في العراق: عودة للصراع بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وبالعكس… أمام دستور فضفاض ومائع!
لم يتفاجأ المواطن العراقي من المهاترات والتنابز بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في العراق وحال قرب موعد الإنتخابات وفي جميع الفترات ، وسببها ذلك الدستور ” الحايط النصيص” والذي يعبره كل من هب ودب ،وأن أول من مرغ الدستور بالتراب وأسدى عليه الثغرات والعلل هو البرلمان العراقي أي السلطة التشريعية ..وعندما شاهدت السلطة التنفيذية بأن الدستور غي محترم من قبل السلطة التشريعية وغير مقدس فراحت هي الأخرى لتمارس أنتهاكة أيضا.. فالبرلمان العراقي ومن خلال رئيسه ( النجيفي) يريد ممارسة سلطات سياسية وقمعية للحكومة بدافع سياسي وبالتالي هو غي أمين على حراسة الدستور والقيمة الدستورية للسلطة التشريعة، وهذا سبب المشكلة بأن يتحول من هو في سلطة البرلمان ليمارس السلطة التنفيذية لا بل خصما لها ومتربصا لها لأحقاد سياسية وترتيبات سياسية للإيقاع بالحكومة بسبب التنافس السياسي والطائفي…. لذا فالنجيفي وبعض النواب يستعملون الدستور حماية لهم متى ما شعروا بالخطر للتمسك به علما أنهم أول المنتهكين للدستور لا بل أول من شجع الأخرين لإنتهاك الدستور
فليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة حال التصاعد في النزاع الدائر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فمحاولات الشد والجذب بين الحكومة الساعية الى حصر مسألة اقتراح القوانين المُهمة بعيدا عن أروقة البرلمان الرافض لمثل هذه التوجهات، تُعد أبرز صوره الدرامية. مقابل برلمان ضعيف ومشتت وأسير الى أمزجة الكتل السياسية
إذ ان دوامة الصراع الشرس القائم منذ سنوات بين الطرفين (الحكومة والبرلمان) والمتفاقمة حدته هذه الأيام بهدف التحكم أكثر والتفرد بزمام الأمور في البلاد، شكّلت أرقا دائما لـ«شركاء الامر الواقع» كما زعزعت الثقة بين البعض منهم طيلة سنوات.
رئاسة الحكومة تعزو مساعيها بهذا الاطار الى الرغبة في «تنسيق العمل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية» بما يصب في خدمة الصالح العام، لذا تحاول جاهدة لأن يقتصر دور مجلس النواب على تمرير تلك القوانين والمصادقة عليها فقط، في ظل دعم لا متناهي تلقته من قبل رئيس الجمهورية جلال طالباني وبدرجة موازية من السلطة القضائية أيضا، وهو ما أعتبره رئيس البرلمان أسامة النجيفي «اعلاء لكعب الحكومة» على حساب السلطة التشريعية التي حددها الدستور كأعلى سلطة في البلاد، مُعبرا عن رفضه لأن «تتحول سلطة الشعب الممثلة في مجلس النواب الى جماعة من المصوّتين».
النجيفي، وهو أحد الأقطاب الرئيسيين في ائتلاف «العراقية» النيابي المعارض لتوجهات رئيس الوزراء نوري المالكي، أعتبر مسألة حصر مهمة البرلمان بالتصويت على ما تقدمه السلطة التنفيذية من مشروعات القوانين «يخالف صلاحياته الدستورية ويحوله الى تابع لها».
ووصف مساعي الحكومة وتوجهاتها الحثيثة في هذا الاطار بمثابة «الحجر» على الاختصاص الدستوري المعهود من قبل البرلمان، مؤكدا ان «المجلس النيابي في هذه الحالة سيتحول الى هيئة استشارية أو هيئة ابداء للرأي».
ودائما ما تحدث نزاعات سياسية وقانونية بين هاتين المؤسستين الرسميتين، بسبب اختلافات جوهرية وسطحية أيضا في تفسير بعض مشاريع القوانين والمواد الدستورية، أو نتيجة لتباين وجهات النظر بين هذا الفريق أو ذاك حيال ما مطروح على طاولة التشريع، وهو ما يخشى منه في بلد يحبو نحو الديموقراطية ويعيش أوضاع سياسية متقلّبة
.
ولم يمنع التقارب الذي يحدث على فترات متفاوتة بين رئاستي هاتين المؤسستين الرسميتين، رئيس المشرعين العراقيين، من الاعتراض على توجهات الحكومة وتدخلها في العمل التشريعي، قائلا ان ذلك «يمثل جدار سلطة البرلمان الدستورية… كما أن التصويت وحده لا يمثل سلطة تشريعية حقيقية».
