قضية عراقية: البكاء على بوابتنا البحرية السباعية
من هي الجهة التي بيدها أقفال ومفاتيح بوابات مياهنا الإقليمية العراقية ومقترباتها وتفرعاتها ؟, هل هي قيادة قوات التحالف ؟, أم أنها قيادة القوة البحرية ؟, أم قيادة حرس حدود المنطقة الرابعة ؟, أم آمرية خفر السواحل والمياه الداخلية ؟, أم قيادة عمليات البصرة ؟, أم تشكيلات الهيئات الجمركية المغروسة في محرمات المنافذ البحرية ؟, أم قيادة شرطة البصرة ؟, أم وزارة الخارجية ولجانها المعنية بترسيم الحدود وتثبيتها ؟. .
لست غبيا حتى اطرح مثل هذا السؤال الساذج, فأنا والحمد لله من الذين افنوا زهرة شبابهم في العمل الملاحي الميداني ضمن حدود مسطحاتنا البحرية, ومن الذين انهوا خدمتهم الإلزامية في وحدات القوة البحرية على ظهر سفينة الإنقاذ (عكا), التي كانت من أكبر سفن الإسناد في الأسطول الحربي العراقي, وكان لي شرف تدريس مادة (السلامة البحرية) في أكاديمية الخليج العربي عام 1982, وتجدر الإشارة إلى إن المقرر الدراسي لتلك المادة كان من إعدادي, ولا زلت احتفظ بنسخة منه في مكتبتي, وكان لي شرف التدريس في مدرسة قتال القوة البحرية في الشعيبة عام 1984, ثم من منا لا يعرف واجبات قيادة القوة البحرية ؟, ومن منا لا يعرف حدود آمرية خفر السواحل والمياه الداخلية ؟,
لكنني أردت من خلال عنوان المقالة أن ألفت انتباه الجهات المعنية إلى الفراغ السيادي المتروك في المسافة الحرجة بين العوامة رقم (7) لمدخل شط العرب من جهة البحر, وبين العوامة رقم (7) لمدخل خور عبد الله من جهة البحر, بين السبعة والسبعة, بين (سبعة) شط العرب, وسبعة خور عبد الله. .
نحن الآن نقف على ظهر السفينة العراقية (الأمين), في مكان ما من البحر, نتوسط المسافة بين السبعتين, بانتظار من يدلنا على مكان تواجد التشكيلات التي بيدها مفاتيح المنطقة, لقد بحثنا عنها هنا منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا فلم نعثر على ضالتنا, فالبوابات تكاد تكون مفتوحة تماما لمن هب ودب, قالوا: انها تقع ضمن قاطع قوات التحالف, وقالوا انها تابعة للقوات المشتركة, بيد أن الثابت لدينا انها ظلت مهجورة, وغير خاضعة للرقابة بانتظار حسم موضوع النزاع الحدودي القائم بين العراق وإيران من جهة, وبين العراق والكويت من جهة أخرى. .
فالمسافة السباعية الفاصلة بين السبعتين هي المسافة المائية المنكمشة بالاتجاه البوصلي (222) درجة, بين الحدود البحرية الإيرانية الزاحفة نحو غرب شط العرب, وبين الحدود البحرية الكويتية الزاحفة نحو شرق شط العرب, والتي تقزمت مسافتها لتصبح بطول (11) ميلاً بحرياً فقط, أي بما يعادل (20) كيلومتراً تقريباً, على اعتبار ان الميل البحري يساوي (1852) متراً, بمعنى ان الإطلالة البحرية المتاحة للعراق انكمشت وتقلصت وتقوقعت على نفسها حتى صارت بهذه الصورة المُختزلَة.
ومن يدري بما تخبئه لنا الأيام الحبلى بالمفاجئات, فربما تتمدد نظرية زحزحة القارات, وتزحف نحو مصب شط العرب, لتجتث شرايينه المصابة بكولسترول الأطيان, فيتحول العراق إلى دولة معاقة بحرياً, في ظل المواقف السياسية المتأرجحة بين غياب تطبيقات اتفاقية الجزائر لعام 1975, وبين التعسف الجغرافي الخطير الذي فرضه علينا قرار مجلس الأمن رقم (833) لعام 1991, وهكذا ستضيع منا قناة الروكا, ويضيع منا خور عبد الله. .
من المفيد أن نذكر هنا إن زوارق الدورية التابعة للقوة البحرية العراقية تمارس واجباتها على الوجه الأكمل حول مقتربات موانئنا النفطية, وتفرض سلطتها الرقابية هناك بشكل يبعث على الإعجاب, وتوفر الحماية المطلوبة لمنصاتنا النفطية وعوامتنا الرحوية, ولسنا مغالين إذا قلنا انها تكرس اهتماماتها كلها في حماية النقاط الإستراتيجية الهامة, وتحرص كل الحرص على مراقبة كل شاردة وواردة, وتمنع الاقتراب من المناطق المحظورة, وتعمل على مدار الساعة من دون كلل ولا ملل, وتواكب قوافل الناقلات النفطية القادمة والمغادرة, لكنها لا تقف بين دعامات البوابة السباعية المحاذية لشط العرب, ولا تتواجد في المناطق الضحلة الملتفة حول قناة الروكا من جهة البحر, وبخاصة في المساحة الشاسعة الممتدة بين السبعتين, بين سبعة شط العرب, وسبعة خور عبد الله. .
لو تحركنا بقاربنا جيئة وذهابا في المقطع المحصور بين المكان الذي غرقت فيه الرافعة العراقية (عنترة), وبين العوامة (7) في مدخل شط العرب من جهة البحر, فلن نشاهد المارد الذي يحمل مفاتيح البوابة السباعية, ومما يزيد الأمر سوء إن ممراتنا الملاحية المؤدية لشط العرب انحرفت نحونا كثيراً, وواصلت انحرافها, لتضيف المزيد من الأراضي الجديدة للضفة الإيرانية الزاحفة نحونا, في الوقت الذي منحت فيه الكويت لنفسها الحق بالتمدد في المياه العراقية خارج تحديدات الدعامة (162) التي رسمها القرار الدولي الجائر رقم (833), وهنا لابد لنا من التساؤل عن مقدار المساحات الضائعة والمهدورة من مياهنا الإقليمية ؟, ولابد لنا من البحث عن الجهات الجيولوجية المسؤولة عن تقييم التغيرات الطبيعية في حوض شط العرب ؟
, ولابد لنا من البحث عن المؤسسات التشريعية المعنية بتقييم الأوضاع الحدودية العالقة مع دول الجوار ؟, وقبل أن نتلقى الإجابة من المؤسسات المشلولة, التي آثرت الصمت, وشغلت نفسها بالمواضيع التي لا تضر ولا تنفع, يحق لنا أن نطالب بضرورة الارتقاء بمستوى تشكيلات أساطيلنا البحرية الحربية نحو الأفضل, وضرورة منحها الدعم المطلق, وتعزيز قوتها للحفاظ على كل شبر من مسطحاتنا الملاحية البحرية. . ومن الله العون والتوفيق.