توحيد المعارضة السورية: ولادة برأسين! , وهيمنة إخوانية بتخطيط قطري!
انتصر «الإخوان المسلمون» بدعم قطري وتخطيط قطري ورضا أميركي في انتخابات المجلس الوطني السوري في الدوحة. وبعد حصولهم على 23 عضواً من أصل 41 عضواً في الأمانة العامة للمجلس، عاد «الإخوان» إلى الإستراتيجية التي اعتمدوها حتى الآن بالتستر خلف وجوه علمانية ويسارية لا تزن في موقع القرار، لعدم إثارة الذعر في أوساط «أصدقاء سوريا» ولا سيما الدول الأوروبية التي تتردد في دعم الإخوان المسلمين، رغم الضغط القطري بسبب إخفاقهم في تشكيل الحاجز المطلوب أمام تمدد السلفيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
ووضع «الإخوان» في واجهة رئاسة المجلس وجهاً علمانياً ويسارياً سابقاً هو جورج صبرا. ويصل صبرا إلى منصب رئاسة المجلس رهينة سياسة الإخوان المسلمين وبرنامجهم. واقترع لصبرا 28 عضواً في الأمانة العامة، برغم أن الرئيس المنتخب لستة أشهر مقبلة كان قد اخفق في مجرد الوصول إلى الأمانة العامة، وأعيد انتخابه مع ذلك في المجلس التنفيذي بدعم من «الإخوان»، وهي المحاولة الثانية للأمين العام السابق لحزب الشعب الديموقراطي السوري للصعود إلى رئاسة المجلس الوطني، بعد أن قطع «الإخوان» الطريق عليه في محاولة جرت الربيع الماضي في روما لخلافة برهان غليون، بحجة انه مسيحي. وانتخب القيادي في «الاخوان» فاروق طيفور نائبا للرئيس.
ورداً على سؤال، بعيد انتخابه حول ما يطلبه من المجتمع الدولي، قال صبرا «لدينا مطلب واحد، إيقاف حمام الدم في سوريا ومساعدة الشعب السوري على طرد هذا النظام المجرم عن طريق تسليح الشعب السوري»، مضيفاً، «نريد سلاحاً نريد سلاحاً نريد سلاحاً».
وكان المجلس المجتمع في العاصمة القطرية الدوحة انتخب بالأمس أعضاء المكتب التنفيذي، وهم: هشام مروة، وسالم المسلط، وحسين السيد، وجمال الورد، وفاروق طيفور، وجورج صبرا، وعبد الباسط سيدا، ونذير الحكيم، وعبد الأحد اسطيفو، وخالد الصالح وأحمد رمضان.
وسيطر الإسلاميون على أكثر من نصف المقاعد في المكتب التنفيذي، الذي يقود عملياً شؤون المجلس الوطني، ويسيطر على مقدراته المالية والإعلامية ويحدد علاقاته الخارجية وسياسته العامة. وأخفق المجلس في إيصال ممثل عن العلويين إلى الأمانة العامة، بعد أن غاب العضو السابق في المكتب التنفيذي توفيق دنيا، كما لم يستطع منذر ماخوس، احد الأعضاء السابقين في «تيار البعث الديموقراطي» مجموعة صلاح جديد، الحصول على ما يكفي من الأصوات للدخول إلى الأمانة العامة.
وفي غمرة التنافس على عضوية الأمانة العامة للمجلس الوطني، تناست الكتل المعارضة السورية حسبان مقاعد للنساء، ورفضت الكتل من كل الاتجاهات وضع امرأة على رأس لائحة من لوائحها، ما يجعلها قادرة على الوصول بأصوات الناخبين إلى الأمانة العامة. وغاب تمثيل الأقليات عن الأمانة العامة باستثناء بسام اسحق وسعيد لحدو. ووصل سيدا إلى الأمانة العامة، فالمكتب التنفيذي من ضمن التكتيكات الإخوانية، لتمثيل الأكراد، برغم أنه لا يمثل أي كتلة كردية، فضلا عن مقاطعة الأكراد بمجلسهم الوطني الكردي (14 حزباً كردياً) أعمال المجلس الوطني.
وقال أحمد رمضان، وهو عضو المكتب التنفيذي الحالي للمجلس، في تصريح للصحافيين، إنه يحق إضافة 10 في المئة إلى الأعضاء، أي بواقع 4 أعضاء لـ«ضرورات وطنية»، متوقعاً أن يتم إضافة سيدتين إلى قوام الأمانة العامة الجديدة التي خلت من السيدات، إلى جانب عضوين من الأقليات لتمثيل العلويين والمسيحيين.
ولم تتخل قطر ولا الولايات المتحدة عن محاولتهما إنشاء هيئة «مبادرة وطنية» تضيف إلى المجلس إطاراً يضم 60 شخصية سورية معارضة. وتعرضت المبادرة التي تعرف باسم رياض سيف ـ فورد (السفير الأميركي الأخير في دمشق روبرت فورد) إلى هجوم واسع عليها من قبل الهيئة العامة للمجلس، ومن الأمانة العامة في أول جلسة بحثتها فيها ليل الأربعاء ـ الخميس الماضيين. وقال معارض سوري بارز لصحيفة السفير إنه تلقى اتصالا من مسؤول قطري يعمل على إنجاح «مبادرة سيف ـ فورد» يدعوه فيها إلى الدوحة، وقال فيها إن القطريين مصممون على عدم ترك السوريين يغادرون الدوحة من دون أن يوافقوا على «مبادرة سيف ـ فورد».
