أكبر نقابة في تونس” أتحاد الشغل” : تأخذ زمام المبادرة ضد “النهضة” الحاكمة.. ولن تسلم هذه المرة!
بعد قرار الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابا عاما يوم 13 ديسمبر/كانون الاول الحالي في كامل المحافظات وفي مختلف المجالات احتجاجا على ما يتعرض له نشطاؤه من عنف وانتهاكات في محاولة لـ”تهميشه وتركيعه” بات من المؤكد أن تونس تتجه نحو مواجهة عنيفة بين أعرق وأكبر منظمة عمالية من جهة وحكومة الائتلاف الثلاثي الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية من جهة أخرى.
وتبدو تونس مهد الربيع العربي تنزلق في مشهد محتقن اجتماعيا ومتشنج سياسيا نحو درك أسفل من الارتباك والفوضى قد تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة والمجتمع إن لم يتم تطويق “فتنة قادمة” قد تأتي على الأخضر واليابس.
لم يفاجئ قرار الإضراب العام الفاعلين السياسيين والاجتماعيين ولا التونسيين العاديين لأنه جاء نتيجة سنة كاملة من التوتر بين النشطاء النقابيين والحكومة لم تخل من التراشق وتبادل التهم.
تقول قيادات الإتحاد العام التونسي للشغل إنها “سئمت سياسة التسويف والمماطلة” و”ترفض رفضا مبدئيا وقطعيا نزعة الحكومة للهيمنة على الإتحاد وإفراغه من نضاليته وخلع استقلاليته التي دافعوا عنها في أحلك الظروف خلال نظامي الزعيم الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي”.
وتتهم الحكومة الإتحاد العام التونسي للشغل بـ”تأجيج الوضع الاجتماعي في البلاد وتجييش العمال ضدها واستغلال الأوضاع الاجتماعية لأبناء الجهات المحرومة من فقراء وعاطلين لتأليب الرأي العام عليها” حتى أنها لم تتردد في اتهامه بالوقوف وراء كل حركات الاحتجاج التي شهدتها تونس منذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي.
ورغم أنهم لم يتفاجأوا بإعلان الإضراب العام إلا أن حالة من الترقب والخوف بل والذعر سرت في التونسيين منذ ليلة الأربعاء/الخميس تاريخ قرار إتحاد الشغل إعلان الإضراب وباتوا على يقين بأن مجتمعهم المسالم سيدخل في مرحلة حرجة قد تزج بالبلاد في حالة من العصيان المدني.
لم يكن ذعر التونسيين مجانيا بل هو يعكس قدرا عميقا من الوعي بأن الإضراب العام هو تعبير عن قطيعة بين الإتحاد وسياسة الحكومة تذكرهم بالإضراب العام الذي شهدته تونس يوم 26 يناير 1978 وخلف أكثر من 500 قتيل بعد أن اقتنع الزعيم النقابي الحبيب عاشور الذي كان يرأس الإتحاد آنذاك بأن الزعيم الحبيب بورقيبة يريد كسر شوكة المنظمة الشغيلة.
ويؤكد العارفون بالشأن التونسي لا سيما الخبراء الاجتماعيين أنه من “الاستخفاف اختزال وصول العلاقة بين الإتحاد والحكومة إلى نفق مسدود في القضايا الاجتماعية على أهميتها” مؤكدين أن “الخلاف أعمق من ذلك بكثير لأنه له خلفيات مجتمعية وسياسية مرتبطة بالدور التاريخي والوطني للإتحاد وبطبيعة أداء الحكومة سياساتها التنموية إن كانت لها سياسات”.
الخلفيات السياسية
لم يكن اتهام رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي يعد الحاكم الفعلي لتونس الإتحاد بأنه “منظمة تجمع الراديكاليين المتطرفين” اتهاما سياسيا بريئا، فالحركة ذات المرجعية السلفية لا ترى في إتحاد الشغل سوى “معقل حصين للتيارات اليسارية والعلمانية” ولذلك قالت عناصر رابطة حماية الثورة التي هاجمت النقابيين في عقر دارهم يوم الثلاثاء أنها جاءت لـ”تطهر الإتحاد”.
