الناتو يستعد للعدوان على سورية
(بما أن عملية نشر بطاريات صواريخ “باتريوت” سوف تستغرق “عدة أسابيع وليس شهورا”، إذا ما اتخذ الناتو قرارا بنشرها، فإن مهلة “عدة أسابيع” فقط تفصل سورية الآن عن المواجهة المباشرة مع حلف الناتو)
من المتوقع أن يستجيب حلف شمال الأطلسي “ناتو” وقيادته الأمريكية خلال الأسبوع الجاري لطلب تركيا نشر بطاريات صواريخ “باتريوت” على حدودها مع سورية، وبما أن هذه البطاريات دفاعية لاعتراض الصواريخ المهاجمة، وبما أن سورية ليست في وارد مهاجمة تركيا، لكنها بالتأكيد جاهزة للدفاع عن نفسها بالصواريخ الهجومية، فإن التفسير الوحيد للطلب التركي والموافقة المتوقعة عليه هو التمهيد للعدوان على سورية ونشر بطاريات “باتريوت” كإجراء وقائي ضد أي دفاع سوري عن النفس بالصواريخ ضد العدوان
. يوم الجمعة الماضي حذر مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي وهو يخاطب الجمعية العامة للهيئة الأممية في نيويورك من أن سورية سوف تتحول إلى “دولة فاشلة” ما لم يتم التوصل إلى “حل سياسي متفاوض عليه” لأزمتها الدموية.
لكن كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد تجديد ولاية رئيسها باراك أوباما في الشهر الماضي مصرة على إجهاض كل الحلول السياسية للأزمة وتتجه نحو التصعيد العسكري وهي تدرك تماما أن النتيجة الحتمية للتصعيد العسكري سوف تكون بالتأكيد نسخة سورية من “الدولة الفاشلة” التي قاد إليها التدخل العسكري الأجنبي في العراق وليبيا.
وقد نقلت رويترز عن وانا لانجسكو المتحدثة باسم الناتو قولها إن بطاريات الباتريوت بعد نشرها في تركيا سوف تكون تحت سيطرة القيادة الأمريكية العليا للحلف مضيفة في مؤتمر صحفي أن “من يضغط الزر” سوف يكون القائد الأعلى للناتو الأدميرال الأمريكي جيمس جي. ستافريديس الذي يملك صلاحية تفويض هذه المسؤولية لقادة الحلف على الأرض في تركيا.
ولا يترك هذا التفسير مجالا لأي شك في أن نشر الباتريوت على الحدود التركية مع سورية سوف يضع سورية تحت التهديد المباشر للناتو بعد أن ظل الحلف يتعامل مع الأزمة السورية حتى الآن عبر عضوية تركيا فيه. وبما أن عملية نشر بطاريات الباتريوت سوف تستغرق “عدة أسابيع وليس شهورا” إذا ما اتخذ الحلف قرارا بنشرها، كما قالت لانجسكو، فإن مهلة “عدة أسابيع” فقط تفصل سورية الآن عن المواجهة المباشرة مع حلف الناتو.
وكانت النيويورك تايمز قد ذكرت يوم الخميس الماضي في خبرها الرئيسي على الصفحة الأولى أن إدارة أوباما “تعد لتدخل أعمق” في سورية نقلا عن استراتيجيين ومسؤولين كبار في إدارته، وقالت الصحيفة إن مثل هذه التسريبات تستهدف “تهيئة الرأي العام لما هو آت أو، على الأرجح، لما كانت واشنطن قد بدأته فعلا في السر”، مضيفة أن الإدارة وحلف الناتو “جاهزان للموافقة على طلب تركيا نشر بطاريات صواريخ باتريوت على حدودها مع سورية الأسبوع المقبل.
وبينما الحجة لنشرها هي حماية تركيا من خطر لا وجود له بهجمات صواريخ من سورية”، فإن الهدف الحقيقي هو “ردع” سلاح الجو السوري ومنعه من قصف مناطق الحدود السورية الشمالية التي يسيطر عليها “المتمردون”المدعومون من الغرب، وهو ما يمهد الطريق لإعلان منطقة حظر طيران وفرض حكومة عميلة في تلك المناطق المفترض أنها “محررة”، تكون محطة رئيسية للتدخل العسكري المباشر من الولايات المتحدة تحت مظلة حلف الناتو، علما أن تأليف حكومة كهذه معروض على جدول أعمال “مؤتمر أصدقاء سورية” الذي يستضيفه المغرب في الثاني عشر من الشهر الجاري.
