ثلاث محطات خطرة قد تفضي إلى ركود الاقتصاد الأميركي
ما لم يتحقق تقدم جاد وحقيقي بحلول أغسطس من عام 2013، فإن الأسواق ستتوصل إلى استنتاج صحيح يقول إن الأجواء السياسية المسمومة في الولايات المتحدة تحول دون علاج المشكلات الخطيرة التي تهدد مسيرة الاقتصاد الأميركي.
يدرك صناع السياسة والشركات والأسواق والعائلات على حد سواء وأكثر من أي وقت مضى، مدى الأخطار التي تطرحها الشؤون المالية في الحكومة الفدرالية.
وفي حقيقة الأمر توجد ثلاث مؤشرات بارزة تشكل نقاط خطر بارزة وتتطلب إيجاد حلول مختلفة، لكن لسوء الحظ فإن أغلبية النقاشات والتعليقات تضع هذه المؤشرات في نطاق إشكالي السمة. ويتمثل الخطر الأول بما يعرف بـ”الهاوية المالية”، وهي تتكون من مزيج من 440 مليار دولار في شكل زيادات تلقائية للضرائب (انقضاء أمد الإعفاء الضريبي على العطلات بحلول بداية 2013، وانتهاء مزايا ضريبية في قوانين 2001 و2003، وضريبة الحد الأدنى البديلة، وامتيازات الضرائب الجديدة التي شملتها عملية إصلاح الرعاية الصحية)، إضافة إلى 200 مليار دولار على شكل تخفيضات في النفقات (مثل تلك الناجمة عن قانون مراقبة الميزانية في سنة 2011، إضافة إلى التخفيضات الضريبية للأطباء الذين يعالجون مرضى الرعاية الطبية، وانتهاء استفادة البعض من معونات البطالة).
ولاشك أن بلوغ “الهاوية المالية” سيشكل صدمة بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي تعادل انخفاضاً نسبته 4 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيؤدي إلى ركود حتمي.
وتتطلب معالجة هذا الخطر قيادة بارعة للاقتصاد بحيث يمكن تفادي صدمة مالية في ربيع سنة 2013 قد تفضي الى ركود اقتصادي. ولتفادي حدوث كارثة، تبدو هناك حاجة ماسة في الوقت الراهن لتمديد امتيازات وتسهيلات ضريبية لمدة عام آخر، وفي مقدمها تمديد الإعفاء الضريبي للرواتب عن فترة العطلات التي يحصل عليها المستفيد، وإعانات البطالة، ودفعات برامج الرعاية الصحية، والتسهيلات الضريبية المتعلقة بخفض الإنفاق، ولاشك أن ذلك الإجراء سيأتي لمصلحة الكونغرس الذي يبرع في تأجيل التصدي للقضايا الحيوية والشائكة وإبعادها عن الطريق!
الاستثناء الوحيد هو أن يتم استبدال التخفيضات الشاملة الخطرة بخفض طويل الأجل في المخصصات الإلزامية، وهو جزء يطلق عليه في الميزانية بـ”اللجنة العليا” التي كان يفترض أن يقوم بدور الرقابة في المقام الأول.
مصير اليونان
والخطر الثاني، يتمثل بالحاجة إلى رفع حدود الدين في الميزانية الفدرالية، وهو إجراء محتمل أن يتم في فبراير أو مارس، ويشكل السقف عارضاً آخر لمشكلة حقيقية تتمثل بالإنفاق، وبالتالي فإن أي زيادة ستحتاج إلى أن يواكبها في الوقت نفسه خفض مقابل في العجز المالي. وتمثل أحداث صيف سنة 2011 شهادة جلية واضحة على الدور السلبي الضار للسياسة في هذا الخليط. ويكمن الحل الصحيح في تحريك صغير في سقف الدين لأعلى يقابله خفض في العجز وذلك بغية كسب الوقت وشرائه حتى شهر أغسطس من سنة 2013.
