هـل بـدأت دمشـق تتحـول إلـى سـاحة معركـة؟
سواء كان ما تروج له المعارضة من بدء «معركة دمشق»، حقيقيا أم فصلا آخر من الحرب النفسية التي لم تتوقف منذ عامين، إلا أن عدة تطورات دراماتيكية طرأت في الأيام الأخيرة، تنذر بأن حصيلة الدم اليومية سترتفع باطراد، وأنها لن تبقى مستندة لحسابات كل طرف لضحاياه فقط.
التطور النوعي المؤسف كان أمس بانفجار حافلة ركاب مدنية ما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين وجرح 14 بعضهم في حالة خطرة. الحافلة المدنية «المحايدة» كانت تعبر من منطقة دمر السكنية إلى منطقة تعرف بـ«مساكن الحرس» السكنية هي الأخرى، والتي تطلق عليها بعض مواقع المعارضة تسمية «مستوطنة» لكون غالبية سكانها من أهل الساحل السوري.
التفجير هو الأول الذي يستهدف حافلة مدنية، من دون أية حجة سياسية أو عسكرية، وإنما لما يظهر أنه أسباب مذهبية بحتة. أمور مشابهة حصلت في السابق، لكنها لم تكن بالمستوى المفضوح الراهن، خصوصا وأنها متزامنة مع قذائف هاون تطلق على ما يسمى أيضا بـ«مستوطنة» 86 والتي تتسم بصفة مشابهة للضاحية السابقة، وقد أصابها أمس الأول قذيفتان أدتا إلى جرح عدة أشخاص، وذلك بعد أن نالت نصيبها من قذائف قبل ذلك بيومين سبقها انفجار سيارة مفخخة في قلب احد شوارعها ذهب ضحيته العشرات.
لكن تفجير الحافلة لا يوحي بمستوى العنف الذي يتفاقم فقط، وبنمطه المذهبي فقط، وإنما يذكر مجددا بتفجيرات الباصات المدنية التي ميز بؤسها فترة الثمانينات في ذروة صراع السلطة في سوريا مع حركة الإخوان المسلمين. فهل هذه حلقة أخرى من السيناريو المكرر؟
المستوى الثاني للعنف يتمثل في القذائف التي بدأت تصل أحياء سكنية في قلب العاصمة ومحيطها الهادئ. فبعد استهداف أحياء في قلب المدينة كالطلياني (قريبا جدا من منزل السفير الأميركي المهجور في دمشق) وعلى أطرافها كالعباسيين، بدأت قذائف الهاون تتساقط على منطقة المزة وعلى عدة شوارع مرة واحدة، وفي مناطق مختلفة من المنطقة الممتدة لعدة كيلومترات.
سقوط القذائف العشوائية، يصيب قلب المدينة النابض برغبة التعايش مع الأزمة الدموية وآثارها العملية على يوميات الناس. فحتى القريب ظلت المزة تلك المنطقة التي لا تهدأ حركتها حتى ساعات المساء المتأخرة. ويبدو أن ثمة هدفا لأن يصيبها ما أصاب مناطق دمشق القديمة وباب توما من التفجيرات وقذائف الهاون. لكن عسكريا يمكن توقع أحد أمرين، وهو إما تمكن المسلحين من تحقيق تقدم ميداني يسمح لقذائفهم بعبور مدى قصير نحو الأحياء السكنية، أو أنهم حصلوا على سلاح يتجاوز قدرة الهاون التقليدي على القذف، والذي استخدم على مدار الأزمة ولم يتجاوز مداه الكيلومترات الثلاثة.
أما المستوى الثالث، فهو في تحول المدنيين يوما بعد يوم إلى مجرد أرقام عابرة في عداد القتلى اليومي، أو حتى قرابين (وفق منطق شبيه بمنطق تنظيم القاعدة) لأهداف الصراع المتصاعد يوما بعد يوم، والتي باتت الناس مشوشة حول ما هي فعليا.
هذه المستويات الثلاثة من العنف الذي ينزل بالحياة درجة بعد أخرى نحو جحيم اسود، ينذر بأن معركة دمشق التي تنذر بها المعارضة المقيمة في الخارج، وتسعى فيها للسلاح، لن تكون ساحتها سوى دمشق الحديثة والتاريخية، بشوارعها وأسواقها، بسكانها الأصليين ومستوطنيها كما يحلو لبعضهم القول. وهي معركة، إن حصل وقادت لانتصار، لن يجد المنتصر من يحتفل به
.