الحسين ينهض من جديد
في بداية حكم البعث قدم تسهيلات ودعم مالي الى المواكب الحسينية لغرض تحسين صورته امام الشعب , ومن اجل اغراض سياسية تصب في دعم الحكم الجديد وتحسين صورة حزبه الحاكم , بتوصية اصحاب المواكب بان تكون الردات والشعارات والقصائد الحسينية فيها نغمة تمجيد لسلطة البعث , لكن بعض من القصائد والشعارات تتحدث عن الظلم والظالمين وان ثورة الحسين ( ع ) قامت لتقلع الاستبداد والطغيان وان اركان حكمها زائل لاحياة دائمة له ,وقد حاول عدة مرات ان ينزع هذه النبرات والشعارات بالقمع والارهاب والترغيب بالمال , لكن محاولاته فشلت كلما اوغل في سياسة القمع والارهاب ضد الشعب , مما اضطرالى منعها والغاء احياء واقعة كربلاء وذكرى استشهاد الامام الطاهر
. وعند مجيء العهد الجديد . انتهج سياسة الترغيب , واعاد احياء الذكرى الخالدة وقدم لها كل اشكال الدعم والرعاية وتوفير كل المتطلبات الازمة لها وتسهيل وصول الزوار , وكان يوصي اصحاب المواكب بالشعارات التي تمجد الاطراف السياسية المتنفذة والحذر من اندساس نغمات المضادة للنخب الحاكمة , والتي تسيء الى سمعتها ومكانتها وهيبتها في الاوساط الشعبية, وحاولت جاهدة بكل الطرق والوسائل تطويع واقعة كربلاء الى خطابها السياسي حتى تجني الربح المعنوي لاغراض انتخابية تصب في مصلحتها .
لكن الواقع السياسي المأزوم والاوضاع المعيشية المتردية , والفساد المستشري في مفاصل الدولة وعمليات السلب والنهب المبرمجة بالاحتيال والابتزاز , وضياع المليارات الدولارات في جيوب المفسدين , وانتهاج سياسة جائرة ومجحفة في حق شرائح واسعة من افراد الشعب والتي ادت الى زيادة اعداد العوائل الفقيرة ( خمسة مليون تحت خط الفقر ) , ونهب البطاقة التموينية ولغف المليارات المخصصة لها والتي تمثلت في نقص كميتها وعددها اضافة الى ردائة نوعياتها وبعضها تصل الى المواطن فاسدة لا تصلح للعلف الحيواني , وانعدام الحرص والشعور بالمسؤولية تجاه الشعب , وزيادة تخمة الفاسدين على حساب معاناة الشعب , والوضع السياسي المتأزم والذي ينذر بعواقب وخيمة ستجلب البلاء والخراب للشعب والوطن .
ومغازلة فلول النظام السابق الى رد اعتباراتهم السياسية والمعنوية والكثير منهم وضع في مواقع حيوية وحساسة , . وتدهور الوضع الامني وصار المواطن على موعد اسبوعيا مع الموت من عصابات الارهاب والاجرام بسبب فشل الملف الامني , تصاعد الغليان الشعبي بروح التذمر والرفض من سياسات اطراف العملية السياسية التي انكبت بشوق ووشهوة ونهم , وفقدت صوابها وعقلية تفكيرها ببريق المال والسلطة , وانكشف خداعها ومكرها ونفاقها بانها راعية مصالح الشعب والوطن , بينما تمارس ليل نهار العهر السياسي في سوق النخاسة , زيادة الوعي والنضج السياسي , وادرك المواطن الاعيب البهلوانية والمسرحية الكوميدية في حلبة التنافس , وانكشف الزيف وسقطت الاقنعة , ولم يعد الدجل السياسي صدى على الواقع في ظل تزايد النقمة الشعبية , وفقدان الصلة والعلاقة بين عامة الشعب وهذه الاطراف السياسية المتنفذة التي تعيش في واد والشعب في واد اخر .
بهذا الواقع المزري والماساوي , جرت احياء ذكرى واقعة كربلاء لهذا العام , والذي سجل ظاهرة جديدة بان تحولت المواكب الحسينية في كربلاء ومنطقة الجنوب الى احتجاجات ونقمة شعبية وتذمر كبير وتندر وتهكم من سياسة العهد الجديد واطرافه السياسية المتنفذة , فقد رددت شعارات وهوسات جماهيرية والقت القصائد التي تندد وتشجب وتطالب بكشف اسماء المتورطين بالفساد وعدم التستر عليهم وتقديمهم الى عدالة القانون , وكشف عن مصير المليارات التي نهبت بطرق ابتزازية متقنة وكشف اين ذهبت هذه الاموال , تحدثت صراحة عن الوضع الامني المتردي وفشل الجهات المسؤولة في ضبط الامن والاستقرار , تطرقوا الى البطاقة التموينية التي ضاعت اموالها في جيوب افاعي الفساد , ورفعوا شعارات تندد بانعدام الخدمات العامة بكل صنوفها , ورددوا ابيات وقصائد عن تجاهل المواطن ونسيانه في قاموس النخب السياسية المتنفذة , في ظل زوبعة الفساد والمفسدين , والتصارع على الكعكة العراقية , لقد هبت جموع الشعب من خلال استغلال ذكرى استشهاد الامام الحسين ( ع ) لتعبر بما يجيش في صدورها في موجات غاضبة من الاحتجاجات , وتحولت الذكرى العظيمة الى مظاهرات انطلقت في كل مكان , وهي رسالة تحدي بان المارد العراقي استيقظ من غفوته , وهي تدل ان صبر العراقي اخذ في النفاذ .. انه الفجر والصبح قريب
جمعة عبدالله