وقبل أيام، أصدرت الحكومة توجيهات الى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب صفاء الدين الصافي، تقضي بسحب مشروع قانون الأحزاب من أدراج البرلمان لمناقشته داخل مجلس الوزراء على أن يتم رفع المشروع بصيغته النهائية الى مجلس النواب لاحقا.
كما طُلب من الصافي مفاتحة البرلمان لاشعاره بالتريث في اجراءات تشريع قانون التعديل الأول لقانون تنظيم أعمال الوكالة التجارية رقم 51 سنة 2000، واحالة مشروع القانون المذكور آنفاً الى مجلس شورى الدولة لتدقيقه ومن ثم عرضه مجدداً على مجلس الوزراء قبل تمريره برلمانيا.
مثل هذه الاجراءات الحكومية أعلاه وتلك التي تقع على شاكلتها، أثارت حنق رئاسة المجلس التشريعي والفصيل النيابي المعارض لتوجهات المالكي، حيث أعتبرها النجيفي «آمرا يشكل خرقا لجوهر الدستور، وانتهاكا لفلسفته التي قامت على الشراكة الحقيقية بين السلطتين».
وما زاد الطين بلّة في هذه القضية الشائكة، وقوف رئاسة الجمهورية الركن الثالث في أضلاع الدولة العراقية الى جانب الحكومة في توجهاتها هذه، وهو ما شكل صدمة لدى رئيس المجلس التشريعي الذي أبدى استغرابه حيال الموقف «غير المفهوم» الذي تبنته مؤسسة الرئاسة.
ورغم هذا الاستغراب، الا أن النجيفي أقر بالصلاحيات التي منحها الدستور للسلطة التنفيذية في اقتراح مشاريع القوانين والمضي في تشريعها شريطة «التشاور المباشر» بين البرلمان والحكومة أو وزيرها المكلف شؤون مجلس النواب.
النجيفي لم يكتف بالاعتراض على وقوف رئاسة الجمهورية الى جانب الحكومة في هذه القضية، بل أعتبر هذا التوحد في المواقف بين رئاستي الجمهورية والوزراء بمثابة «محاولات للي عنق الدستور لمصلحة مواقف سياسية أو كتلوية»، داعيا شركائه السياسيين الى «اعتماد السلاسة والجدية في تطوير الأداء التشريعي والتنفيذي والحذر من محاولات تكبيلهما بأطر وقيود بيروقراطية قد ينال الشعب بسبب تفشيهما آذى كبير لا طاقة له على احتماله».
لكن أنصار التوجه الحكومي هذا، يعزون «أحقية» السلطة التنفيذية في اقتراح القوانين وتشريعها، نتيجة تحول البرلمان لـ«مقبرة تُطمر فيها القوانين المهمة التي لها مساس واضح بحياة المواطن»، كما يقول النائب عبد السلام المالكي وهو من المقربين من رئيس الحكومة.
النائب المالكي أكد ان «مجلس النواب بات لا يتحرك من دون وجود آلية التوافق بين كتله على تمرير القوانين المصيرية»، مضيفا ان «عدم تمرير القوانين المهمة في مجلس النواب تأتي نتيجة عدم التوافق عليها سياسيا من قبل الكتل واللجان المختصة».
وكشف ان «البرلمان مليء بالقوانين المهمة التي أتت من الحكومة لكنها معطلة بسبب الخلافات السياسية»، مطالبا «الكتل السياسية واللجان بايجاد منفذا يجعل الجميع يتدافع من اجل اقرار كل القوانين كون المجلس لا يؤدي الدور المتعارف عليه».
ومما تقدم، يتضح أن المعركة التي يقودها رئيس الحكومة ضد خصومه من أجل بسط السطوة على مؤسسات ومفاصل الدولة العراقية بما فيها الهيئات المستقلة، ستجعله أكثر قوة مما هو عليه الآن، وبالتالي سيكون معارضوه محصورون في خانة ضيقة ستدفعهم لطلب التدخل الدولي، والأميركي تحديدا، عند نشوب أي أزمة مستقبلية
.
والمالكي وعندما أقتنع بذلك لأن سياسة الكتل السياسية داخل مجلس النواب لا تعمل بمقتضى البرلمان والدستور، بل تعمل بمقتضى الأهواء والمصالح ،ومن هنا تعب المالكي من الحرب المستمرة ضده من داخل البرلمان وبأدوات برلمانية لصالح كتل سياسية، والخاسر هو المواطن وسمعة المالكي فرفض ذلك ولم يجد أمامه الى الصمود ومحاولة الإفلات من الكتل السياسية التي تريد تحطيمه بسلاح البرلمان المهيمن عليه من قبل تلك الكتل السياسية< div>