كيف ستتصرف اميركا حيال سورية بعد الاخفاق في قطر؟
عندما دعت اميركا الى توحيد “المعارضة السورية ” امرت بالتصعيد الميداني بشكل مترافق مع محاولة تجميع المعارضين في ملتقى الدوحة التأمري على سورية ، و قد توخت من خطتها هذه تشكيل “الجبهة السورية المناوئة ” الموحدة ذات القدرات الميدانية و السياسية التي تخولها التفاوض مع الحكومة السورية بشكل ندي ان لم نقل اكثر من ذلك باعتبارها ستكون جبهة محتضنة من الغرب بالقيادة الاميركية و ممولة من البترودولار الخليجي من غير حدود او مراقبة . و كانت اميركا تمني النفس بتحقيق هذا النجاح على عتبة الولاية الثانية لاوباما بعد اعادة انتخابه في الاسبوع الماضي .
و بلاضافة الى هذا رغبت اميركا اعادة ترتيب مواقع الفرقاء المناوئين لسورية بحيث تنفرد هي شكلا و مضموناً بالتحكم بالقيادة و بمسار الازمة السورية دون ان يكون لها شريك في ذلك اروبيا كان ام تركيا ، و طبعا لا يكون عربيا لان العرب هم في الاصل بالنظر الاميركي ادوات تنفيذية و حملة صناديق المال للانفاق على المشاريع الاميركية ليس اكثر .
و من اجل تلك الاهداف كانت اميركا بحاجة الى تصعيد ميداني يعطي الفئات الارهابية المسلحة فرص السيطرة على مدن و مناطق في سورية ، كما و يمكنهم من رفع وتيرة الترهيب و الترويع للشعب السوري لدفعه في طريق الاحباط و اليأس من متابعة المواجهة ، و لترغمه على الضغط على حكومته للقبول باي حل يوقف “حمام الدم ” و يقطع الطريق على “الاسترسال في تدمير سورية ” ، حتى و لو كان الثمن تنازلا عن السيادة و الاستقلال فاميركا تظن ان مزيدا من الايلام و القتل قد يجعل السوري يقبل بمثل هذه الحلول الانتحارية .
و في التنفيذ الميداني كانت الهجمات المكثفة انطلاقا من الاراضي التركية ضد منطقة الحسكة و حلب و ادلب ، بهدف اقتطاع مناطق في الشمال تمكن المعتدين لاحقا من رسم خط تماس يفصل بين منطقتين واحدة في الشمال تحت سيطرة ” المعارضة المسلحة ” التي ستدفع الى تشكيل حكومة تدير هذه المنطقة ، و الاخرى تبقى بيد الحكومة السورية مع استمرار عمليات الارهاب و القتل في داخلها عن طريق السيارات المفخخة و العمليات الانتحارية و الهجمات المتفرقة المانعة للامن و الاستقرار و المنتجة لليأس و الخوف و الاحباط .
اما على الصعيد السياسي ، فقد الزم من يطلق عليهم “معارضة سورية” تحت تسميات مختلفة بالذهاب الى قطر لبلورة الكيان السياسي الذي تريده اميركا كما ذكرنا فكانت الاجتماعات و اللقاءات بادارة و حضور مباشر للسفير الاميركي في سورية الذي سحب من دمشق و احتفظ بمنصبه ليتمكن من متابعة ادارة الازمة السورية بشكل وظيفي رسمي.
هذا في الخطة و الامال الاميركية المعلقة عليها ، فماذا كانت النتائج ؟
من يراقب ما حصل في الدوحة ، و ما تمخضت عنه المواجهات في الميدان السوري يستطيع ان يتبين ان الخطة الاميركية كانت في اتجاه ، و النتائج كانت في اتجاه اخر حيث ان المشهد الذي رسم كان على الوجه التالي :
1. على الصعيد السياسي : فشلت اميركا من توحيد “المعارضات السورية” كما كانت تشتهي كما فشلت في تهميش من باتت تتوخى الحذر منهم ، و جاء سعيها بنتائج عكسية لرغباتها اذ ان مزيدا من التشظي و التباعد وقع بين هذه الفئات غير المتجانسة اصلا. وكان الاسوأ على المعارضات تلك و على اميركا من كل ما حصل هو خروج اصوات من داخل ما يسمى معارضة ، تصف حقيقة ما يجري في سورية و تسقط عنه ما كانت تدعيه بانه ثورة و تصفه بحقيقته كما كنا و لا زلنا نراه بانه مؤامرة غربية ضد سورية لنزعها من موقعها او تدميرها باموال خليجية . ثم كان انشقاق و تنافر اضافي بين ” سواح المعارضة في الخارج “، و ” معارضة المواجهة في الداخل ” و بات اشخاص الخارج من غير متكأ في الداخل يمكنهم من الاستناد عليه في اي عملية تفاوضية مستقبلية .
