توافق أميركي ـــــ سعودي على لجم المتطرفين إسلامياً ومسيحياً
إنفجار التناقضات المصرية في الشارع مباشرة بعد تولّي القاهرة رعاية اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إنما جاء ليجدد التأكيد مرة أخرى أن المنطقة برمتها ما تزال في قلب مرحلة الاضطرابات، وأن الاستقرار الفعلي ما يزال بعيد المنال.
فالولايات المتحدة الأميركية التي مهّدت لإعطاء السلطة المصرية دور الرعاية المباشرة لوقف القتال في غزة على حساب الطموح التركي – القطري لتأدية هذا الدور، وجدت نفسها أمام حسابات جديدة على المستويين المصري والفلسطيني.
وصحيح أن اتفاق غزة ساهم في إعادة تحريك المياه الراكدة في مصر بين “الأخوان المسلمين” والسلفيين من جهة، وبقية المجتمع المصري المستند إلى الجيش من جهة أخرى، إلا أنّ الحقيقة أن الصراع الداخلي يتمحور حول منع الإسلاميين من الإمساك بشكل مطلق بالسلطات كافة ما يجعلها قادرة على القضاء على كل مراكز المعارضة داخل الدولة وتقييد نفوذ الجيش.
لذلك جاء تحرّك الشارع استباقاً لشيء ما كان يحضّر له الرئيس المصري من خلال قراراته الجديدة.
ولأن واشنطن ما تزال تزيد من استثمارها السياسي في مصر، أولاً بسبب موقعها ودورها الكبير في المنطقة، وثانياً بسبب رهانها على دور عاقل للأخوان المسلمين يسمح لها بالتحالف مع العالم الإسلامي من خلالهم، فإن الدبلوماسيين القريبين يؤكدون أن واشنطن ستتحرك على أساس عناوين ثلاثة:
أولاً: عدم ترك الأمور تذهب باتجاه مواجهات دموية في الشارع أو ما يجري إشاعته حول حرب أهلية داخلية، لأن ذلك سيؤدي إلى إسقاط الدور الذي تراهن عليه واشنطن لمصر.
ثانياً: ترجيح كفة الرئيس المصري بسبب الرهان الأميركي على دور “الإخوان المسلمين”، وهو ما بدا من خلال التزامهم الاتفاقات مع إسرائيل.
ثالثاً: إدخال تعديلات معقولة لمصلحة مطالب المعارضة تساهم في إبقاء الرئيس المصري ضمن ضوابط معينة تبقي كل الحسابات المستقبلية موجودة.
صحيح أن نتائج مواجهات غزة أفضت إلى نقاط أميركية ثمينة لناحية إضعاف حظوظ نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، إلا أنّ جوانب أخرى من هذه المواجهات وضعت علامات استفهام حول القدرة النارية للفلسطينيين وظهور النفوذ الإيراني بوضوح من خلال حركة “الجهاد الإسلامي”، وبعض كوادر حركة “حماس” الميدانيين وبعض التنظيمات الصغيرة الأخرى. وهذا ما يفترض قطع طريق التواصل ما بين طهران وغزة من خلال توفير السلاح لهذه المنظمات عبر الأنفاق. وهذا الدور لا تستطيع القيام به سوى السلطة المصرية بقيادة “الإخوان المسلمين”.
ومن نتائج “حرب غزة” سقوط الرهان على القبة الحديدية التي بلغت نسبة نجاحها حوالى 28 % فقط، وذلك على عكس النسب التي ظهرت في وسائل الإعلام الاسرائيلية والتي بلغت 75%. هذا عدا الكلفة المرتفعة لصواريخ القبة الحديدية.
لكن الأهم أن حركة “حماس” بدت مضطرة إلىى اللحاق بـ”الجهاد الإسلامي” والانسجام العسكري معه في مواجهة حملة “عمود السحاب”، ما جعل من “الجهاد الإسلامي” طرفاً أساسياً في مفاوضات وقف إطلاق النار.