وجاء رد الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل سريعا وواضحا وصارما بأن “الإتحاد هو منظمة نقابية مستقلة مفتوحة على كل الحساسيات الفكرية والسياسية وفي منأى عن أي تجاذب حزبي” مشددا على أن “خفافيش الظلام التي كشرت عن أنيابها لن تنال من مصداقية الإتحاد ومن استقلاليته”.
لكن النهضة تستبطن عداءا تاريخيا للإتحاد إذ لم يتردد راشد الغنوشي في القول في أواخر الثمانينات بعد خروجه من السجن إثر عفو من الرئيس السابق بن علي بان “النهضة طعنها الإتحاد من خلف لأنه لم يقف إلى جانبها في معركتها مع نظام الزعيم بورقيبة”.
وووجهت اتهامات الغنوشي آنذاك بالرفض القاطع من قبل النقابيين خاصة وأن رئيس الإتحاد آنذاك الحبيب عاشور تحدى كره بورقيبة للغنوشي وأدى له زيارة إلى بيته في حي بنعروس جنوب العاصمة وأثنى على جهوده في التصدي لغطرسة النظام.
قد تبدو اتهامات الغنوشي “مبررة” من وجهة نظره كشخصية دينية ذات مرجعية سلفية لكنها لا تبدو كذلك من خلال التاريخ النضالي لإتحاد الشغل.
خلال فترات الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي لاذ المناضلون اليساريون والعلمانيون والقوميون بالإتحاد تحت بطش كاريزما شخصية الزعيم بورقيبة ليجدوا فيه فضاءا نضاليا ديمقراطيا يتسع لجميع الحساسيات الفكرية والسياسية يروضهم على العمل النقابي والدفاع عن حقوق العمال بعيدا عن أية حسابات حزبية.
ونجح الإتحاد في بناء قوة اجتماعية سياسية قادرة على خلق توازن في المشهد التونسي فيما فشلت الأحزاب السياسية في معارضة نظام بورقيبة.
ولم تكن عين الغنوشي بغافلة عن مدى تأثير الإتحاد اجتماعيا وسياسيا حتى أنه دعا أنصاره في سنة 1987 إبان خروجه من السجن إلى “اكتساح الإتحاد” لكن دعوته تكسرت على شراسة النشطاء النقابيين الذين يرون في حركات الإسلام السياسي حاملة لمشروع مجتمعي شمولي يتناقض مع مبدأ الحريات.
استبطن الإسلاميون عداءهم لنقابة العمال ولم يتمنوا من التخلص منها ولا الترفع عنها حتى أنهم بعد ثورة 14 يناير 2011 تعاملوا معه كـ”عدو” وحاضن للتيارات العلمانية.
ومنذ تشكيلها إثر انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الاول 2011 ما انفكت حكومة حمادي الجبالي تتهم الإتحاد العام التونسي للشغل بالوقوف وراء حركات الاحتجاج التي تصاعدت وتيرتها فيما كانت قيادات الإتحاد ترد على الحكومة بأن دورها هو “الدفاع عن حقوق المحرومين والعاطلين وأن اتهامها هو شرف نضالي”.
وخلال حركات الاحتجاج السلمية التي شهدتها ولاية سليانة الأسبوع الماضي لم تتعاط الحكومة معها “تعاطيا اجتماعيا” بل تعاطت معها من زاوية سياسية إذ اتهم رئيس الحكومة حمادي الجبالي ضمنيا بأن الإتحاد يسعى إلى “إسقاط حكومة شرعية أفرزتها صناديق الاقتراع”.
وتفجر “الخلاف السياسي أكثر” لما ساندت مختلف أحزاب المعارضة ونشطاء المجتمع المدني إتحاد الشغل ودافعوا عن دوره المشروع في تأطير المظاهرات السلمية التي تطالب بالحق في التنمية.
