ما الذي يعنيه فوز أوباما؟

أعلن في فجر يوم الثلاثاء، السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني ،2012 عن فوز الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بولاية رئاسية ثانية . وحرص أوباما، في خطاب فوزه، على تأكيد الاستمرارية في النهج الذي اعتمده خلال فترته الرئاسية الأولى .


على صعيد السياسة الخارجية، أصبح أوباما أكثر قدرة على اتخاذ مبادرات كبيرة حيال ملفات دولية وإقليمية مختلفة، سواء تلك التي تحدث عنها منذ توليه منصبه رئيساً للولايات المتحدة، أو التي طرأت فيما بعد .


ويبدو مفهوماً الآن كيف أن العرب، ومعهم الأوروبيون والروس والصينيون، قد حبذوا فوز أوباما بفترة رئاسية ثانية . ربما تتباين مواقف هؤلاء في كثير من التفاصيل، لكنهم يتفقون على حقيقة أن أوباما من الداعمين لمبدأ التعددية في العمل الدولي . ويتصف بحرصه على التسويات السياسية، وعدم الهرولة نحو الحرب .


وفي كثير من القضايا التي واجهتها السياسة الخارجية الأمريكية، بدا أوباما واقعياً في مقاربته للأحداث، وبعيداً من المثالية والجموح الأيديولوجي .


وميّز أوباما نفسه عن الجمهوريين بالتركيز على فكرة أن المصالح القومية الأمريكية تتحقق من خلال مشاركة الآخرين، وعدم توريط الولايات المتحدة في حروب أو نزاعات مسلحة يُمكن تجنبها، أو النأي عنها .


في التأصيل الأبعد بعدى، يُمكن ملاحظة أنه وبعد أكثر من عقدين على انتهاء الحرب الباردة، ثمة تغيّرات واسعة قد طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية، وخياراتها بعيدة المدى .


بعد الحرب العالمية الثانية، وضعت أوروبا في قمة أولويات الأمن القومي الأمريكي، على الرغم من مشاركتها في حروب بالوكالة في جميع أنحاء العالم . وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، انتقل التركيز إلى منطقة الشرق الأوسط، مدعوماً بغزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين الكويت .


وشهد العقد التالي تزايد التورط الأمريكي في الشرق الأوسط، وقد بلغ ذروته اعتباراً من أحداث 11 سبتمبر/ أيلول العام ،2001 وحرب العراق العام 2003 .


بعد الانسحاب الأمريكي من العراق نهاية العام ،2011 جرى وضع الشرق في مكان أبعد ضمن دائرة الاهتمامات الأمريكية، لمصلحة آسيا – الباسيفيك . وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة حرصت على التأكيد أنها لن تتخلى في حقبة آسيا عن التزاماتها تجاه الشرق الأوسط .


وفي أحد أبعادها، عكست التحوّلات الجديدة في السياسة الخارجية الأمريكية واقعاً اقتصادياً جديداً، إذ إن تكلفة حرب العراق وأفغانستان كانت عالية بكل المعايير . ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على تحمل أعباء حملة عسكرية جديدة تخوضها منفردة، وذلك يفسر جزئياً استمرار أوباما في تأكيد سعيه إلى سياسة خارجية تعددية، على الرغم من أن الدافع نحو التعددية هو أكثر تعقيداً، إذ إنه يرتبط، في الوقت ذاته، بالسعي إلى اكتساب الشرعية في الساحة الدولية .


وهناك اتجاهان رئيسان حكما تقليدياً الرؤية الأمريكية للعالم: تمثل الأول في شعار “أمريكا أولاً«، والثاني في مبادئ الرئيس ويلسون الأربعة عشر .


على خلفية الشعار الأول، سارعت الولايات المتحدة، فور اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام ،1914 إلى إعلان حيادها . بيد أنها أقدمت على التدخل في هذه الحرب العام ،1918 لتقرر في سياق تدخلها وانتصارها “أخذ زمام قيادة العالم عامة، وأوروبا خاصة”. وقد كان هذا التدخل ترجمة للشعار الثاني، أي مبادئ ويلسون .


كذلك، تم التعبير عن هذين الاتجاهين في أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث لم تعلن الولايات المتحدة دخولها الحرب إلا بعد الهجوم الياباني على قاعدة “بيرل هاربور«، ما أعطى القيادة الأمريكية إمكان الحصول على تأييد الرأي العام الذي كان معارضاً في البداية للحرب، مادام أنها ظلت بعيدة عن البيت الأمريكي .


وساد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اتجاه تشجيع التورط الأمريكي في الشؤون الدولية، فكان مشروع مارشال العام 849Go لإعادة أعمار أوروبا، والتدخل اللاحق في فيتنام .


وبعد عقد على انتهاء الحرب الباردة، والبحث عن بناء هيكلي جديد للسياسة الخارجية، أتت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول لتدفع الولايات المتحدة باتجاه إعادة النظر في سياستها الخارجية .


لقد كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول سبباً مباشراً للحرب الأمريكية في أفغانستان العام ،2001 ومحفزاً سياسياً وأيديولوجياً لحرب العراق العام ،2003 وعامل دفع رئيس لإعادة تشكيل العلاقات الأمريكية الروسية . كما صاغت هذه الأحداث، على نحو مباشر أو ضمني، خيارات السياسة الأمريكية في عدد كبير من مناطق وأقاليم العالم .


وبعد سنوات ثمان من حكم الجمهوري جورج بوش الابن، جاء باراك أوباما في العام ،2009 ليبدأ بإعادة صوغ جديد للسياسة الخارجية الأمريكية على أكثر من صعيد .


وقال أوباما: “اعلموا أن أمريكا صديق لكل دولة، وكل رجل وامرأة، وطفل ينشد مستقبلاً من السلام والكرامة . وأننا مستعدون لتولي القيادة مرة أخرى”.


ومن هنا، بدت سياسة أوباما على قدر من البراغماتية، والابتعاد عن النهج الصدامي والهرولة نحو الحرب .


وكان الرئيس أوباما قد كشف، في الخامس من يناير/ كانون الثاني ،2012 عن ملامح استراتيجية عسكرية جديدة، ترتكز على ثلاثة محاور هي: تقليص عدد القوات في أوروبا، وخفض الإنفاق الدفاعي، في ظل التركيز على آسيا، والمحافظة على التفوق النوعي .


واعتمدت الاستراتيجية الجديدة على تعزيز القدرات القتالية للولايات المتحدة لكسب حرب واحدة، مع امتلاكها القدرة على ردع أهداف خصم في حرب أخرى، في تحول واضح عن الاستراتيجيات السابقة، التي كانت تقول بإمكان خوض حربين متزامنتين .


وتضم المؤسسة العسكرية الأمريكية حالياً مليوناً ونصف المليون عسكري، إضافة إلى 700 ألف مدني يعتمدون على قاعدة صناعية يرتبط بها أكثر من 8 .3 مليون أمريكي .


وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن فوز أوباما بولاية رئاسية ثانية يمثل فرصة جديدة لتأكيد نهج التعددية في العمل الدولي، والنأي بالولايات المتحدة عن العمل المنفرد، ولذا رحب العالم بفوزه مجدداً

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *