مزاعم “الكيماوي”.. والحرب النفسية على سورية
في سيناريو متكرر دولياً، يشبه إلى حد بعيد ما حصل في العراق، يحاول الغرب اليوم تكرار المشهد؛ في مسرحية ضعيفة الإخراج الدرامي، بالحديث عن خوف من أسلحة دمار فتاكة قد يستعملها النظام السوري ضد معارضيه، ما يدفع بحلف شمالي الأطلسي إلى الموافقة على نشر صواريخ “بتريوت” في تركيا.
وكما اتهم كولن باول سابقاً النظام العراقي بامتلاك أسلحة دمار شامل، وعرض وثائق مزوّرة في مجلس الأمن لتبرير حرب وقائية ضده، قام مسؤول أميركي باتهام الحكومة السورية بتجميع المكوّنات الكيميائية الضرورية لتجهيز الأسلحة الكيميائية، فانطلقت التحذيرات الغربية و”الإسرائيلية” لسورية، وهدد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي من أن أي استخدام من الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية سيؤدي إلى رد دولي فوري.
المختلف عن السيناريو العراقي، أن الغرب لا يتحدث عن خشية على “إسرائيل” أو على نفسه وحلفائه، كما كان خلال المسرحية العراقية، بل يُظهر للعالم اهتماماً بالمدنيين وأرواحهم، واهتماماً بتطبيق معايير القانون الدولي الإنساني، باعتبار أن استعمال الأسلحة الكيمائية ضد المدنيين، يعدّ جريمة حرب أكّدت عليها المحكمة الجنائية الدولية في نظامها الأساسي (المادة 8/ بند 18).
لكن تذرّع الغرب بحقوق المدنيين لا يبدو مقنعاً، بعد أن نشرت منظمات عالمية كبرى مثل “هيومن رايتس واتش” والعفو الدولية وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية، تقارير تؤكد حدوث انتهاكات هائلة لحقوق الإنسان من قبل مسلحي المعارضة السورية، المدعومين من قبل الدول الغربية نفسها التي تغضّ النظر عن تلك الانتهاكات، وتزوّدهم بالأسلحة والعتاد، وكان آخر ما كشفته “هيومن رايتس واتش” تقرير حول إثباتات تدين المعارضة السورية المسلحة بتهمة تجنيد الأطفال.
أما قول إن انتهاكات المعارضة لحقوق الإنسان لا يمكن موازاتها بانتهاكات النظام، فهو قول غير منطقي في ميزان القانون الدولي الإنساني، فانتهاك موصوف للقانون الدولي أو جريمة حرب من أي جهة، لا يمكن تبريرها بجريمة حرب من قبل الطرف الآخر، فقد صنّف القانون الدولي الإنساني تجنيد الأطفال القصّر بأنها جريمة حرب أيضاً، وقد أكد على ذلك نظام المحكمة الجنائية الدولية في نفس المادة( 8/ البند 26).
كما كان البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف – وهو ينطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية كالحالة السورية – قد نصّ على أن الأطفال دون الخامسة عشرة الذين يشاركون في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، يظلّون يتمتعون بالحماية الخاصة التي يكفلها القانون الدولي الإنساني، وإن تنفيذ أحكام القانون الدولي الإنساني التي توفر حماية خاصة للأطفال، هو بمنزلة مسؤولية جماعية معنوية، تقع على عاتق الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، التي يتعين عليها احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامها، ما يعني أن على الدول الغربية الراعية لهذه المجموعات أن تكفل احترام حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الأطفال بشكل خاص.
واللافت أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون كان قد التزم الصمت حيال التقارير التي تشير إلى تجنيد أطفال في القتال في سورية، علماً أنه كان قد رحّب بالحكم – الوحيد – الصادر لغاية الآن من المحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل نظامها الأساسي حيّز التنفيذ عام 2002، وهو الحكم الصادر بحق توماس لوبانغا، الذي أدين بتهمة تجنيد أطفال دون سن الخامسة عشرة في القتال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد اعتبر الأمين العام حينها هذا القرار خطوة مهمة إلى الأمام في تحقيق التزام المجتمع الدولي، لضمان تقديم مرتكبي الجرائم ضد الأطفال في حالات النزاع المسلح إلى العدالة.
في كل الأحوال، إن ازدواجية المعايير المعتمدة من قبل الأمم المتحدة ودول الغرب باتت أمراً طبيعياً مرتبطاً بالمصالح والقوة والنفوذ، ومن هذا المنطلق بالذات، فإن الادّعاء بوجود أسلحة كيماوية في سورية، والتلويح بالتدخل العسكري شبيه بالتدخل الذي حصل في العراق، لا يعدو كونه مجرد تهويل وجزءاً من الحرب النفسية التي تشنّ على السوريين، ومحاولة استعادة الهيبة ورفع المعنويات التركية، خصوصاً بعد أن سبّب إحجام الأطلسي عن السير وراء سياسات أردوغان الهجومية مصدر إحراج كبير لتركيا ودورها في المنطقة.
فعلياً، لقد انتهت مفاعيل التهديد بالتدخل العسكري في سورية منذ زمن، ولا حلّ للغرب بعد الانتكاسات المتعددة التي مُني بها إلا بالجلوس إلى الطاولة لتقاسم النفوذ مع الروس ومن معهم في المحور المقاوم، لترتيب الأوضاع في المنطقة ككل، وليس في سورية فحسب.