صحف أمريكا وأوربا تطرح سؤال لأميركا: ماذا بعد الاعتراف بـ«الائتلاف» المعارض؟
في الدورة الرابعة لمؤتمر «أصدقاء الشعب السوري»، التي انعقدت هذه المرة في مراكش المغربية، اعترف أكثر من 100 دولة بشرعية الائتلاف السوري المعارض.. وعلى رأسها أميركا. هذه الخطوة أتت بعد جهود دولية بُذلت لترتيب ما يُفترض أن يكون الخطوة اللاحقة للاعتراف، والأهم للاتفاق على مقابل أو مردود لسبغ الشرعية على الكيان الوليد. ويتضمن ما سبق الاتفاق على عدم مطالبة المعارضة بالتدخل الأجنبي، وتشكيل ما يشبه الأرضية للاتفاق على مدّ الأخيرة بالمال والسلاح.
وعلى الرغم من المحاولات الدولية لتقديم مؤتمر مراكش كمنطلق لانفراجات قادمة، إلا أن الأسئلة التي أعقبته لم تكن سوى أكثر غموضاً وقلقاً من تلك التي سبقت قيامه. كثيرون قالوا إنه من دون جدوى، وأكثر منهم حاول فهم ما سيتبعه، طارحاً أسئلة تمحورت بشكل أساسي حول الدور الأميركي، وماذا بعد الاعتراف بالائتلاف ممثلاً شرعياً للمعارضة؟
وقد أعقب هذا السؤال التعليق بشأن إدراج أميركا لـ«جبهة النصرة» على لائحة الإرهاب، وردود الفعل الرافضة، حتى من أوساط حلفاء المعارضة، لخطوة مماثلة. وكان ذلك أولى بوادر الخلاف الحاد بين واشنطن والكيان الجديد، إذ دعا رئيسه معاذ الخطيب واشنطن إلى إعادة النظر في قرارها، واستغرب كثيرون من الداخل، بينهم رئيس «المجلس الوطني» جورج صبرا، معاقبة فصيل يُعدّ «جزءاً من الثورة».
وقبل الدخول في محاولة التكهن بما إذا كان لدى أميركا استراتيجية واضحة للمرحلة المقبلة، لا بدّ من الإشارة إلى أن مبادرة مراكش كانت ذات مدلول سياسي أكثر منه قانوني، وهي وأدت كل إمكانية للجوء إلى الحلّ السياسي حيث أظهرت اقتناع المجتمع الدولي بقدرة المعارضة المسلّحة على الحسم العسكري على الأرض
.
وفي هذا السياق، تنقل مجلة «التايم» عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله «لقد أبلغنا المعارضين في مراكش بأنه لا بدّ من التوحد على الأرض، لا مزيد من الاجتماعات في فنادق ذات نجوم خمس».
ولكن على الرغم مما تحقّق، بقي طلب المعارضة التزود بالسلاح رهن التحفظ الغربي، فالدول الأوروبية وعدت بأن تدرس في المستقبل القريب قضية رفع الحظر عن تسليح المقاتلين. أما الأميركيون فيظهر أنهم ليسوا على عجلة من أمرهم لدعم المقاتلين، بحجة الخوف من وقوعها في يد الإرهابيين.
ورداً على السؤال الأساس: ماذا ستفعل أميركا؟ يؤكد الكاتب لي سميث في معهد «هادسون» أن لا استراتيجية مستقبلية واضحة بالنسبة لأميركا. فبعد كل ما مرّت به الأزمة السورية من أشكال تدخل ومبادرات وطروحات، اصطدمت واشنطن بواقع عدم الانسجام الحاصل في إستراتيجيتها إزاء سوريا. رفضت تسليح المعارضة، فتركت مجالا للاعبين آخرين كي يعززوا مواقعهم. عزلت «النصرة» فاتهمها كثيرون بالتهور، حتى وصل الأمر ببعض المعارضين حدّ القول «كلنا جبهة النصرة».
وفي الواقع ليس السلاح و«النصرة» ما يزعجا واشنطن فحسب. هي ادعت منذ وقت مضى أن سقوط الأسد مسألة أيام معدودة، لكن هذه النبوءة لم تتحقق، وقد بدأت فصائل عدة من المعارضة بتحميلها المسؤولية عن هذه الحال.
وليس سراً أن أميركا لا ترغب بمزيد من التورط في الشرق الأوسط، مع العلم أن الرأي العام الأميركي أظهر مراراً رفضه لتسليح أميركا للمعارضة السورية وهو ما يزيد الأمور تعقيداً.
وفي سياق متصل، سلّطت «لوفيغارو» الضوء على حجم الصعوبة التي تواجهها كل من باريس وواشنطن للاتفاق على الشأن السوري، إذ لا يملك الطرفان الإستراتيجية ذاتها في هذا الخصوص.
وتنقل عن مسؤول فرنسي قوله «الأميركيون لا يساعدوننا كثيراً، صحيح أننا سُررنا باعترافهم بالائتلاف كممثل شرعي ولكن ذلك استغرق وقتاً كانت فرنسا بذلت فيه جهوداً كبيرة».. ثم يعلّق «يقوم الأميركيون بالأمور في وقت متأخر». في وقت، تلفت «لوفيغارو» إلى أن استعداد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للرحيل يزيد الأمور إرباكاً، ولا يساعد في تحسن الأمور.
وفي الصحيفة ذاتها، كتب جورج مالبرونو يقول إن المعارضة السورية تحتاج من أميركا إلى أكثر من اعتراف: المال والسلاح.
من جهتها، تشير «الغارديان» البريطانية إلى أن واشنطن دعت قادة «الائتلاف» المعارض للاجتماع في واشنطن لمحاولة وضع أسس لإدارة متكافئة للمعركة المقبلة، وهذا أمر مرحّب به. لكن ذلك لم يمنع واشنطن من التعرض لسيل من الانتقادات لما يعتري استراتيجيتها من تردّد وارتباك غير محتملين، ولنظرتها إلى الأمور من الخارج فيما تتجاهل مطالب المعارضين الموجودين في الداخل.
وهذا النقد وصل إلى طهران التي اعتبرت أن أميركا تحاول فرض إرادتها على الشعب السوري والمقاوم، بحسب مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان
.
ولفت عبد اللهيان إلى أن بلاده تعتبر أن السبيل الوحيد لحلّ الأزمة السورية، كما البحرينية، هو وقف العنف وإجراء حوار وطني شامل وإقامة انتخابات في أجواء هادئة في البلدين.
ومهما يكن، يبقى اكتشاف ما تخفيه مرحلة ما بعد الاعتراف بـ«الائتلاف» وانعكاساتها على سير الصراع رهن الأيام المقبلة، في وقت تتجه الأمور ليصبح السلاح صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، مع إمعان أطراف الصراع في وأد أية إمكانية للحل السياسي
.