الغرب بين الإقرار بفشل حربه في أفغانستان والسعي لتجنب انسحاب مذل
الحدث الأبرز الذي شهدته تطورات إخفاق استراتيجية الحرب الأميركية الغربية في أفغانستان مؤخراً، تمثل في الدعوة الرسمية التي وجهت من قبل الحكومة الأفغانية إلى حركة طالبان والحزب الإسلامي، للمشاركة ترشيحاً وتصويتاً، في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الخامس من نيسان سنة 2014، قبيل بضعة أشهر من الموعد الذي حدد لاستكمال انسحاب القوات الأطلسية المحتلة من أفغانستان.
هذه الدعوة تشكل اعترافاً رسمياً بحركة طالبان، برئاسة الملا عمر، والحزب الإسلامي برئاسة قلب الدين حكمتيار، وسقوطاً مدوياً لاستراتيجية الحرب الأميركية الغربية وأهدافها، التي سعت إلى تحقيقها على مدى 11 سنة من الحرب الفاشلة، بكل المعايير والمقاييس العسكرية والسياسية.
فبعد أن كان هدف الحرب الأميركية الغربية، هو القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة، الذي يحظى بدعمها واحتضانها، والعمل على إقامة نظام موالٍ لواشنطن ينفذ استراتيجيتها، ويجعل من أفغانستان قاعدة أميركية غربية لتعزيز وبسط نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في آسيا الوسطى، أصبح اليوم مطلب العواصم الغربية، ووكيلها الأفغاني كرزاي، اللهاث وراء الحوار مع طالبان، وثم دعوتها للمشاركة في الانتخابات، بما يعكس اعترافاً صريحاً بها، والتخلي عن توصيف المقاومة الافغانية بالإرهاب، واستطراداً إقراراً غربياً بعدم القدرة على تكريس نظام حميد كرزاي، والحاجة إلى منحه شرعية مفقودة، من خلال انتخابات تشارك فيها أطراف المقاومة، وتقود إلى المحافظة على بعض النفوذ الغربي في النظام الأفغاني، يوفر انسحاباً هادئاً وآمناً للقوات الأطلسية، يبعد عنها تكرار مشاهد رحيلها المذل عن فيتنام الجنوبية تحت ضربات المقاومة الفيتنامية.
ويبدو من الواضح أن الدول الغربية قد أدركت أنه بمجرد انسحاب جيوشها من أفغانستان سيسقط النظام الموالي لها، وتعود طالبان وحلفاؤها إلى السيطرة على السلطة، لأن نظام كرازي سيعجز عن مقاومتها “اقتصادياً وعسكرياً”، وسينهار في العاصمة كابل، عند مغادرة قوات حلف الأطلسي، التي توفر له الحماية والقدرة على الاستمرار.
وفي أحسن الأحوال، فإن ما سيحصل، هو “الفوضى والعنف”، على أن الانهيار الذي حصل في التسعينيات سيكون أسوأ هذه المرة، بعد أن أثبتت طالبان المهارات في التكتيك، وتخلصت من مسؤولين كبار من أنصار الناتو، وشنت هجمات على أهداف مهمة “أذلت أعداءها”، وكان أبرزها الهجوم الذي نفذته طالبان في الآونة الأخيرة، واستهدف أحد أكبر قواعد حلف الأطلسي في أفغانستان، وأدى إلى تدمير ست طائرات أميركية مقاتلة، في أكبر خسارة مادية يتكبدها سلاح الجو الأميركي، في هجوم واحد، منذ حرب فيتنام.
إن مثل هذه النتيجة التي تيقنت منها دوائر القرار في العواصم الغربية، جاءت بعد جملة من الإخفاقات أبرزها:
1 ـ سقوط استراتيجية ضرب الملاذات الآمنة لطالبان.
2 ـ الغخفاق في بناء دولة أفغانية يعتمد عليها حلف الأطلسي.
3 ـ العجز عن عزل طالبان، التي شهدت شعبيتها ارتفاعاً كبيراً، على إثر المذابح التي ارتكبتها القوات المحتلة، والطائرات الأميركية من دون طيار بحق الأفغان وأدت إلى سقوط الآلاف، وإبادة قرى بأكملها.
4 ـ فشل خطة إحداث شرخ داخل طالبان، بين معتدلين ومتشددين.
5 ـ تحول استمرار الحرب إلى خطر يزعزع استقرار باكستان الحليفة المهمة لأميركا في منطقة آسيا الوسطى.
6 ـ أصبح البقاء في أفغانستان يزيد من إضعاف قوة أميركا، اقتصادياً وسياسياً، بسبب الحاجة إلى الإنفاق الكبير على الحرب الأطول في تاريخ الحروب الأميركية، والأكثر كلفة وإرهاقاً للاقتصاد الأميركي.
لكن محاولة واشنطن وحلفائها تفادي الهزيمة، عبر انتخابات تشارك فيها أطراف المقاومة الأفغانية، يظهر أنه لا خطوط لها، لأن مصيرها مرتبط بموافقة طالبان التي اعلنت رفض الدعوة للمشاركة فيها، لأن الأولوية، بالنسبة لها، هي “للمقاومة وتحرير أفغانستان”، وليس التوجه “لمراكز اقتراع وهمية”، والمشاركة في انتخابات ستكون بمنزلة تعاطف مع “الغزاة الأميركيين ودعمهم وإعطاء شرعية لاجتياحهم أفغانستان، وتكريس واقع سياسي يقبل ويقر باستمرار الاحتلال الأجنبي
“.