ولما كان نشطاء الإتحاد يؤكدون أن وقوفهم إلى جانب أهالي سليانة لا يتعدى واجبهم النقابي لا غير كانت الحكومة تتهمهم بـ”تسييس” القضايا الاجتماعية للمحتجين وبضخ المال السياسي بل تم اتهام كل من حزب “حركة نداء تونس” التي يتزعمها الباجي قائد السبسي وحركة الوطنيين الديمقراطيين التي يتزعمها شكري بلعيد بـ”رشوة المتظاهرين”.
الخلفيات الاجتماعية
تبدو الخلفيات الاجتماعية للصراع بين الحكومة وإتحاد الشغل أكثر مشروعية من الخلفيات السياسية لأنها تؤشر الى سخط شعبي على حالة البؤس والحرمان والتهميش التي فتكت بقطاعات واسعة من المجتمع التونسي.
فقد فتحت الثورة أمام التونسيين سقفا عاليا من التطلعات والطموحات من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية بما في ذلك أبسط مقومات العيش الكريم بما في ذلك المياه الصالحة للشرب والنور الكهربائي والمسكن اللائق.
غير أن تطلعات التونسيين اصطدمت بفشل الحكومة لا فقط في تحقيق أهداف الثورة بل في توفير الحلول العملية المستعجلة لمعضلات الفقر التي صبر على تحملها التونسيون أكثر مما يتوقع.
ويعتبر الإتحاد العام التونسي للشغل نفسه المنظمة الأولى المعنية بالدفاع عن الحقوق الاجتماعية للتونسيين وتنظيم حركات الاحتجاج على أداء الحكومة المرتبك الذي فاقم الأزمات وحالات الاحتقان بدل تنفيسها من خلال انتهاج سياسة تنموية عادلة وواضحة.
خلال سنة كاملة عجزت الحكومة عن تحسين المؤشرات الاجتماعية التي تبدو مفزعة، عجز يرجعه الإتحاد العام التونسي للشغل إلى غياب أنموذج تنموي يتم انتهاجه بعد رسم ملامحه مع مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين فيما تخفف الحكومة من عجزها. ويقول رئيس الحكومة حمادي الجبالي أن “تقصير الحكومة ناجم عن صعوبة الظرف وندرة الموارد”.
لكن الخبراء في التنمية الاجتماعية والنشطاء النقابيون يقولون إن تونس في حاجة إلى أنموذج تنموي جديد يقطع مع “الاقتصاد المتوحش” و”يضع حدا لسياسة التفقير”.
ويشدد الخبير عبد المجيد البدوي على أن “الحكومة لم تنتهج أنموذجا تنمويا يحظى بتوافق مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وإنما اكتفت بترقيع سياسات نظام بن علي”.
ويرى البدوي أن “ترقيع السياسات التنموية التي انتهجها النظام السابق جعلت من الفقر ظاهرة إجتماعية تستوجب المعالجة العلمية العاجلة”.
أما الخبير بوجمعة الرميلي فقد لاحظ أن معالجة ظاهرة الفقر لا تتم عبر “سياسة الاقتراض التي تغرق المجتمع التونسي في التداين”.
ويضيف الرميلي أن مؤشرات الفقر “بلغت حدا لا يطاق وتحولت إلى وقود للاحتجاجات الأمر الذي يضفي مشروعية أوسع على نضال الإتحاد العام التونسي للشغل.
وتبلغ نسبة الفقر العامة فى تونس حاليا 25 بالمائة وفق مقياس عالمي حدد عتبة الفقر بـ 2 دولار للفرد الواحد يوميا وهو ما يعني أن مليونين تونسي من اصل 10 ملايين يعيشون تحت عتبة الفقر.
لكن نسبة الفقر في الجهات الداخلية التي تشهد احتجاجات متواصلة هي اكبر بكثير حيث تبلغ 50 فاصل 1 بالمائة في محافظة سليانة و46 فاصل 4 في محافظة القصرين و42 فاصل 3 في محافظة سيدي بوزيد وتناهز 38 بالمائة في محافظات باجة وقفصة وتوزر وقبلي وتطاوين.
