع السياسات الاقتصادية الكلية التي تتبناها الهند.

وفي المقابل، نشعر أن الهند ستعمل بصورة جيدة إذا ظلت تحتفظ ببعض الأوراق والسياسات المالية والنقدية لاستخدامها بكفاءة خلال الفترة المقبلة. غير أنها كي تعاود مسيرتها صوب النمو المرتفع والمستدام، فإن ذلك يعني أن الهند يتعين عليها معالجة اختناقات العرض والاستمرار في جهود الإصلاحات الهيكلية على أن يترافق ذلك مع تعزيز مالي على المدى المتوسط.

ولاشك أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الهند بهدف خفض الإعانات غير المجدية وضبط إنفاق الأموال العامة، وكذلك الإجراءات التي رمت إلى فتح آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر، جميعها تعد خطوات ايجابية يجب أ

ن تساعد في هذا الصدد.
كما أن الاستمرار على هذا المسار سيضمن قيام الهند بدورها من أجل تأمين مستويات معيشة أفضل لشعبها مع المساهمة في التعافي الاقتصادي العالمي.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *