نيويورك تايمز:المخطط الإستيطاني الجديد يقوض إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيا
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم السبت تقريراً عقبت فيه على اعلان حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو امس الجمعة عن نيتها بناء 3 آلاف وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية وانحاء اخرى من الضفة الغربية المحتلة غداة التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة على قبول فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية.:
“بالنسبة الى الرئيس (باراك) اوباما، جاءت انباء الجمعة عن ان اسرائيل تخطط لبناء مستوطنات يهودية في منطقة حساسة جغرافياً في القدس الشرقية كصدمة وقحة.
ولكن ربما ما كان ينبغي ان تكون كذلك: اذ ان حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اعلنت عن بناء مستوطنات في لحظات غير مناسبة منذ ان تولى اوباما الرئاسة في 2009.
في آذار (مارس) 2010، وافقت اسرائيل على خطط لبناء وحدات سكنية جديدة خلال زيارة كان يقوم بها نائب الرئيس جوزيف بايدن. فقد اعلنت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ذاك انها ستبني 000،1 مسكن في الوقت الذي كان الرئيس اوباما يحاول فيه اعادة بدء المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين. وفي نيسان (ابريل) 2011، صادقت على بناء وحدات سكنية عشية اجتماع بين الرئيس اوباما والرئيس (الاسرائيلي) شمعون بيريز. اما هذه المرة فقد جاء اعلان اسرائيل عن احدث مشاريع البناء بعد يوم على فوز السلطة الفلسطينية في الحصول على مكانة ارفع من الجمعية العامة للامم المتحدة، وهي محاولة وقفت ضدها الولايات المتحدة مع اسرائيل. ويقول خبراء في شؤون الشرق الاوسط انه بينما يمكن ان يكون النمط هو نفسه، فان آثاره يمكن ان تكون اكبر بكثير هذه المرة.
قال دان كيرتزر، وهو سفير اميركي سابق لدى اسرائيل ومصر: “ليس هذا (اعلانا عن) مجرد بضعة بيوت اخرى في القدس او على قمة تل آخر في الضفة الغربية. هذه واحدة من اكثر المواقع حساسية في المنطقة، وآمل في ان تقف الولايات المتحدة موقفاً حازماً”.
وقال ان الولايات المتحدة حذرت اسرائيل مراراً وتكراراً منذ تسعينات القرن الماضي بالا تبني في المنطقة المتاخمة للقدس الشرقية والمعروفة باسم “اي 1” لان المستوطنات هناك ستقسم عملياً الضفة الغربية الى نصفين ويمكن ان تقضي على الخطط لاقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً. وبينما انتقد البيت الابيض ووزارة الخارجية خطوة اسرائيل، فقد كان الانتقاد بلغة دبلوماسية فشلت في تصوير عمق الاحباط الذي عبر عنه المسؤولون على الصعيد الخاص.
وقد قال تومي فيتور، وهو ناطق باسم مجلس الامن القومي: “اننا نكرر معارضتنا القائمة منذ مدة طويلة للمستوطنات والبناء في القدس الشرقية. ونحن نعتقد ان هذه الاعمال لها نتائج سلبية وتجعل من الاصعب استئناف المفاوضات المباشرة او تحقيق حل الدولتين”.
واوحت الناطقة باسم وزارة الخارجية فكتوريا نولاند بان السلطة الفلسطينية استدرجت الانتقام بتوجهها الى تصويت في الامم المتحدة بالرغم من تحذيرات وتوسلات متكررة من اسرائيل والولايات المتحدة وبلدان اخرى.
وقالت نولاند للصحافيين: “في سياق التحرك في نيويورك، كان هناك خطر من عمل يقود الى رد فعل. لذا فاننا في هذا السياق سنكون متزنين بقولنا اننا لا نريد ان نرى عملاً استفزازياً. بدلاً من ذلك نحن نريد ان نرى الطرفين وهما يركزان على العودة الى الطاولة من دون شروط مسبقة”.
وعلى الصعيد الخاص عبر مسؤولون عن شعور عميق بالاحباط لمجيء الخطوة الاسرائيلية بعد ان قضى مسؤولون اسرائيليون اياماً وهم يقللون من شأن تأثير المبادرة الفلسطينية والايحاء بانهم لن يلجأوا الى استخدام مثل هذه الاجراءات المضادة الا اذا استخدم الفلسطينيون مكانتهم الجدية المعززة ليتحدوا اسرائيل في محكمة الجنايات الدولية.
غير ان احد المسؤولين صرح بقوله ان بناء المستوطنات في المنطقة “اي 1” (E1) قد يكون “خطوة لا يمكن عكسها” بالنسبة الى مسيرة السلام. وفي الوقت الذي قامت فيه اسرائيل بابلاغ الولايات المتحدة بانها ستعلن خطتها، مثلما فعلت من قبل في ما يتعلق ببيانات مماثلة، فان من الواضح انها باعلانها تلك الخطوة اخذت المسؤولين في الادارة الاميركية على حين غرة.
ثم ان الخطوة تأتي بعد ان وقفت الولايات المتحدة الى جانب اسرائيل ضد مبادرة السلطة الفلسطينية للحصول على صفة دولة غير عضو، رغم ابتعاد حلفاء اوروبيين مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا الذين إما ساندوا القرار او امتنعوا عن التصويت عليه.
وبنتيجة ذلك كله، فقد صوتت 138 دولة لصالح القرار، وتسع ضده وامتنعت 41 دولة. ومجموعة الدول التي ظلت الى جانب الولايات المتحدة واسرائيل ضمت كندا، وجمهورية التشيك، وجزر الباسيفيك والتي تصوت عادة الى جانب الولايات المتحدة.
وقد بذل اوباما جهودا منذ اشتعال موجة العنف بين اسرائيل و”حماس” في غزة، ليعيد تثبيت التحالف الاميركي مع اسرائيل. ودافع عن حق نتنياهو في الدفاع عن اسرائيل في وجه الهجمات الصاروخية المنطلقة من غزة. وقام بايفاد وزيرة خارجيته هيلاري رودام كلينتون للمساعدة في التوسط لوقف اطلاق النار بين “حماس” واسرائيل.
وقد تصدى نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ والذي مولته اميركا لعشرات من صواريخ “حماس”، وكان ذلك دليلا واضحا على الدعم العسكري الذي تقدمه الادارة الاميركية لاسرائيل.
الا ان مسألة المستوطنات ظلت شوكة مقلقة تظهر بين حين وآخر. وكان اوباما عندما تولى منصبه قد دعا اسرائيل الى وقف الاستيطان كوسيلة لفتح الباب امام المفاوضات مع الفلسطينيين. الا ان نتنياهو لم يذعن لهذه المطالب اللهم الا في فترات موقتة من اعمال البناء.
وحدث العديد من أشد حالات التصادم مع رئيس الوزراء الاسرائيلي عند صدور هذه البيانات، وليس اقلها تلك التي وقعت خلال زيارة (نائب الرئيس الاميركي) بايدن التي احرجت الاخير وأغضبت اوباما.
ويقول بعض الخبراء انه يجب ان ينظر الى البيان الاسرائيلي على انه ليس اساءة موجهة لاوباما بقدر ما هو خطوة وقتها بدهاء زعيم اسرائيلي يعد نفسه لسباق اعادة انتخابه.
وقال آرون ديفيد ميلر، نائب رئيس مركز وودرو ويلسون للباحثين ان “بيبي (أي نتنياهو) شخص من النوع الذي يعمل وفق مبدأ العين بالعين. وقد قام عباس بتقديم مبادرة دولة غير عضو في الامم المتحدة – وهذا في نظر بيبي عمل احادي، وهكذا فان بيبي يرد بعمل مضاد من جانبه”.
وفي الوقت نفسه، يقول ميلر ان توقيت نتنياهو يحمل في طياته تقديرا لاعباء اوباما السياسية. اذ رغم انه اعيد انتخابه قبل فترة وجيزة، فان الرئيس الاميركي منهمك في مفاوضات صعبة مع الجمهوريين والديمقراطين في الكونغرس بشأن الاتفاق على الميزانية، اضافة الى فشل محتمل لتسمية مندوبته في الامم المتحدة سوزان رايس، مرشحته المحتملة لمنصب وزيرة الخارجية.
وقال ميلر “هل هناك وقت افضل للاعلان عن بناء المستوطنات؟ قد يكون اوباما اكثر قوة كرئيس اعيد انتخابه لولاية ثانية، لكنه يظل محصورا في الكونغرس بشأن قضية اسرائيل، فيما يعمل بيبي لدخول معركة اعادة انتخابه”.