لذلك بدت واشنطن التي تستعد لمرحلة التفاوض مع طهران، ملزمة خنق نفوذ إيران في غزة، هي التي تريد، أساساً، من تسويتها المنتظرة تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وحصره ضمن حدود واضحة ومحددة. ولأن الطريق لمحاصرة النفوذ الإيراني في غزة يبقى من خلال قطع طرق التواصل ما بين إيران والفلسطينيين، ردّد بعض الأوساط الدبلوماسية معلومات حول موافقة واشنطن على طلب إسرائيلي – مصري يقضي بتقديم مساعدة تقنية، وحتى بشرية، لخطة اعتراض قوافل ومخابىء السلاح الإيراني الذي يتم تهريبه إلى غزة عبر سيناء، وتعزيز القوات الأميركية الموجودة حالياً في شمال سيناء وفق ما نصّت عليه معاهدة “كامب ديفيد”، ذلك بإضافة عناصر أخرى. على أن يترافق ذلك مع إقامة سياج إلكتروني مزود بأجهزة استشعار مهمته عزل قطاع غزة عن سيناء.
لذلك تبدو واشنطن متمسكة بدور “الإخوان المسلمين” في السلطة في مصر على أن يترافق ذلك مع وضع ضوابط تسمح بإبقاء التوازنات الداخلية قائمة ضماناً لأي تعديلات مستقبلية.
وانطلاقاً من ذلك، فإن الاستنتاجات حول الانعكاسات على لبنان وسوريا تبقى في الإطار نفسه.
الاستعداد الأميركي للاستعداد جيداً لمفاوضات مع إيران من المفترض أن يبدأ مطلع العام المقبل. فالإدارة الأميركية ترغب من خلال هذه المفاوضات في “ترويض” الطموح الإيراني، وتمديد نفوذه ضمن تفاهمات واضحة، مع ميلها الضمني إلى إبقاء هذا التوازن كي لا نقول هذا التناقض بين الهلال الشيعي والعمق العربي السني.
ففي سوريا، حيث اندفعت التنظيمات الإسلامية المتطرفة بقوة في الشارع، تريد واشنطن إحلال “طائف سوري” يجمع بين النظام والمعارضة البعيدة عن المتطرفين من خلال ما ظهر في مؤتمر قطر.
وتأتي مبادرة الأخضر الابراهيمي لتؤكد ذلك، إذ يطرح تسوية تقضي ببقاء الأسد حتى نهاية ولايته مع صلاحيات أقلّ للرئاسة السورية.
وفي لبنان عناد سعودي لتغيير الحكومة، ولكن مع نظرة جديدة إلىى الانتخابات النيابية المقبلة، ذلك عبر السعي لتعزيز حصة المستقلين أو الوسطيين على حساب المصنّفين متطرفين إن كان على الساحة الإسلامية أو حتى على الساحة المسيحية.
وعلى هذا الأساس يجري تشجيع نعمة افرام في كسروان والمحافظة على ميشال فرعون في بيروت وفتح أبواب الرياض أمام إيلي سكاف. كما أن من هنا يفهم كلام وليد جنبلاط بالأمس.
والواضح أن ذلك يأتي على حساب “القوات اللبنانية” والحصص التي تطمح إليها، لكن سيأتي من سيبرّر ذلك بالقول بأن تسوية إقليمية تؤدي إلى لجم الخطاب المتطرّف إن كان يميناً أو يساراً، إنما سيكون في مصلحة حماية هذا التنوع الطائفي والمذهبي في منطقة بالغة التنوع والتعقيد مثل الشرق الأوسط.
طبعاً، إن كل ذلك ينتظر التسوية الأميركية – الإيرانية والتي من المفترض أن تنطلق بداية العام المقبل. مع الإشارة إلى الزيارة المهمة التي قام بها لاريجاني إلى تركيا، حيث التقى أردوغان، والإعلان عن عدة نقاط تفاهم بينهما. وهذا يعكس مرونة واشنطن واحتمال قيام معادلة إيران – تركيا لرعاية المنطقة.