هذا على صعيد الفئات التي تحمل الجنسية السورية ، اما على صعيد القوى الخارجية ، فقد ظهر جليا ان تركيا شطبت كليا من منظومة قيادة العدوان على سورية ، و انتزعت منها ورقة ” المجلس الوطني” رغم ان اميركا لم تستطع ان تسحب هذا المجلس من يد “الاخوان ” كما ان هؤلاء لم يستطيعوا ان يجاهرو اكثر بنزعتهم السلطوية الاقصائية التفردية ، و اضطروا للقبول بسوري مسيحي رئيسا لمجلسهم بعد ان كانوا وضعوا الحرم و الفيتو المشدد ضده في الربيع المنصرم ، لانه مسيحي .
و بالمحصلة نستطيع القول بان مساعي اميركا في الدوحة ذهبت ادراج الرياح و زادت من مآزق عملاء الخارج المنضوين تحت تسمية ” المعارضة السورية ” و تسببت بالاعلان عن فضائح كارثية على هؤلاء لانها عرت تنظيماتهم و اظهرتهم حتى في اعين من كان يصدقهم او كان يثق بهم ممن ضلله الاعلام او كان بسيطا و حسن النية في اخذه بالمظاهر ، اظهرتهم بانهم جماعات تشتهي المال و السلطة و تقبل بالخيانة و التبعية من اجل اشباع تلك الشهوات .
2. اما على الصعيد الميداني ، فاننا نسجل بان الفئات المسلحة تمكنت من القيام باكثر من عملية في الشمال خاصة في منطقة الحسكة ، و بالتحديد في راس العين ، كما انها نفذت عدة عمليات ارهابية انتحارية في كل من منطقة دمشق و درعا . لكن هذه العمليات بقيت دون السقف الذي ارادته اميركا . حيث انها رغم وحشيتها و تفلت مرتكبيها من كل قواعد الدين و القانون و الاخلاق في اختيارهم لاهدافهم و تنفيذ اجرامهم ، و رغم انها ادت الى خسائر غير قليلة بارواح السوريين و الممتلكات و الحقت الاضرار بالبنى التحتية في اماكن التفجير و المواجهة ، رغم كل ذلك لم تحقق الاهداف الرئيسية منها .
– قعلي صعيد الحالة النفسية و المعنوية ظهر ان الشعب السوري يؤكد يوما بعد يوم على مستوى اعجازي بالوعي و فهم مجريات الامور و هو لم يقع في حالة يأس او احباط ، و كم كان معبرا صوت ذاك السوري الذي جاء الى الجيش مطالبا بان يهدموا داره على راس المسلحين الذين تمركزوا فيه فمن اجل سورية و امنها ليذهب البيت و ما فيه .
– اما على الصعيد الميداني ، نجد ان المسلحين و رغم انتشارهم في بعض النقاط و و الدساكر فانهم عجزوا عن وصل هذا النقاط لانشاء المنطقة المتماسكة التي يسيطرون عليها و يصلونها بالحدود التركية لتشكل مناطق آمنة لهم . حيث اننا شاهدانا كيف ان الجيش العربي السوري يطوق تلك البقع و ينفذ عمليات نوعية لملاحقة المسلحين و لاستعادة تلك المناطق تباعا بما يمكن من القول ان الهدف الميداني من الخطة الاميركية لم يتحقق هو الاخر . نقول هذا دون ان ننسى التذكير بالقدرات التي يملكها الجيش و التي تخوله استعادة السيطرة بشكل مضمون و اكيد حتى و لو تطلب الامر بعض الوقت لان القيادة العسكرية عندما يكون عليها ان تختار بين المناورة السريعة مع الكلفة العالية و المناورة المتأنية مع الكلفة المنخفضة تختار الثانية دائما حرصا على ارواح جنودها .
على ضوء ما تقدم و بموضوعية نقول ان الفشل كان حليف المخطط الاميركي الجديد سواء على الصعيد السياسي حيث كان التفتت و الشرذمة بدل ما كان يسعى اليه من توحيد و تماسك ، و على الصعيد الميداني كان الفشل على الصعيد المعنوي و بقي الانجاز المتحقق دون المستوى المطلوب اصلا ، ثم انه كان انجاز غير نهائي و غير مستقر لانه عرضة للخسارة المؤكدة في القابل من الايام .
مع هذه النتائج المخيبة لاميركا يطرح السؤال كيف سيكون مستقبل السلوك الاميركي في سورية ؟
قبل الاجابة نعود فنذكر بان اميركا اقتنعت في العمق ان تغيير االنظام او تغيير موقع سورية في الخريطة الاستراتيجية للمنطقة امر بات مستحيلاً ، لذلك لجأت الى خطة االتدمير و اضعاف سورية حتى تكون عبئا على المحور الذي هي فيه ، و كانت خطتها المركبة تلك تبتغي انتاج بيئة حوار و تفاوض تفضي الى القبول بكيان سياسي سوري مقيد و خائر القوى . و ان فشل اميركا في هذه الخطة قد يدفعها الى العودة الى اتفاق جنيف بعد تغيير وزيرة الخارجية مع مطلع العام القابل الذي به تبدأ ولاية اوباما الثانية . و هنا ستجد اميركا نفسها بحاجة الى النار الارهابية و التدميرية في سورية من اجل ضمان الموقع المناسب لها في الحل الذي قال به اعلان جنيف 2012 .