سقوط المخلّص
السياسي الديموقراطي ليس منقذاً ولا مخلصاً. وتبقى السياسة بعيدة عن ساحات الانقاذ. ليس من دواء ولا من تغيير. كانت السياحة هكذا من قبل، وتبقى من بعد. هذا ما توحيه الأحداث الحالية، وفي المقدمة باراك أوباما الذي نأى بنفسه عن هذا الوصف خلال الحملة الانتخابية الرئاسية.
لا تتلازم الديموقراطية مع الأفكار الخلاصية والانقاذية. لماذا؟ يبدأ السياسي المخلص مشواره قبيل الانتخابات. وبعد النجاح. يبدأ المخلص في نشر أفكاره. وتتلقف الجماهير تلك الأقوال بحماسة منقطعة النظير، بعد سنوات من الخيبة من الشخصيات السياسية التي تفتقر إلى الكاريزما والإيديولوجيا والملتصقة بأفكار حزبها السياسي المتلهف لعقد التسويات الخائبة، هنا يأتي دور المخلص الذي يفد بالتغيير، وتحقيق الآمال في المستقبل.
يلعب الاعلام دوراً هاماً في نشر أفكار المخلص. وتبتكر له القصص والحكايات عن اخلاصه، وعن عمله المتواصل في الليل والنهار لخدمة الشعب. ويرسم له الاعلام صورة مشوهة تعتبره بطلاً ومناضلاً، فوق مستوى البشر.
يبدأ المخلص عمله في تغيير نظام الحكم كي يكون ملائماً له، وليس للشعب. ويعمل من أجل إدامة حكمه إلى ما لا نهاية. وقد يعمل كي يتحول إلى سياسي عادي. ولكن ذلك نادراً ما يحصل.
بعد نجاح باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية العام 2008 نظر الناس إليه كمخلص، سوف يحقق كل ما تعهد به. وكان يجد الكلمات التي تصدر عنه، والتي أخذ ينثرها في خطبه الحماسية التي ألقاها في براغ وفي القاهرة وفي مدن أخرى. ونظر الناس في العالم اليه كرسول للتغيير المأمول. وقد توّج ذلك بمنحه جائزة نوبل للسلام. التي لم يكن يستحقها بالتأكيد، لان جائزة نوبل ليست جائزة تشجيعية، بل تقديرية. وهو لم يكن قد أنجز أي شيء.
كانت الخطوة الأولى لأوباما العام 2009 هي احترام التوازنات القائمة. لم يحاول ان يحدث أي تغيير. وتعهد باحترام الحدود التي يضعها النظام الممثل بالإدارة. تبقى الديموقراطية مناقضة لحكم الفرد الذي كان يمثله الملوك والطغاة، تضع الديموقراطية ثقتها في الحكام الذين أتوا إلى الحكم عن طريق الانتخاب. وهنا ليس ملائماً للمخلص.
يجب على الحاكم أن يحوز ثقة الشعب. نصفه على الأقل. لأن المجتمعات الديموقراطية منقسمة على التأكيد. يجب أن يكون في الأنظمة الديموقراطية معارضة فاعلة، والتي، على الأغلب، تحاول إفشال الحاكم.
نجح باراك أوباما في تحقيق الضمان الصحي للملايين من فقراء أميركا. وهو يُشكر عليه. ولكن لماذا يطلق طائراته القاتلة الـ«بلا طيار» لقتل الاسلاميين الذين يطلق عليهم لقب الارهابيين، في باكستان وأفغانستان؟ أليس هذا حكم بالإعدام من دون محاكمة؟
عندما يستعرض الباحث تاريخ الزعماء الذين يوصفون بالمخلصين، يرى أن النتيجة بائسة جداً. كان المخلصون مجرد حكام استبداديين. ويكفي ذكر أسماء هتلر وموسوليني، لنرى كيف طبق المخلص أفكاره؟ وكيف دمر بلاده وأهلها؟ ولكن هناك استثناء لهذه الحصيلة المرعبة، تتمثل بأسماء جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو، وجوزف بروز تيتو، الذين ظهروا في الزمن الجميل، والذي لن يعود على الأرجح.
كاتب سياسي ـ لبنان