مصر بين ارادتين : شعب ميدانها و اميركا و اخوانها…. فمن سينتصر ؟
نحن لا ننكر ابدا ان كثيرا من الذين نزلوا الى الشارع في البلدان العربية التي شهدت حراكاً ، صارخين بوجه الحاكم الذي اسلم قياده الى الغرب ، كانو يريدون حقا و اصلاحا ، و لكن كنا و لازلنا نستصعب التصديق بان الغرب سارع لاحتضان تلك التحركات الشعبية ، او حتى ارسال طيرانه من اجل اسناد ” الثائرين ” انه فعل ذلك من اجل نشر الحرية و الديمقراطية و العدالة في بلاد العرب . و الا كيف يمكن ان نقتع بان الغرب نفسه يدعم انظمة الاستبداد و استباحة الكرامات و الحقوق في مشيخات الخليج و ممالكه .
ان حقيقة ما جرى و يجري في البلاد العربية الان لم يكن الا تطبيقا حرفيا لما اوصى به مؤتمر هرتزليا الصهيوني في العام 2009 ( المؤتمر الذي تداعى اليه عتاة الصهيونية و مفكريها منذ هزيمة اسرائيل في لبنان و خروجها من غير مكسب او توقيع ) حيث راى ان انقاذ اسرائيل بعد خروجها من لبنان مهزومة امام انتشار الفكر المقاوم و الشعب المقاوم و قيام محور مقاومة فاعل في المنطقة لا يكون الا بصدام داخل الامة ، صدام على اسس دينية او مذهبية بين مكوناتها تكون اسرائيل بمنأى عن نارها ، او على اسس عرقية بينها و بين سواها من الاعراق تكون اسرائيل و الغرب هم المخطط و المحرك و المدير لها .
و قد تبنى الحلف الاطلسي هذه التوصيات و صاغ استراتيجته للعقد المقبل على اساسها بعد ان كان اخفاقه في الحروب و ميادين المعارك في كل من افغانستان و العراق و لبنان واضحا ، ما اضطره لاتخاذ قرار الانسحاب دون ان يتخذ قرار التراجع عن خططه و اهدافه في المنطقة الاستراتيجية الاهم في العالم . و هكذا و بعد اربع سنوات من الدراسة تلت حرب العام 2006 التي هزم الغرب فيها عبر هزيمة الجيش الاسرائيلي في مواجهة محور المقاومة كانت المنطقة على موعد مع استراتيجية غربية جديدة تقوم على نشر الفتن و اذكاء الصراعات و التدمير الذاتي للقوى فيها .
و هكذا كانت خطط الاطلسي المبنية على استراتيجية القوة الناعمة الذكية التي اسماها وفقا للنص الوارد في المفهوم الاستراتجي الذي اعتمده في العام 2010 ” ادارة الازمات ” الاستراتجية القائمة على ايجاد صراعات تدميرية داخلية تحرم المنطقة من الاستقرار وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة التي اطلقت في العام 2006 و فشلت بسبب هزيمة اسرائيل في لبنان ، كان الغرب و لا زال يريد صراعات تدمر المنطقة بما يمكنه من السيطرة عليها عبر اعادة اناج نظام المصالح الذي اعتمده بعد الحرب الثانية خاصة في الخليج حيث النفط . نظام يستبدل به حكاما استهلكوا و وهنوا بسبب عدم وجود قاعدة شعبية واسعة تسندهم ، او عقيدة دينية تحميهم من شعوبهم ، نظام يمكن الحكام الجدد من حفر خنادق المواجهة و الصراع على اساس طائفي و مذهبي .
لقد بحث لغرب عن طبقة من الحكام يرفعون عناوين و شعارات دينية تمكنهم من الصراع في مواجهة محور المقاومة الذي اتهم يوما من قبل الغرب ذاته بانه يسعى الى اقامة الهلال الشيعي ، اتهام يعلم كل ذي عقل خواءه و بطلانه لكنه اتهام كان لابد منه من اجل استثارة الهمم المذهبية و تشكيل تكتل سني في مواجهته ليدير الصراع السني الشيعي كما يريد الغرب .
و في البحث الغربي و التفتيش عن تلك الجبهة وجد الغرب ان المسلك المتاح محصور بتيارين من السنة العرب :
– الاول وهابي بقيادة المملكة العربية السعودية و هو تيار اختبر سابقا عبر اقامة تنظيم القاعدة التكفيري التدميري و الذي ادى و لا زال يؤدي الخدمات الاستراتيجية و العملانية الكبيرة للمشروع الغربي بدءا من افغانستان في الثمانينات وصولا الى العراق في العقد الحالي ،
– اما الثاني و كان بنظر المخابرات البريطانية اهم من الاول لعمق معرفتها به و علاقاتها التاريخية معه ، هو تيار الاخوان المسلمين المنتشر في اكثر من دولة من المشرق العربي الى مغربه ، و هو ذو تاريخ حافل في المواجهة الدموية مع الانظمة العلمانية في مصر و سورية ، و يحمل في اعماقه شهوة الانتقام و شهوة السلطة في الان ذاته . و بالتالي يكون العمل معه مضمونا .
