«القاعدة» لم يضعف بقدر ما يظن أوباما
يجب أن تبقى مطاردة القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة” على رأس الأولويات، وذلك عبر استعمال الطائرات بلا طيار والتعاون مع الاستخبارات والشرطة الدولية… لكن يجب أن تفكر الولايات المتحدة أيضاً في مسألة اتساع فروع “القاعدة” وانتشارها.
منذ بضعة أسابيع فقط، خلال المرحلة الأخيرة من الحملة الرئاسية الأميركية، أعلن الرئيس أوباما أن “القاعدة يوشك أن ينهار”. عبّر كبار المسؤولين في الإدارة عن الموقف نفسه، بدءاً من جيمس كلابر (أعلن أن القاعدة “ضعف”) ووزير الدفاع ليون بانيتا (ادعى أن احتمال هزيمة القاعدة استراتيجياً لا يزال وارداً). سارع الجمهوريون إلى مخالفتهم الرأي طبعاً، ولكنهم ركزوا في انتقاداتهم على اعتداء بنغازي الذي قتل السفير ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين في 11 سبتمبر. فجأةً، بدا تهديد “القاعدة” واضحاً بشكل مريع.
عملياً، تبدو التقارير التي تتحدث عن انهيار “القاعدة” صحيحة ومبالغاً فيها في آن. يعتبر الرئيس ومستشاروه أن هذا التنظيم الذي يقوده الآن أيمن الظواهري يوشك على الانهيار بعد قتل كبار قادته وهرب عناصر آخرين أو اختبائهم. لكن تشير الاعتداءات الجهادية في بنغازي واليمن وأماكن أخرى إلى أن التنظيم لا يزال ناشطاً وقد بدأ يزدهر في مناطق معينة.
يمكن فهم تركيبة “القاعدة” عند اعتبارها مجموعة من الدوائر. في الوسط، نجد “نقطة المرجع”، وهي منظمة صغيرة نسبياً تتألف من مئات المقاتلين الذين أقسموا يمين الولاء لأسامة بن لادن ثم خلفه الراهن أيمن الظواهري. غالباً ما تحمل هذه المنظمة اسم “جوهر القاعدة” أو “القاعدة المركزية” أو “قيادة القاعدة العليا”. في الدوائر الخارجية، نجد مجموعات وأفراداً يؤيدون على الأقل بعض الأفكار والأهداف الإيديولوجية التي تحددها القيادة المركزية.
بالتالي، يبدو أن الأشخاص الذين سافروا من الولايات المتحدة إلى باكستان من أجل محاربة القوات الأميركية في أفغانستان لم يكونوا على ارتباط بعمليات “القاعدة” المركزية، ولكنهم كانوا يؤيدون أفكارها التي تعتبر أن القوات الأميركية تخوض صراعاً قمعياً ضد الإسلام، وبالتالي يجب محاربتها بجميع الوسائل. في الدوائر الوسطى، نجد أفراداً يتلقون بعض التدريبات والدعم من “القاعدة”، ولكنهم لم يقسموا على الولاء للظواهري.
لكن أهم فئة وأكثرها غموضاً اليوم هي الجماعات المتفرّعة عن “القاعدة”. حتى لو استُهدفت قيادة “القاعدة” المركزية، تزدهر الجماعات الفرعية. ترتبط “القاعدة في العراق”، و”القاعدة في شبه الجزيرة العربية” (مركزها اليمن)، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” (نشأت نتيجة الصراع الجزائري)، وحركة “الشباب” في الصومال، بعلاقة رسمية مع القيادة المركزية. بالإضافة إلى استعمال اسم “القاعدة”، تعهدت تلك الجماعات أيضاً بمهاجمة الأهداف الغربية وإنشاء دولة إسلامية. في بعض الحالات، عمدت إلى استهداف الأميركيين والأوروبيين في منطقتهم، واستعملت وسائل “القاعدة” مثل التفجيرات الانتحارية. حاول أحد الفروع، “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، إسقاط طائرات أميركية مرتين خلال عمليات متطورة كان يمكن أن تُضاف إلى رصيد القضية الجهادية لو أنها نجحت. خارج إطار هذه الفروع المجاورة، نشأت جماعات في مالي وشبه جزيرة سيناء ونيجيريا، وهي تؤيد أفكار “القاعدة” مع أنها لم تنشط بعد بالقرب من قيادة “القاعدة” المركزية في باكستان.