وبشأن توزيع الفقراء حسب الشرائح الاجتماعية ينتشر الفقر بصفة كبيرة لدى العاطلين عن العمل بنسبة 40.3 في المائة ثم العمال في القطاع الزراعي بنسبة 28.9 بالمئة فالعمال في القطاع غير الزراعي فالمزارعين الصغار.
وكانت نسبة الفقر في حدود 15 بالمائة سنة 2000 ما يعني أن 10 بالمائة من التونسيين تدحرجوا إلى ما تحت عتبة الفقر خلال حوالي عشرية.
وبحسب المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية) يعتبر الفرد فقيرا عندما لا يتجاوز مستوى استهلاكه السنوي 1200 دينارا (حوالي 800 دولار) للفرد بالمدن الكبرى، مقابل 820 دينارا (حوالي 600 دولار) بالأرياف.
وخلال الأشهر الأخيرة نجح الإتحاد العام التونسي للشغل في نشر الوعي النقابي لدى الشرائح الفقيرة في حقها بالمطالبة بتحسين أوضاعها وقاد احتجاجات سلمية هامة وناجحة في المحافظات الفقيرة.
وقد ألقت احتجاجات الفقراء بظلالها على المشهد السياسي حتى أن التونسيين باتوا مقتنعين بأن الخطاب السياسي الذي يسوق للديمقراطية والحريات لا يعني لهم شيئا في ظل استفحال مظاهر الفقر المدقع.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي شدد الرئيس منصف المرزوقي على أن الديمقراطية الفعلية “لا تعني شيئا” دون “تنمية حقيقية” تساهم في “إخراج حوالي مليوني تونسي يعيشون تحت عتبة الفقر”، في إشارة واضحة إلى أن خطاب حكومة النهضة حول الانتقال الديمقراطي لا يعني التونسيين الشيء الكثير طالما تواصل فشلها في حل المعضلات الحقيقية للفقراء والعاطلين.
وأعرب المرزوقي عن خشيته من أن تتحول الديمقراطية في تونس إلى “لعبة نخب وأحزاب ولعبة مؤسسات فوق وخارج مشاغل المواطن” على غرار ما حصل في عديد البلدان.
وأحرج المرزوقي حكومة حركة النهضة حين طالبها بإيجاد حلول لظاهرة الفقر التي قال إنها أصبحت “تنخر المجتمع”.
وقال إن التحدي الذي يتعين رفعه اليوم هو “إخراج مليوني تونسي والمناطق المهمشة لعقود من الزمن، من الفقر، وتثبيت ديمقراطية فعلية وحقيقية تتماشى فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع الحقوق السياسية، والربط بين الديمقراطية الاجتماعية والسياسية”.
وقال المراقبون إن كلمة المرزوقي هي رسالة مساندة للإتحاد العام التونسي للشغل ونضاله المشروع ضد الحكومة.
ومما عمق حدة البطالة ارتفاع مؤشراتها التي تصل نسبتها العامة إلى 27 في المائة وتجاوز هذه النسبة 50 بالمائة في الجهات الداخلية مثل محافظات سليانة وسيدي بوزيد والقصرين وقفصة وتطاوين.
ويبلغ عدد العاطلين عن العمل 900 ألف من بينهم أكثر من 300 ألف من حاملي الشهادات العليا.
وقد ارتفع عدد العاطلين نتيجة توقف أكثر من 500 مؤسسة استثمارية تونسية وأجنبية عن العمل نتيجة الانفلات الأمني وغياب الاستقرار الاجتماعي.
ويدافع الإتحاد العام التونسي للشغل عن حق العاطلين في العمل فيما تقول الحكومة إن الإمكانيات المتاحة لا تسمح بتوفير مواطن الرزق المطلوبة رغم أن حركة النهضة وعدت خلال حملتها الانتخابية بتوفير 300 ألف موطن شغل.
تدهور المقدرة الشرائية
خلال أشهر الثورة تدهورت المقدرة الشرائية للتونسيين بشكل كبير ولم يطل التدهور الفقراء والشرائح الضعيفة بل طال الطبقة الوسطى التي تعد حجر الزاوية ومحرار الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
ويرى النشطاء النقابيون أن المجتمع التونسي يتعرض لعملية تفقير ممنهجة نتيجة الارتفاع المطرد لاسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بما فيها المواد الغذائية التي زاد في غلائها التهريب والاحتكار والمضاربة.