أما الخطر الأخير، فيتمثل بأن المستقبل يبدو أكثر قتامة في ظل استدامة الخلل في وضع الموازنة الفدرالية خصوصاً بعد أربع سنوات متتالية من عجز بلغ تريليونات الدولارات وتراكم 6 تريليونات دولار أخرى في صورة ديون جديدة. ومع الإبقاء على تلك الأوضاع دون علاج أو تغيير، فإن أعباء الديون المتفجرة ستعمل على إبطاء عجلة الاقتصاد وزيادة احتمالات التعرض لأزمة مالية على غرار ما لحق باليونان. ويعتبر هذا أكبر تهديد يواجه الاقتصاد والأمن القومي.
شبح «الكساد العظيم»
ليس من السهولة بمكان تجاهل هذه الأوضاع ببساطة، وما لم يتحقق تقدم جاد وحقيقي بحلول أغسطس من عام 2013، فإن الأسواق ستتوصل إلى استنتاج صحيح يقول إن الأجواء السياسية المسمومة في الولايات المتحدة تحول دون علاج المشكلات الخطيرة التي تهدد مسيرة الاقتصاد الأميركي حتى في موسم الوفاق وشهر العسل بين الكونغرس والإدارة الجديدة. كما أن وكالات التصنيف الائتمانية الدولية ستخفض تقييم الولايات المتحدة بصورة كاملة، وسيتسبب ذلك في إلحاق الضرر برؤوس الأموال المتداولة في شتى أرجاء النظام المالي، ويصاب الائتمان بالجمود، ويعقب ذلك حدوث دورة أخرى من “الكساد العظيم”.
من الحماقة الجمع بين المخاطر الثلاثة السالف ذكرها، فعلى سبيل المثال فإن محاولة إيجاد علاج تقدمي طويل الأجل للنظام الضريبي- من خلال رفع المعدلات الضريبية- لهي أمر شديد الصعوبة في ظل نظام يعاني الأمرين، إذ يتعين أن يواكب ذلك إصلاحات جذرية في نظم الاستحقاقات الضريبية، وستكون النتيجة التعرض لورطة بينما تتجه البلاد نحو “هاوية مالية” سحيقة.
كما أن الربط بين “الهاوية المالية” و”رفع سقف الدين” سيمثل حماقة مماثلة. كما أن الربط بين “رفع الضرائب” و”خفض الإنفاق”، وهي عملية تشكل جزءاً من النقاش الدائر في الأوساط الحكومية والاقتصادية عبر زيادة سقف الدين، تتعارض مع الحاجة الماسة إلى تفادي حدوث هزة مالية.
أجندة الحل
يمكن القول إن الاستراتيجية الصحيحة تتمثل بالتأكد من أن القضايا السياسية المهمة لن تعترض سبيل تلك الجهود الرامية لمواجهة الأوضاع المالية والاقتصادية الحرجة. وهذا يعني تفادي الانزلاق في “الهاوية المالية”، وبلوغ عام 2013 من دون تعرض لضرر، مع العمل على المضي قدماً نحو رفع سقف الدين بمستويات معتدلة مع إجراء خفض للعجز المالي بمعدلات مماثلة، وإعطاء الكونغرس والإدارة الجديدة أجندة واضحة يتعين عليهما التركيز من خلالها على المشكلة الحقيقية المتمثلة بتفاقم أزمة الديون التي يعززها زيادات غير منضبطة في الإنفاق. وستساهم إصلاحات النظام الضريبي والاستحقاقات المتعلقة به في إبعاد شبح الانزلاق في “الهاوية المالية” مستقبلاً، وتساعد في تخفيف الجدل بشأن سقف الدين في الموازنة الفدرالية… لاشك أنها الأولوية القصوى، وكلما عولجت في أسرع وقت ممكن كان ذلك أفضل بكل تأكيد.
* رئيس “منتدى الحدث الأميركي”، والمدير السابق لمكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي في عهد جورج دبليو بوش