استوحت جماعة “أنصار الشريعة” التي اتُّهمت بارتكاب اعتداءات بنغازي نشاطاتها من أفكار “القاعدة”، ولكنها غير مرتبطة بها، بل إنها تبدو بعيدة عن “نقطة المرجع” في التنظيم. لم يكن الاعتداء الذي نفذته لافتاً بأي شكل بل إنه استهدف منشأة دبلوماسية أميركية كانت تفتقر إلى التدابير الدفاعية الكافية. لذا يصعب أن نستنتج أن التهديد الإرهابي الذي تفرضه هذه الجماعة على الأميركيين خارج ليبيا قوي. (يقول محلل شؤون الإرهاب بيتر بيرغن: “من الغباء أن نصدّق هذا الأمر”).
تطرح جماعات مثل “أنصار الشريعة”، وحتى الفروع المباشرة مثل “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، تهديداً مختلفاً عن تهديد قيادة “القاعدة” المركزية. لكن الأمر الإيجابي هو أنها أقل قدرة وأقل اهتماماً باستهداف الأراضي الأميركية. تنحصر معظم نشاطاتها محلياً لمحاربة النظام الحاكم والجماعات المنافِسة التي تخوض معركتها الخاصة. لكن من الناحية السلبية، يبدو أنها تتوق في أغلب الأحيان إلى استهداف مراكز الأميركيين والمنشآت الرسمية، مثل القنصلية في بنغازي، أو اغتيال الأميركيين الذين يمرون في طريقها. ربما يتعلق أبرز تهديد تطرحه هذه الجماعات بالاستقرار الإقليمي. في مالي، قد لا يكون هذا الجانب مهماً جداً. لكن في شبه جزيرة سيناء، قد ينشأ اشتباك آخر بين إسرائيل و”حماس” في غزة وقد تؤدي أعمال العنف التي تقوم بها في العراق إلى تجدد الحرب الأهلية الطائفية.
يجب أن تبقى مطاردة القيادة المركزية على رأس الأولويات، وذلك عبر استعمال الطائرات بلا طيار والتعاون مع الاستخبارات والشرطة الدولية. لكن يجب أن تفكر الولايات المتحدة أيضاً بمسألة توسّع فروع “القاعدة”. تتعلق إحدى أبرز التداعيات بالمخاطر التي يمكن أن تطرحها الحروب الأهلية العالقة. في سورية، توسّع وجود المجاهدين بعد أن كان معدوماً أو هامشياً: إنه تطور متوقع في بلدٍ يظن فيه المسلمون السنّة المحليون أن العالم لا يبذل الكثير لحمايتهم، ما يدفعهم إلى الترحيب بأي مساعدة يحصلون عليها حتى لو لم يوافقوا على رسالة الجهات التي تقدم لهم المساعدة.
على صعيد آخر، لا بد من ضمان تحول الحركات الإسلامية (مثل “الإخوان المسلمين” في مصر) إلى أحزاب سياسية ناجحة. يقول الظواهري إن العنف (وليس السياسة السلمية) سيحقق قضية الإسلام ولا عجب أنه يمقت جماعة “الإخوان”. يجب أن ينجح أي حل سلمي بديل لمنع الإسلاميين المحليين من رفع راية الجهاد.
أخيراً، يحتاج المسؤولون الأميركيون إلى إقامة حوار مفتوح ومستمر لتحديد الجماعات الفرعية التي يجب التركيز عليها وتلك التي تشكّل مصدر إلهاء. حاولت “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” استهداف الأراضي الأميركية، لذا من المفيد متابعة العمل على هزيمتها بالتنسيق مع الحكومة اليمنية. في المقابل، لن يحقق التدخل في نيجيريا الكثير بل إنه سيزيد عداء المجاهدين للولايات المتحدة بعد أن كانوا يركزون على الوضع المحلي.
كانت مأساة بنغازي فرصة نادرة لتوعية الرأي العام حول هذه الاختلافات، لكن سرعان ما تحولت إلى طريقة لتسجيل النقاط السياسية. نتيجةً لذلك، يشعر الشعب الأميركي اليوم بارتباك شديد أكثر من أي وقت مضى