أوباما والكتب… من يروج لمن؟
أشار كثر من متابعي حملة الانتخابات الأميركية الأخيرة التي خاضها الرئيس باراك أوباما إلى اعتماده على الشعر في سباق الرئاسة مع خصمه الجمهوري ميت رومني، ويقول الناقد روبرت مكورم في ملحق صحيفة «ذي غارديان» البريطانية الثقافي: «أوباما الذي اشتهر في حملته الانتخابية الأولى بعبارة «نعم نستطيع»، توسل بلغة الشعر في حملته الثانية ليلهم أنصاره ويجذب الناخبين لمنحه ثقتهم من جديد، بعدما وجد أن لغة النثر لن تسعفه كثيراً أمام خصمه ميت روم…
لاحظ النقاد أن الشعر كان حاضراً بقوة في قلب المعركة الانتخابية الأميركية الأخيرة، والتي حصل بعدها الرئيس الأميركي على اللقب الطريف «أوباما الثاني». ووسط عبارات أبرزها «أوباما الثاني شاعرًا»، رأى بعض النقاد أن الرئيس الأميركي بدا وكأنه يعيد اكتشاف القوة الكامنة للشعر في حملته الانتخابية ليطرح سؤال الأدب والسياسة نفسه مجدداً.
ولم يقتصر الأمر على لغتي الشعر والنثر في الانتخابات الأميركية، بل تخطاهما إلى أسماء الكتب التي يقرأها كل من الرئيس أوباما والمرشح الذي لم يحالفه الحظ رومني. وعرضت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تقريراً يرصد كتب أوباما المفضلة والتي دوّن قائمتها على «فيسبوك» وتضمنت كتباً لرالف والدو إيمرسون، توني موريسون وموبي ديك وغيرهم. أما الكتب التي وضعها رومني على صفحته فلم تكن في مستوى الكتب الأوبامية وتتكلم في غالبيتها عن الخير والشر والصراع بينهما.
على ما يبدو، فإن أوباما، مثل الرؤساء روزفلت، جون كينيدي وبيل كلينتون من قبله، مدرك تماماً لقوة الكتب وتأثيرها في صياغة وجهات النظر العامة. ربما لا يقرأ العالم، لكنه يراقب، وإذا كان كتاب ما يحمل رسالة يرغب في نقلها إلى الآخرين، فإن ذكر أوباما اسم الكتاب على نحو يبدو عرضياً خلال مقابلة ما قد يترك تأثيراً أكبر من إلقائه خطاباً رسمياً. الكتاب ميديا أساسية في يد السياسيين، يستطيع المرء من خلاله معرفة كيف يفكر الرئيس وما هي وجهة نظره، وفي الولايات المتحدة باتت هذه السلوكية معروفة، فثمة أكثر من كتاب عن الرؤساء والقراءة، من بينها كتاب لهارولد ايفانز يبين أن الميل إلى القراءة معيار نجاح أي رئيس، مستنداً إلى وقائع تثبت أن أنجح الرؤساء في الولايات المتحدة هم أولئك الذين يولون القراءة اهتماماً كبيراً، فيفصل الكتاب اهتمامات الرؤساء الأميركيين ويتحدث عن محتويات مكتباتهم، وعدد الساعات التي يمضيها كل منهم في القراءة، مؤكداً أن منهم من كان يجمع الكتب ويركنها في المكتبة دونما بذل أي جهد لقراءتها.
يذكر إيفانز أن أحد التقاليد السائدة في البيت الأبيض خلال العطلات الرئاسية، أن يبلغ أحد المتحدثين باسم البيت وسائل الإعلام بقائمة الكتب التي سيقرأها الرئيس خلال العطلة، ثم تفرد الوسائل مساحات طويلة للنقاد لتحليل هذه الكتب. وربما يرتبط هذا الهوس الأميركي بمعرفة ماذا يقرأ الجالس في البيت الأبيض بالدراسة الأميركية التي توصلت منذ سنوات إلى وجود علاقة إيجابية بين الرؤساء الأميركيين والقراءة، فالدراسة توصلت إلى حقيقة مهمة، وهي كلما كان الرئيس قارئاً جيداً كانت فترة رئاسته ناجحة ومثمرة.
