المواجهة السعودية – الإيرانية “تخنق” الإنتخابات النيابية في لبنان
كلما تقدم الوقت مقترباً من مواعيد المهل الدستورية للاستحقاق النيابي، كلما ازدادت الشكوك حول إمكانية حصول تأجيل له.
فعدا الوضع الامني الضاغط والمتنقل بين الجولات العسكرية العنيفة في طرابلس وعودة مسلسل الاغتيالات مصحوباً بتهديدات متنوعة، فإنّ المناخ الاقليمي لا يبدو ملائماً لتوفير الغطاء المطلوب لإنجاز هذا الاستحقاق حتى الآن على أقلّ تقدير.
وربما هذا ما دفع برئيس الجمهورية، وبخطوة فاجأت الجميع، الى الاعتراف باحتمال حصول تأجيل “تقني”، ولو انه عَزا ذلك للاتفاق على قانون انتخابات جديد. ذلك انه على المسؤولين اللبنانيين عدم الإقرار بوجود احتمالات للتأجيل، حتى ولو كان ذلك يخالف قناعتهم وقراءتهم للوضع. وهذا ما ادى الى فتح ابواب الاجتهاد امام الديبلوماسيين الغربيين، وربط ذلك باستحقاق رئاسة الجمهورية في العام 2014.
ولذلك، ربما تقدّم وزير الداخلية (المحسوب على رئيس الجمهورية) خلال الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء على طرح اقتراح بإصدار مراسيم الانتخابات النيابية قبل ستة اشهر من موعدها، ما دفع بالوزير حسين الحاج حسن على الاعتراض لأنّ ذلك سيعني الإقرار بحصول الانتخابات على اساس قانون الـ 60.
ذلك انّ الاوساط الديبلوماسية الاوروبية، وخصوصاً الاميركية، لا تفوّت مناسبة الّا وتؤكد على ضرورة حصول هذا الاستحقاق في موعده، على رغم إقرار البعض منهم بأنّ المسألة غير مضمونة، بسبب الاوضاع الاقليمية.
ففي الشرق الاوسط تستمر المواجهة القاسية ما بين ايران والسعودية بشكل خاص، إن كان في العراق حيث تظهر السيارات المفخخة بين حين وآخر كردّ على بعض قرارات الحكومة وسياستها، او على المساحة السورية الملتهبة، او حتى على الساحة اللبنانية التي تكتم تعبئة مذهبية هائلة تعبّر عنها ازمة سياسية ضاغطة ومواجهات عسكرية ما تزال محصورة وتخضع لضوابط محددة.
وهذه المواجهة الاقليمية القاسية لم تنحصر في هذه الساحات الثلاث فقط، بل انها وصلت الى غزة، إضافة الى الرسائل المشفّرة التي تظهر في دول الخليج، لا سيما في البحرين والسعودية واليمن، حيث تعزّز ايران نفوذها بشكل كبير.
والذي يحول امام تمرير الاستحقاق النيابي اللبناني ليس فقط مسألة المبارزة وتسجيل النقاط الاقليمية، لا بل تطورات معقدة تزيد من حساسية الوضع اللبناني.
فالخسارة السعودية في العراق بعد وصول المالكي الى رئاسة الحكومة، شكّلت ضربة قوية للنفوذ السعودي وورقة ثمينة للتوسّع الايراني.
وأتى بعدها تعثّر الرهان على إسقاط النظام السوري، وبالتالي قطع الطريق ما بين طهران وجنوب لبنان، ما جعل من المُلِحّ بالنسبة للسعودية العمل على انتصار كامل في لبنان يسمح لها بالقيام بهجوم معاكس باتجاه سوريا وبعدها العراق. وهو ما يعني العمل بأقصى الإمكانات للفوز بالأغلبية النيابية تمهيداً لاستلام كامل السلطة، والعمل على شَلّ قدرة “حزب الله” قبل التوجّه ناحية سوريا.
