الدلالات الأوّلية لفوز أوباما الكبير على رومني ونتائجه
حقّق الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما فوزاً كبيراً على منافسه الجمهوري ميت رومني، علماً أنّ الإستفتاءات الأخيرة كانت تتحدّث عن تقدّم طفيف وبالنقاط لأوباما على رومني. فما هي الدلالات الأوّلية لهذا الفوز؟
أولاً: في الشأن الداخلي، من الواضح أنّ الشعب الأميركي يميل أكثر فأكثر إلى التحرّر من كل القيود الدينية والإجتماعية، إلى درجة قاربت مرحلة التفلّت التام منها، حتى لا نقول الإنفلات! والدليل أنّ الأميركيّين صوّتوا لأوباما الذي هو مع حق الإجهاض، ومع حق المثليّين بالزواج، على سبيل المثال لا الحصر، وليس مع رومني التقليدي بأفكاره بالنسبة إلى هذه المواضيع، وإزاء مختلف القيم العائلية والإجتماعية والروحية.
ثانياً: في الشأن العالمي، بدا واضحاً أنّ الأميركيّين، وكذلك أفراد القوّات العسكرية الأميركية الذين يُعتبرون من الكتل الناخبة الأساسية في الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال تفضيلهم أوباما على رومني، أكّدوا معارضتهم لأي ضربة عسكرية قريبة على إيران، ولأي تدخّل عسكري في سوريا، على غرار التدخّل الجوّي في ليبيا، وكذلك دعمهم لجولة جديدة من المفاوضات بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين. فهذه كلها أفكار وتصريحات أوباما، بعكس رومني الذي هو أقلّ تسامحاً مع إيران، ومع مدّ المعارضة السورية بالسلاح، وأكثر تشدّداً إزاء الملف الفلسطيني حيث أنه كان قد أثار حفيظة العرب والعالم بإعلانه أنّ القدس هي عاصمة إسرائيل، مسقطاً الحقوق الفلسطينية والعربيّة فيها! وهذا يدلّ على أنّ أغلبيّة الأميركيّين، سئموا من الحروب المتتالية التي أدخلتهم فيها إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش. وهم يدعمون مواقف أوباما الذي سحب القوات الأميركية من العراق، وحدّد العام 2014 لسحب القوات الأميركية من أفغانستان.
ثالثاً: صبّت أغلبيّة أصوات الجالية اليهوديّة، والتي تُعتبر أساسية في مطلق أي إنتخابات أميركية في صالح أوباما، حيث فشل رومني في تحوير تصويتهم شبه التقليدي مع الديمقراطيّين، نتيجة سلسلة هفوات إرتكبها خلال حملاته الإنتخابية، لا سيّما منها تدخّله في أمور لا تعنيه مثل الخلافات الداخلية بين الزعماء والقادة اليهود! ويجب الإشارة إلى أنّ الرئيس أوباما وقّع في الماضي القريب، وبحضور رئيس مؤتمر المنظّمات اليهوديّة الأميركية ريتشارد ستون، إتفاقاً لتعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لضمان تفوّقها العسكري، وعمل على أن يقرّه الكونغرس الأميركي بسرعة قياسية
رابعاً: قدّر الأميركيّون بأغلبيّتهم نجاح القوات الخاصة الأميركية في عهد أوباما، في تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقيام الطائرات الأميركية من دون طيّار بتصفية العديد من أفراد “التنظيمات الإرهابية”، خاصة في اليمن، وذلك من دون تعريض حياة الأميركيّين للخطر.
خامساً: قدّر الأميركيون نجاح الرئيس أوباما في التعامل السريع والفعّال مع النتائج الكارثية لإعصار ساندي، وإعطائه الأوامر الفعّالة في إخلاء المناطق المعرّضة للخطر، وفي مساعدة النازحين، وفي بت التعويضات والشروع في إعادة الإعمار.
وبالنسبة إلى النتائج، يبدو أنّ السياسة الأميركية الخارجية العامة لن تشهد أي تغيير مهم في المدى المنظور، إزاء مختلف الملفّات الأساسية، من إيران إلى سوريا، وغيرها. لكن بعد التخلّص من عبء الإنتخابات ومن محاذيرها، ستكون الإدارة الأميركية أقل تردّداً، وأكثر قدرة على الحزم، عندما تدعو الحاجة. ومن المرتقب أن يرفع أوباما، الجهود الرامية إلى تشكيل تحالف دولي للضغط على إيران لحملها على وقف تطوير برنامجها النووي، وسيرفع الجهود الهادفة إلى فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري. ومن المتوقع أن يُطلق أوباما في خلال ولايته الثانية محاولة جديدة لمعاودة المفاوضات الفلسطينيّة-الإسرائيلية.
كما أنه من المنتظر أن يواصل تخفيف عزلة أميركا في العالم، من خلال المضيّ قدماً بسياسته البراغماتية، لجهة التعاون مع القوى الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في بلدان عربيّة عدّة، لا سيما في كل من مصر وتونس وليبيا. لكن كل هذه التدابير لن تُحدث تغييراً جوهرياً في الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في المنطقة، التي قام الناخبون الأميركيّون بالتمديد لها لمدّة أربع سنوات!