ويؤكد إتحاد الشغل أن ارتفاع نسبة التضخم إلى 6 بالمائة هو دليل قاطع على أن المواطن التونسي أرهقته أسعار المواد الغذائية.
وتمثل المواد الغذائية 40 بالمائة من استهلاك التونسيين.
وحسب إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء، بلغت نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية 10 بالمائة عام 2012 مقارنة بعام 2011 فيما ارتفعت الخضر والفواكه بنسبة 50 بالمائة.
وأظهرت بيانات المعهد أنّ الطبقة المتوسّطة قد فقدت 30 بالمائة من مقدرتها الشرائية شهريا.
ورغم جهود إتحاد الشغل فإن الزيادات في الأجور لعام 2012 لم تتجاوز نسبة 6 في المائة وهي زيادة هزيلة جدا.
ويشتكي التونسيون من موجة ارتفاع الأسعار التي طالت كل المنتجات والخدمات دون استثناء.
يقول حبيب الرياحي (متقاعد) إن”كل شيء أصبح مشطا دون استثناء..المنجات الغذائية الأساسية والنقل والتجهيزات المنزلية دون التغافل عن فواتير الماء والكهرباء”.
ومن جهتها تقول سامية بالطيب، ربة بيت تبلغ من العمر 36 سنة “يصعب إحكام التصرف في النفقات اليومية للعائلة بالاعتماد على دخل وحيد إذ يجد المواطن نفسه في آخر الشهر مضطرا لدفع معلوم الإيجار فضلا عن تامين معاليم استهلاك الماء والكهرباء وغيرها من مستلزمات الحياة”.
وأعربت راضية البوزيدي، وهي عاملة تبلغ من العمر 40 سنة، عن امتعاضها من الفوارق الاجتماعية والتباين الكبير بين تكلفة الحياة وقيمة الأجور معترفة بأن “العامل البسيط يعيش اليوم في تونس صراعا متواصلا من أجل بلوغ موفى كل الشهر دون اللجوء إلى التداين”.
غير أن إلياس العاصمي رئيس قسم الظرف الاقتصادي بالمعهد الوطني للإحصاء أرجع ارتفاع الأسعار إلى “عدم قدرة المؤسسات الاقتصادية في تونس على توفير حاجيات التونسيين الذين يمرون بظروف استثنائية فضلا عما أحدثه تنامي ظاهرتي الحركات الاحتجاجية والإضرابات من تعطيل لدواليب الإنتاج في مؤسسات الإنتاج”.
وأضاف العاصمي أن الوضعية “تدهورت أكثر ببروز تصرفات جديدة للتجار والصناعيين والأفراد يعكسها تنامي ظواهر الاحتكار والمضاربة والتهريب بالإضافة إلى ارتفاع مظاهر اللهفة وتخزين بعض المنتجات من طرف المواطنين التي يضاف إليها عنصري تحرير الأسعار وغياب المراقبة الاقتصادية المنتظمة”.
ولاحظ العاصمي في السياق ذاته أن تحرير الدينار التونسي وتراجع قيمته إزاء اليورو والدولار “لعبا دورا محوريا في ارتفاع أسعار بعض المنتجات الموردة”.
وبرأي المتابعين للشأن التونسي فإن خلفيات “المواجهة” بين الإتحاد العام التونسي للشغل والحكومة التي يتداخل فيها السياسي مع الاجتماعي مع الحياة اليومية للمواطن التونسي تعكس في الواقع أزمة مجتمعية عامة تستوجب حوارا وطنيا عميقا وصريحا بين الفرقاء من أجل بناء أرضية توافق حول خارطة طريق تشارك في رسم ملامحها كفاءات وخبراء في التنمية من أجل انتهاج أنموذج تنموي جديد ينأى بتونس عن أي انتكاسة لمسارها السياسي والتنموي.