وكانت مذكرة رفعتها القيادة الأمريكية الوسطى وهيئة الأركان المشتركة إلى إدارة أوباما قد ذكرت “ترسانة الأسلحة الكيماوية” السورية كحجة أخرى للتدخل بقوات قدر البنتاغون عديدها ب(75) ألف جندي على ذمة النيويورك تايمز في منتصف الشهر الماضي، بعد أن هدد أوباما في آب الماضي لأول مرة علنا بالتدخل العسكري إذا تجاوزت سورية ما وصفه ب”خط أحمر” يتمثل في استعمال الأسلحة الكيماوية أو فقدان السيطرة عليها أو نقلها أو انتقالها إلى قوات غير نظامية صديقة أو معادية للحكم في سورية.
لقد صرحت المتحدثة بلسان الخارجية الأمريكية فكتوريا نولاند أن نظام باتريوت لن يستخدم خارج الحدود التركية، وصرح السفير الأمريكي المسحوب من دمشق روبرت فورد أن “الأسلحة ليست استراتيجية، بل إنها تكتيك” مضيفا أن “الحل العسكري ليس هو الحل الأفضل لسورية … وسورية بحاجة إلى حل سياسي”.
لكن الاستعدادات الأمريكية للتدخل العسكري تجرى كما يبدو على قدم وساق، وتدرس إدارة أوباما الآن “تزويد مقاتلي المعارضة بالأسلحة مباشرة بدلا من الاستمرار في استخدام بلدان أخرى فقط، وبخاصة قطر” لتزويدهم بها و”للعمل بطريقة وثيقة أكثر مع مقاتلي المعارضة في المناطق التي يسيطرون عليها إلى حد كبير الآن” على ذمة النيويورك تايمز.
وكانت الواشنطن بوست يوم الخميس الماضي قد ذكرت بأن هؤلاء المقاتلين حصلوا “على عدد يبلغ 40 نظاما صاروخيا يحمل على الكتف في الأسابيع الأخيرة”.
وتكرر واشنطن القول إن المساعدات التي تقدمها لمقاتلي من تسميهم “المعارضة” السورية هي مساعدات “غير مميتة”، لكن مدير وكالة المخابرت المركزية الأمريكية “سي آي ايه” الذي استقال مؤخرا بسبب فضيحة جنسية ديفيد بترايوس قال أثناء جلسة مصادقة مجلس الشيوخ في الكونجرس على تعيينه إن “المعونات غير المميتة للمحاربين، ومنها معدات الاتصال، تكون قاتلة وأكثر أهمية في بعض الأحيان من المتفجرات بسبب الميزات اللوجستية التي توفرها في ميدان المعركة”.
في تحقيق صحفي له نشره في موقع “كاونتربنش” الأمريكي بعد زيارة لسورية ذكر فرانكلين لامب في الثاني من الشهر الماضي أسماء 24 بلدا تتصدر قائمة تضم 36 بلدا قال إنها ترسل السلاح إلى سورية حاليا ثلثاها أعضاء في حلف الناتو وتمثل حوالي نصف الدول الأعضاء في الحلف البالغ عددها 28 دولة.
وقد أكد لامب في تحقيقه وصول الجنود المرتزقة لشركة بلاكووتر الأمريكية التي تعمل الآن باسم “أكاديمي” إلى الحدود التركية – السورية واقتبس من أسبوعية “جينز ديفينس ويكلي” وصفها لهذه الشركة بأنها الأكبر بين “المتعاقدين الأمنيين” من القطاع الخاص مع البنتاغون، وتوقع أن يقود تدخلها في الأزمة السورية إلى “زيادة تدفق الأسلحة الأجنبية” إليها. ولا يخفي “مقاتلو المعارضة السورية” لصالح من يقاتلون، فهم يطالبون علنا بالتدخل العسكري الأجنبي، لذلك فإن قتالهم وأي تدخل كهذا لا يمكن إلا أن تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي هي المستفيد الرئيسي منه
. ذكر موقع “ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي في السادس والعشرين من الشهر الماضي أن “هؤلاء المقاتلين” باسم المعارضة السورية قد وجهوا “ضربة قوية” لقدرة سورية على قتال الأعداء من الخارج عندما دمروا “أهم محطة رادار للانذار الالكتروني” بناها الروس لمراقبة إقلاع وهبوط الطيران الحربي الإسرائيلي من قواعد في النقب وأقصى جنوب دولة الاحتلال، وهي واحدة من ثلاث محطات مماثلة تمثل أعين سورية للانذار المبكر، قبل أن يضيف الموقع في اليوم التالي أن فريقا مشتركا من حلف الناتو وتركيا بدأ مسحا للمواقع الصالحة لنشر بطاريات باتريوت على الحدود مع سورية، وأن هذه الخطوة وغيرها من خطوات الاستعداد للبدء في التدخل العسكري من الولايات المتحدة والناتو في سورية قد نقلت تركيز الأضواء من “غزة إلى الحرب السورية”.
ويظل السؤال قائما: ما هي العلاقة بين تدمير محطة للانذار المبكر ضد العدوان الاسرائيلي وبين المعارضة و”تغيير النظام” في سورية ؟!
* كاتب عربي من فلسطين