سيناء ساحة معارك جديدة تعُج بالتمرد
رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس المصري محمد مرسي لاستعادة السيطرة على سيناء، لا تزال أجزاء كثيرة من تلك المنطقة الصحراوية والجبلية غير المكتظة خارج سيطرة الحكومة المركزية.
حتى بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية وحركة “حماس” على وقف إطلاق النار في غزة، تتلاشى أهمية هذا الاتفاق بفعل الأحداث الحاصلة على الجانب الآخر من الحدود، وتحديداً في شبه جزيرة سيناء المصرية.
منذ إسقاط الدكتاتور المصري حسني مبارك في بداية السنة الماضية، شهدت شبه جزيرة سيناء تنامياً لحركات التمرد الإسلامية بسبب ظهور جماعات البدو المحلية ومقاتلين مرتبطين بتنظيم “القاعدة”، وتسعى تلك الجماعات كلها إلى إنشاء دولة إسلامية متزمتة.
أدى ظهور حركات التمرد أيضاً إلى تعزيز دور سيناء كطريق لنقل الأسلحة من ليبيا وإيران، لا سيما الصواريخ التي تستعملها “حماس” ضد إسرائيل ويتم تهريبها إلى غزة عبر 400 نفق تحت الحدود مع مصر.
كذلك، بدأت سيناء تتحول إلى أرض خصبة بالنسبة إلى الجماعات المتطرفة الأخرى التي يكون بعضها أكثر تشدداً من “حماس”، فهي تريد مهاجمة إسرائيل وإضعاف معاهدة السلام التي أُبرمت في عام 1979 بين إسرائيل ومصر.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس المصري محمد مرسي لاستعادة السيطرة على سيناء، لا تزال أجزاء كثيرة من تلك المنطقة الصحراوية والجبلية غير المكتظة خارج سيطرة الحكومة المركزية.
في مناطق كثيرة من سيناء (تساوي مساحتها مقاطعة نيو برونزويك)، حاول قادة دينيون أصوليون محليون سد الفراغ الحكومي من خلال إنشاء محاكم الشريعة لفرض العدالة الإسلامية، كما فعل المتطرفون المنتمون إلى حركة “الشباب” المرتبطة بالقاعدة في الصومال قبل الإطاحة بهم على يد قوات الاتحاد الإفريقي في وقت سابق من هذه السنة.
قُتل عدد كبير من الجنود ورجال الشرطة والمتطرفين خلال معركة سيناء التي تشمل اعتداءات شبه يومية على مراكز الشرطة والحواجز العسكرية، فضلاً عن خوض معارك أكثر احتداماً تستلزم رداً من السلطات.
تماماً مثل الملاجئ الأخرى الخارجة عن القانون (مثل مناطق باكستان المتاخمة لأفغانستان، والصومال في القرن الإفريقي، وشمال مالي في الصحراء الكبرى)، أصبحت سيناء منطقة جذب للمتطرفين الإسلاميين.
ذكرت التقارير وجود حوالي ألفي مقاتل من مختلف أجزاء العالم العربي، وهم يريدون إقامة قواعد لهم في سيناء قبل أن يتسللوا إلى غزة لمشاركة “حماس” في اعتداءاتها على إسرائيل أو إطلاق تحركاتهم الخاصة.
يبدو أن تزايد أهمية جبهة سيناء يضيف مظاهر جديدة من التعقيد والخطورة إلى المواجهة القائمة بين إسرائيل والدول المجاورة لها، ولا شيء يشير أصلاً إلى أن تلك المواجهة ستصل إلى نهاية سلمية منذ تأسيس الدولة اليهودية بعد الحرب العالمية الثانية.
كانت مواجهة حركات التمرد في سيناء اختباراً صعباً للعلاقات بين إسرائيل والرئيس المصري محمد مرسي الذي ينتمي في الأصل إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، تلك المنظمة الإسلامية المتزمتة التي شكّلت مصدر إلهام لتنظيم “القاعدة” وحركة “حماس” معاً.
حتى الآن، أولى مرسي أهمية كبرى للحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل بما يفوق تركيزه على استمالة فئة المتطرفين.
كذلك، اضطرت إسرائيل إلى تحديد حجم ردها على الاعتداءات الصاروخية التي تستهدف أراضيها من غزة من دون إحراج مرسي وجعله يفقد مصداقيته السياسية.
حتى حركة “حماس” تواجه تحدياً صعباً بسبب تمركز جماعات أكثر تطرفاً منها في سيناء.
تسيطر “حماس” على غزة ولكنها تسعى إلى كسب النفوذ عبر محاربة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس الذي يسيطر على الضفة الغربية.
بدأت “حماس” تتطور كي تصبح كياناً سياسياً وهي تريد أن يأخذها الجميع على محمل الجد بصفتها ممثلة الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية. لذا لن يكون وجود جماعات أكثر تطرفاً في سيناء أمراً مستحباً، ولا سيما إذا كانت تستطيع التأثير على العلاقات مع إسرائيل ومصر.
انطلقت حركة التمرد في سيناء مع متطرفين إسلاميين في شبه الجزيرة وسط الفوضى الناجمة عن سقوط مبارك في 11 فبراير من السنة الماضية.
استهدفت الاعتداءات الأولى أنابيب الغاز الممتدة إلى الأردن ولبنان وسورية بالإضافة إلى الخط الذي يصل إلى إسرائيل.
في نهاية شهر يوليو، قُتل ستة رجال شرطة في اعتداء على مركزهم في العريش، ثم أعلنت إحدى الجماعات بعد بضعة أيام أنها تمثل فرع “القاعدة” في سيناء وأكدت على نيتها إنشاء دولة إسلامية بالكامل في سيناء.
في الوقت نفسه، تسللت من سيناء جماعة مؤلفة من مقاتلين من غزة وأماكن أخرى في العالم العربي إلى إسرائيل وهاجمت مراكز عسكرية ومدنيين.
أرسلت مصر قوات عسكرية إلى شبه الجزيرة للتخلص من المتطرفين. لكن تلاشت فاعلية تلك العملية بسبب أحكام معاهدة السلام مع إسرائيل.
ينص اتفاق كامب ديفيد على أن تبقى سيناء منطقة منزوعة السلاح. لا يمكن استعمال الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمروحيات هناك إلا بالتوافق بين القاهرة والحكومة الإسرائيلية.
وكان الرد أعنف في شهر أغسطس من هذه السنة، حين هاجم المتطرفون قاعدة عسكرية في سيناء ما أسفر عن مقتل 16 جندياً مصرياً. ثم سرق 35 مقاتلاً سيارتين مدرعتين واخترقوا معبر “كرم سالم” مع إسرائيل حيث قُتل ستة منهم على يد جنود إسرائيليين.
في إشارةٍ أولى على وجود علاقة فاعلة بين إسرائيل ومرسي، وافقت حكومة إسرائيل الأمنية على السماح للقوات المصرية باستعمال أسلحة ثقيلة في ما سُمّي “عملية تطهير سيناء”.
استمر التنسيق بين إسرائيل وحكومة مرسي (مثل تقاسم المعلومات الاستخبارية) خلال الأشهر اللاحقة.
لكن في الوقت نفسه لم يتوقف القتال. ما من مؤشرات واضحة على أن القوات المصرية سيطرت على الوضع في وجه المتمردين.
* كان صحافياً متخصصاً في الشؤون الدولية في صحيفة “ذا صن
” (The Sun)، وهو مراسل حر منذ 25 عاماً تقريباً