وعقدت جلسة صباحية أمس استمرت أربع ساعات لمناقشة المبادرة، وأعيد استجواب رياض سيف مجدداً حول الضمانات التي يحملها إلى المجلس الوطني بأن الهيئة التي يقترحها ستكون أكثر فاعلية من المجلس ذاته. وجاءت الاعتراضات على المبادرة الأميركية من أعضاء الأمانة العامة، ولا سيما الإسلاميين، وعبروا فيها عن تحفظاتهم من ان يكون تشكيل «الحكومة الانتقالية المؤقتة»، كما يقترحها فورد وسيف، وفداً يجري تشكيله للتفاوض مع النظام، أو حصر تمثيل المعارضة بها، بعد أن تنال اعترافاً دولياً بها يجعل من المجلس وهياكله مجرد أطر من دون صلاحيات.
وقال بعض المداخلين إن هذه الحكومة المزمع تشكيلها برئاسة سيف ستفاوض كما ينوي الأميركيون مع النظام، بعد إعادة النظر باتفاقية جنيف، وهو ما يرفضه المجلس الوطني الذي يسيطر عليه «الإخوان».
ولا يزال هاجس الحصول على تدخل دولي عسكري في سوريا يعتمل في أوساط المعارضة الخارجية، وشرطاً أولياً للعمل مع أي إطار جديد يحث الغربيون حلفاءهم السوريين على إنشائه. وربط أعضاء المجلس تأييدهم لمبادرة سيف ـ فورد بالحصول على تعهدات واضحة ألا تقدم الحكومة «السيفية ـ الفوردية» على التفاوض مع النظام، وأن تتقدم، بعد الاعتراف بها دولياً، بالحصول على منطقة حظر جوي، أو منطقة آمنة وتحسين تسليح «الجيش الحر» لتغيير ميزان القوى الحالي مع الجيش السوري.
وأبدى المجلس تحفظات على تخصيص الشخصيات الوطنية المستقلة من خارج المجلس بـ15 مقعداً، وطرح تساؤلات عن طبيعة وأسماء هذه الشخصيات، خصوصا أن سيف كان قد وجه دعوات إلى أعضاء في «هيئة التنسيق»، الخصم اللدود للمجلس الوطني، للانضمام إلى المبادرة.
ومن المفترض أن تعاد «مبادرة سيف ـ فورد» إلى الطاولة اليوم، مع انتهاء أعمال هيكلة المجلس، لكنها ستصطدم بمباشرة المجلس الوطني مشاورات موسعة مع بقية أطراف المعارضة من «لجان تنسيق» و«حراك ثوري» و«المجلس الوطني الكردي» وشخصيات وطنية لم تنضو حتى اليوم في عضوية المجلس الوطني، لكن القطريين دعوها إلى الالتحاق به. ويبدو أن باقي أطراف المعارضة قررت العمل على «توحيد» صفوفها من دون المجلس الوطني، الذي يطالب بدور رئيسي في تشكيل «هيئة المبادرة الوطنية السورية»، حيث عقد ممثلون عن فصائل للمعارضة اجتماعاً في الدوحة، بغياب ممثلين عن المجلس المنشغل بتجديد هياكله.
وقال مصدر داخل الاجتماعات، لوكالة «رويترز» في الدوحة، إن «الكيان الجديد سيشبه المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي تولى إدارة شؤون البلاد بعد الإطاحة بمعمر القذافي». وأضاف «سيشكلون حكومة مؤقتة يمكنها السيطرة على السفارات في أنحاء العالم وشغل مقعد سوريا في الأمم المتحدة لأن النظام سيكون قد فقد شرعيته».
وقالت مصادر إن الأميركيين سيدعمون المجلس الجديد، عبر الحصول على اعتراف عدد من الدول به «كممثل وحيد للشعب السوري» ويكون «الجيش الحر» تحت تصرفه.
رياض سيف يحسب الوقت بالثانية لينضج طبخته
وقال المعارض رياض سيف، وهو يهم بدخول الاجتماع، «نعم هناك تأخير من قبل المجلس الوطني الذي طلب إمهاله إلى الغد (اليوم)»، مضيفاً، «نحن نعذرهم، ولا بأس من يوم إضافي من التأخير من اجل هدف نبيل».
من جهته، أبدى المعارض هيثم المالح انزعاجه من قرار المجلس. وقال «هذا أمر سيئ، لأن المجلس يريد احتكار كل شيء ولا يريد انجاز شيء»، مضيفاً، «الجماعة هناك لا يهمهم إلا من يقود العملية، فيما الدماء السورية التي تسيل أهم».
وتعرض المجلس الوطني إلى ضربة قوية، مع إعلان «لجان التنسيق المحلية»، في بيان، انسحابها منه «بعد نتائج إعادة الهيكلة المخيبة للآمال».
وأوضحت الناطقة باسم «اللجان» ريما فليحان، في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس»، إن «هناك سيطرة شبه كاملة لجماعة الإخوان المسلمين على المجلس»، والانسحاب جاء بعد أن تبين أن «شيئاً لم يتغير في أداء المجلس رغم مشروع الإصلاح، وأن التركيبة الجديدة كرست سيطرة فئة معينة وغلبت طابعاً واحداً»، في إشارة مبطنة إلى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على المجلس. وأكدت أن لجان التنسيق تشكل جزءا من «مبادرة الهيئة الوطنية» التي بدأت المعارضة مناقشتها في الدوحة، معربة عن أملها في إقرار المبادرة.
وأكد الرئيس السوري بشار الأسد، في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» بثت كاملة أمس، أن بقاءه في منصبه أو رحيله لا يتم إلا من خلال صناديق الاقتراع، مشيراً إلى انه إذا توقف الدعم الخارجي للمسلحين «نستطيع أن ننهي كل شيء خلال أسابيع». وأشار إلى أن «الاستخبارات الغربية تقدم، عبر تركيا ولبنان، دعماً معلوماتياً للإرهابيين». ()