الرصاص المطاطي سلاح فتّاك في البحرين: أكثر من 100 فقدوا أعينهم
تبين عيني، لك عيوني، أنا وكل ما أملك، فدا أرضج (ارضك) يا شوق اللي، إذا أبعد يناديني». هذه ليست كلمات قصيدة تتغزل بالمحبوب، لكنها كلمات أغنية للمطرب البحريني إبراهيم حبيب، موجودة في ثقافة وذاكرة البحرينيين منذ ثمانينيات القرن الماضي. كما انها جزء من أي احتفال واحتفاء للبحرينيين بوطنهم، بكل طوائفهم وانتماءاتهم.
«من أجل البحرين لا أقدم عيوني فقط، وإنما أقدم عيوني وأهلي، وبيتي وكل ما أملك»، هذه ليست كلمات أغنية وطنية تذاع في إذاعة البحرين الرسمية في الأعياد الوطنية، لكنها كلمات الشاب البحريني محمد أبو سعادة (28 عاماً) من قرية مركوبان في جزيرة سترة الذي فقد عينيه في 14 شباط العام 2011، أي في اليوم الأول لانطلاق شرارة الاحتجاجات ضد الحكومة.
«كنت في بداية المسيرة التي انطلقت في قريتي استجابة لدعوات المطالبة بالحقوق والحريات ومحاربة الفساد، وكنا نسير في اتجاه رجال الشرطة الذين احتشدوا عند مدخل القرية لمنعنا من الوصول إلى الشارع العام. وعندما بدأت الطلقات، أصبت بطلقة مطاط مباشرة في عيني»، هكذا وصف أبو سعادة حادثة إصابته في عينه اليمنى، ما أدى إلى تلفها بالكامل.
وأضاف، في حديثه لـ«السفير»، قبل اعتقاله مؤخرا «كنت أحمل علم البحرين فقط، وكانت البحرين نصب عيني وحقوق هذا الشعب المهدورة منذ سنوات طويلة، إلا أن القمع والإصابة كانا من نصيبي»، مشيرا إلى أن الإصابة أفقدته عمله الذي كان يمارسه في مجال المقاولات، كما أنه يود أن تكون له حياة كريمة هو وأبناء البحرين وأن يحصل الجميع على حقه.
اعتقل أبو سعادة مرات عدة خلال الشهور الـ20 الماضية لفترات متفاوتة ومن مواقع عدة، إحداها في مطار البحرين بعد عودته من رحلة العلاج، وأخرى على نقطة تفتيش، وآخرها عبر مداهمة منزله.
أما سلمان الحجيري (50 عاما)، الأب لستة أطفال، فقد أُصيب في عينه اليسرى خلال الهجوم على الاعتصام في دوار اللؤلؤة في آذار من العام الماضي، وكان يقود سيارته بالقرب من الدوار حيث وقعت اشتباكات بين متظاهرين وشرطة وأصيب بطلقة مطاطية مباشرة في العين اليسرى، نقل على اثرها الى مستشفى السلمانية لتلقي العلاج، إلا أنّه بعد ثلاثة أيام، وبعد أن أحكمت قوات الأمن والجيش السيطرة على المستشفى، تم اعتقال كافة المصابين وتحويلهم للتحقيقات الجنائية أو مراكز الشرطة، وتعرّض هناك للتعذيب على مدار أيام، كان
يعاني خلالها من ألم شديد، فهو لم يتلق العلاج اللازم جراء إصابته في العين، بالإضافة لآلام التعذيب الجديدة.
هكذا سرد الحجيري قصته لـ«السفير»، وقال «استمر الاعتقال 4 أشهر، وكانت زيارة المستشفى أشبه برحلة عذاب تتضمن الضرب والشتم والإهانة، كما لم يوفّر لي المستشفى سوى بعض مسكّنات الألم فقط، التي ما زلت أتناولها وأعيش عليها».
وبعد الإفراج عنه، ساعدته الأيادي البيضاء على السفر إلى الأردن لتلقّي العلاج اللازم، حيث تبيّن اصابته بكسور في الجمجمة، كما أن الإصابة تسببت في ضعف العين اليمنى، التي إذا لم يتوفر علاجها قريباً، فقد يفقد البصر فيها أيضا.
واضاف «أصبت من دون ذنب اقترفته، حتى أنني لم أكن مشاركا في أي مسيرة أو اعتصام، وتم اعتقالي وتعذيبي، وفقدت القدرة على العمل بعد الإصابة، لا أريد إلا العدالة».
وقال مسؤول الرصد والمتابعة في مركز البحرين لحقوق الإنسان يوسف المحافظة لـ«السفير»، «فقد 100 متظاهر أعينهم خلال التظاهرات والاشتباكات مع رجال الأمن في البحرين منذ شباط العام 2011. 80 في المئة منهم تلقوا العلاج، بينما تمكن 15 منهم فقط من تلقي العلاج في الخارج، على نفقة منظمة برافو، في حين تم علاج حوالي 20 في المئة منهم في العيادات الميدانية التي تقام في المنازل المحيطة بمنطقة الاشتباكات، حيث يخاف المصاب من التوجه الى المراكز الصحية والمستشفيات العامة والخاصة، خوفا من الاعتقال».
وأوضح أن «غالبية الإصابات كانت بالتصويب المباشر على الوجه بعبوات الغاز المسيل للدموع، والطلقات المطاطية، والرصاص الرش (الخرطوش)، وهي سياسة تتبعها قوى الأمن في البحرين، من خلال طريقة ممنهجة لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالمتظاهرين عبر استهداف الجزء العلوي من أجسادهم».
وأشارت رئيسة منظمة «برافو» ندى ضيف لـ«السفير»، عن سبب اهتمام المؤسسة بعلاج الذين فقدوا أعينهم خلال الاحتجاجات، الى ان «ظاهرة استهداف المتظاهرين خطيرة وجديدة وصادمة في الوقت ذاته، وتسبّبت بالإعاقة لأطفال وشباب في سن الورود، وطب العيون في البحرين ليس معتادا على التعامل مع مثل هذه الحالات، لذا وجب الاهتمام الخاص بتأهيل هذه الشريحة بالذات».
ولفتت الى أنّه «يتم إرسال المصابين للعلاج في الخارج، بعد البحث عن متبرعين وبالتالي المتابعة مع مراكز العلاج من مصحات ومستشفيات وترتيب إجراءات السفر وغيرها، ليتمكن المصاب من تلقي العلاج الكامل، وهذا أمر صعب لكون عمليات العيون على سبيل المثال مكلفة جداً