في ظل هذه المتغيرات ، و النتائج الي قاد اليها البحث من اجل التنفيذ وجدت القيادة الغربية بان الارجحية للتعامل ، ستكون للاخوان المسلمين لاكثر من سب ، منها ما له علاقة مباشرة بالمقاومة كون احتضانهم سيؤدي الى ابعاد محور المقاومة عن القضية الفلسطنية حيث ان حركة حماس جزء من الاخوان و ان حركة الجهاد الاسلامي ذات جذور اخوانية ايضا رغم انها لم تستمر عليها بل اقامت لنفسها موقعا خاصا لا ينسب للاخوان . فكان القرار – الصفقة بين الغرب و الاخوان ( فليحكم الاخوان لمصلحة الغرب ) ، قرار اعتمد دون ان يتخلى الغرب عن التيار الوهابي الذي لا تستغني عنه حاليا كونه يملك المال و النفوذ في النظام العربي الرسمي و القدرات الاعلامية الهائلة ، فضلا عن حقد و عداء عقائدي مع الشيعة الى حد تكفيرهم و اعتبارهم بانهم ليسوا مسلمين لا بل ليسوا اهل كتاب ، و اضافة الى سبب اخر متصل بالسلوك الغربي اصلا هو عدم المراهنة على حصان واحد في الميدان .
ان اعتماد الغرب للمنظومة الثنائية لادارة الصراع كان نتيجة جهد بحثي تحليلي معمق قاده ايضا الى وجوب اقامة الكتلتين السنتين المتنافستين فيما بينهما و المتحدتين بتعاون تكاملي في مواجهة محور المقاومة ، و لان التيار الوهابي يملك السلطة في الخليج و لا حاجة لاعطائه المزيد منها فكان القرار بتسهيل وصول الاخوان الى السلطة في دول ما اسماه الغرب ” ربيع عربي : ( و هو اقصى درجات تزوير الواقع ) و لهذا كانت نتائج الانتخابات التي ادارتها و اشرفت عليها بشكل سري القوى الغربية ، نتائج قادت الاخوان الى السلطة في كل من تونس و مصر و ليبيا ، و هم يطمحون الى الوصول الى السلطة في سورية لتكتمل الحاضنة الاخوانية لاسرائيل و تبعد عنها خطر الحرب و خطر تهديد الوجود .
ان هذه الوظيفة – حماية اسرائيل – هي طليعة المهام التي من اجلها كان كل هذا الحراك المحتضن غربيا . و لكن الغرب كان يعرف بان هذه المهمة ستصطدم و بدون شك بالرأي العام الشعبي في تلك البلدان ، و هنا كان لابد من صياغة منظومة دستورية وقانونية من شأنها ان تحصن قرارات الحاكم حتى و لو جعلته ديكتاتورا مطلق الصلاحية و جعلته يكم الافواه و يعيد مشهد الحكم الاستبدادي القائم في مشيخات الخليج و ممالكه .
و لان الغاية حماية اسرائيل امنا و وجودا ، فان الغرب لا يجد ضيرا من اقامة انظمة الحكم الاستبدادية و لهذا لن يعبأ الغرب بما يجري في مصر الان من استباحة لكل قواعد الديمقراطية و الحكم العادل و الرشيد ، و لن يجد الغرب حرجا في تقبل قرارات محمود مرسي التي تقيم نظام الاخوان دون مشاركة المسيحيين او مشاركة نصف المصريين على الاقل ( القوى المدنية الوطنية و القومية و اليسارية ) لا يأبه الغرب لكل ذلك ، فالمهم عنده ان محمود مرسي قدم مراسم الحب و المودة لاسرائيل عبر رسالته لرئيسها لشمعون بيرس ، و التزم ممعاهدة كامب دافيد ، و تحول الى مرجعية ميدانية من اجل تقييد المقاومة في غزة و منعها من اطلاق طلقة نارية واحدة في اتجاه فلسطين المحتلة . و التالي ان سكوت الغرب عن قرارات مرسي لا بل تشجيعه عليها ( جاءت بعد 12 ساعة من اجتماعه بهيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الاميركية ) ان سلوك الغرب هذا جاء مكافأة لمرسي على نجاحه في الاختبار الغربي خاصة ابان مواجهات غزة الاخيرة ، و طبعا عندما نتحدث عن مصر لا ننسى ما يجري في لبيبا و تونس و هو على المنوال ذاته و ان كان بعناوين و صور اخرى لكن الاهداف و النتائج هي نفسها .
و الان و بعد اتضاح الصورة يطرح السؤال ايهما سينتصر في تلك البلدان و تحديدا الان في مصر : هل هي ارادة الشعب لمصري النزاعة الى الحرية و الاستقلال و التمسك بالحقوق القومية، ام ارادة اميركا التي تمليها على النظام الاخواني القائم حديثا في مصر ؟
ان الاشهر الثلاثة المقبلة هي التي ستقدم الجواب ، مع يقيننا بان الاخوان حزموا امرهم و قرروا اقامة دولتهم هم و ليس دولة الشعب المصري و انهم على حد ما قال احد ممثليهم في مؤتمر عقد في بيروت في الاسبوع الماضي ” مستعدون للضرب بيد من حديد و مهما كانت النتائج ، من اجل منع اي سلوك او تصرف يعترض مسيرتهم ” . لكننا نقول ان العصر الان هو عصر المقاومة و شعوب المقاومة ، و برأينا ان هذه الشعوب هي التي من المتوقع ان تنتصر في نهاية المطاف مهما كانت الكلفة ، و سيكون بدون شك لانتصار سورية بشعبها و جيشها و قيادتها ، الاثر البليغ في تعزيز الارادة الشعبية العربية الحقيقية غير المرتهنة للغرب .