توظيف القراءة
أوباما، الرئيس الأميركي الراهن الذي أصدر كتابين ساهما في صناعة صورته السياسية، يعرف كيف يوظف الكتب والشعر والثقافة في خطاباته ومساراته السياسية، فهو كرم الروائية توني موريسون، واحتفل بالشعر في البيت الأبيض ولم يتردد في القول «إن القصيدة الرائعة هي تلك التي تتغلغل في أحاسيسنا وتتماهى مع وجداننا وتتحدانا وتلقننا شيئاً عن أنفسنا وعن العالم الذي نعيش فيه. ولطالما أدى الشعراء دوراً بالغ الأهمية في سرد ملحمتنا الأميركية». وذكر الرئيس أنه نظم أبياتا من الشعر حينما كان فتى مشبوب العاطفة، لكنه أضاف مبتسماً أنه لن يتلو أياً من تلك الأبيات في الأمسية الشعرية رأفة بآذان الحضور. وكان ذكر يوماً أنه يحب الشاعر الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس ومواطنه الروائي خوليو كورتازار، وحين خطب أوباما في خصوص القضية العرقية في الحياة الأميركية استشهد بعبارة للروائي وليام فوكنر تقول «إن الماضي لم يمت ويدفن، وهو في الحقيقة ليس ماضياً». وأن يستشهد أوباما بفوكنر فهذا إيماء إلى أهمية الأخير، الذي حظيت رواياته باهتمام بالغ في أميركا وخارجها لتأثيرها الكبير في إبراز حقيقة التناقضات في المجتمع الأميركي، خصوصاً في الجنوب.
يقول أحد أصدقاء أوباما إن الأخير كان يقرأ كتباً لأدباء سود من بينهم جيمس بولدوين ورالف أليسون اللذين يركزان على مشاعر الزنوج في المجتمع الأميركي، إذ كتب الأول «اذهب وقل ذلك على الجبل»، وأصدر الثاني «الرجل الخفي». كذلك يقرأ أوباما قصائد الشاعر الأسود لانغستون هيوز، أحد كبار الشعراء المعاصرين وأحد رموز ما عرف في القرن العشرين بـ{نهضة هارلم». أوباما، بحسب الأخبار التي ترصدت حياته، التهم المذكرات السياسية لكبار كتاب أميركا، وكتابات الأدباء السود خلال النصف الأول من القرن العشرين والإنجيل وكل ما كتب عن الرئيس أبراهام لنكولن، ومذكرات القس مارتن لوثر كينغ وغيرهم من الذين صنعوا أميركا ومكنوها من أن تفتح اليوم صدرها لإنسان أسود البشرة مثله.
دعاية فاعلة
أوباما «القارئ النهم» يمثِّل أيضاً دعاية جيدة لكتب كثيرة كانت مطالعته لها سبباً في رفعها إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، بعد إقبال الأميركيين على قراءتها بمجرد ذكر أوباما عناوينها. فبعد أسابيع قليلة من فوزه في الانتخابات الأميركية، قال أوباما في مقابلة تلفزيونية إنه يقرأ كتاب «المئة يوم الأولى للرئيس روزفلت»، وهو الذي واجه الكارثة الاقتصادية في أميركا سنة 1929. وبين يوم وليلة زادت مبيعات الكتاب وسارع الصحافيون يجرون مقابلات مع د. جين سميث، أستاذ متقاعد في جامعة مارشال (ولاية اللينوي)، ومؤلف الكتاب. في هذا السياق قال أوباما: «أريد من الذين يعملون معي أن يقرأوا الكتاب، ليس لأن فيه حل المشاكل كافة. ولكن لأن فيه روح المسؤولية، والثقة، والحرص على حل المشاكل حتى من دون ضمان حلها».
وقد التقط المصورون صوراً عدة لأوباما وهو يحمل كتاباً بعنوان «لنكولن: قصة حياة كاتب»، وبمجرد نشر الصورة أصبح الكتاب أحد الكتب الأكثر توزيعاً في الولايات المتحدة. كذلك أخذ الصحافي الأميركي في «نيويورك تايمز» مايكل مولنر بكاميرا بعيدة المدى صورة لأوباما وهو يغادر من الطائرة حاملاً كتاب فريد زكريا «عالم ما بعد نهاية أميركا»، كتاب مثير للجدل يتكلم عن نهاية الإمبراطورية الأميركية، وبدأ المحللون يطلقون التكهنات حول هذا العمل ومضمونه وأسباب اختياره، خصوصاً أن فريد مسلم من أصل هندي. ولعل الإيجابية الكبرى من قراءة أوباما للكتب ترويجه لها بشكل كبير وكأنه أفضل وسيلة إعلانية لمادة ثقافية، ففي لقاءٍ مع «النيويورك تايمز» ذكر بأنه يملّ من التقارير التي يقرأها يومياً في عمله، لذلك يلجأ إلى الروايات في المساء كي يحظى بقراءةٍ ممتعة. وذكر أوباما أنه حاليًا يقرأ رواية Netherland لجوزيف أونيل. ومنذ خرجت هذه الكلمات من أوباما انتشر الحديث في شبكة الإنترنت حول هذا الموضوع وظهرت نوادي القراءة باسم أوباما لقراءة الرواية معه، وطالب كثر بأن يُعلن الرئيس عن قائمة الكتب التي سيقرأها