وفي المقابل فإنّ ايران التي وضعت كامل ثقلها الى جانب النظام السوري حفاظاً على مصالحها وعلى تأمين خطّها البري المفتوح مع “حزب الله” في لبنان، لن تقبل بطبيعة الحال خسارة السلطة اللبنانية بالكامل، ما يفتح الباب أمام حَشر “حزب الله” في الزاوية وتعريته لبنانياً. وهذا يعني انها ستدخل بثقلها لحماية نفوذها، والعمل على إزاحة خصمها من آخر المواقع من ضمن الهلال الشيعي، كما يحلو للملك الأردني تسميته.
لذلك، لا يمكن قراءة الانتخابات النيابية المنتظرة الّا من خلال هذه الزاوية، ما يفتح الباب امام احتمالات التعطيل لأنّ المعركة بهذا المعنى ستعني معركة وجود كَلّفت سوريا حتى الآن عشرات الآلاف من القتلى ودماراً هائلاً.
وهو ما يدلّ على انّ الذهاب الى الاستحقاق النيابي بهذه الاندفاعة الاقليمية القاتلة سيعني إمّا المواجهة او في افضل الحلول تأجيل الاستحقاق. وحدها التسوية الاقليمية قد تفتح الباب امام سلوك هذا الاستحقاق طريق الأمان، تماماً كما أدّى التحالف الرباعي تحت الرعاية الخارجية الى تمرير استحقاق العام 2005 والتفاهم السوري السعودي الى تأمين انتخابات العام 2009 وعلى أساس التفاهم على تقاسم السلطة سلفاً أيّاً يَكن الرابح او الخاسر في نتائج الانتخابات النيابية.
لذلك، لم يتردد “حزب الله” عام 2009 في ان يكون اوّل من اعلن خسارة حلفه للانتخابات. لكن طالما انّ هذه التسوية لم تظهر بوادرها بعد، فإنّ احتمالات التأجيل او حتى الانفجار الداخلي موجودة بقوة.
لذلك، ربما لا يتردد وليد جنبلاط من التمتمة امام زوّاره باقتضاب ممزوج بوجوم واضح بأنه يرى غيوماً سوداء في افق السماء اللبنانية، وهو لا يتورع عن إبداء انتقاده اللاذع للرئيس سعد الحريري كلما ظهر ما يدلّ على تورطه في النزاع السوري وعلى ذهابه بعيداً في الازمة السياسية الداخلية، فيُعقّب قائلاً كما ينقل عنه زوّاره: هل هذا هو مشروع رفيق الحريري العابِر للقارّات؟
ولأنّ الصورة ما تزال ضبابية على بعد ستة اشهر من الانتخابات، فإنّ كل الاطراف تتحضّر لكلّ الاحتمالات. فهي تحضّر تحالفاتها وخططها واستراتيجياتها الانتخابية وفق قانون الـ60، وفي الوقت نفسه تتحَسّب لسيناريوهات التأجيل.
“حزب الله” قطع شوطا بعيدا في تحضيراته، وكذلك تيار المستقبل الغارق في متابعة مستجدات استطلاعات الرأي وتضييق فجوات الخلاف حول أسماء المرشحين مع حلفائه.
لكنّ ذلك لا يُلغي تشكيكهم حول كيفية حصول هذا الاستحقاق، فيما معارك طرابلس على سبيل المثال تشهد تطوّراً متصاعداً بين جولة واخرى، وربما هذا ما يؤثّر في بدء ظهور “الاعتمادات” المالية.
كذلك، فإنّ السفارات الغربية تشارك عن كثب في مراقبة الظروف المحيطة بهذه الانتخابات، لا بل انها تستنجد بنتائج استطلاعات الرأي لتحدد ضمناً الموقف الذي ستَرسو عليه بدورها. وليس سرّاً انّ هذه السفارات تبدو داعمة لمبدأ عدم تغيير قانون الانتخابات لناحية الإبقاء على تقسيمات العام 1960.