معارضون بحرينيون خسروا الجنسية.. ومستعدون للمزيد
«
في الصورة جواد فيروز سحبت منه الجنسية البحرينية
ــــــــــــ
لم أعرف وطناً غير البحرين، ولدت هناك من أبوين بحرينيين، والعيش بعيدا عن الوطن والأهل والناس من أصعب الأمور».. هذا ما قاله النائب السابق، القيادي في «جمعية الوفاق الإسلامية» المعارضة جواد فيروز منذ فترة. كلام فيروز جاء بعدما سحبت الحكومة البحرينية الجنسية منه، مع 31 معارضاً آخرين، بتهمة «الإضرار بأمن الدولة». وهو القرار الذي وصفه عضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق البروفيسور السير نايجل رودلي قائلاً «قرار حرمان ناشطين من الجنسية عبر إجراءات موجزة، هو صفعة في وجه حقوق الإنسان، وخطوة استفزازية تسمم الأجواء السياسية».
تجربة فيروز مع قرار سحب الجنسية تستأهل الوقوف عندها، فهو قال لـ«السفير» مستنكراً «ولدت في مستشفى السلمانية من أبوين بحرينيين، وترعرعت وعشت بين أحياء فريق المخارقة في المنامة ومن ثم في مدينة عيسى وحالياً في مدينة حمد، كما لم تكن لي أي هوية أو جنسية أخرى غير جنسيتي البحرينية الأصلية».
وروى القيادي المعارض عن مرارة التجربة شارحاً أن «من أصعب الأمور في حياة الانسان أن يعيش مغترباً بعيداً عن الوطن والأهل والأحبة، خصوصا وأنني عشت جلّ حياتي مع الناس، متواجدا في كافة مناسباتهم الاجتماعية وشاركتهم الأفراح والأحزان». ليعود ويستدرك بالقول إن «ذلك يهون في سبيل إحقاق الحق والاستمرار في تحمل المسؤولية للذود عن حقوق الشعب ومطالبه المشروعة».
أما عن كيفية استقباله لخبر سحب الجنسية، فقال فيروز «بالرغم من توقعاتي بأن النظام سيقدم على خطوات قمعية واستبدادية لتقييد حريتي ومنعي من حقي في حرية التعبير وممارسة العمل السياسي، ولكني لم أتوقع البتّة إصدار هذا القرار الجائر وبهذه الآلية. لقد صُدمت في بادئ الأمر بهذا الإجراء المخالف للدستور والمواثيق والعهود الدولية».
وعما إذا كان يفكر في العودة إلى البحرين، وفي أي ظروف، قال «الأولوية لي حالياً هي بحث كيفية الرجوع والعودة للوطن الغالي وأن أكون بين شعبي وأهلي وأحبتي، ولكن في ظل الظروف الحالية وغموض تداعيات قرار سحب الجنسية وحكم المحكمة، لازلت في طور التفكير في اختيار الموقع المناسب سواء في الخـارج أو الداخل للاستمرار في خدمة شعبي ووطني».
وأشار جواد فيروز إلى الخسائر التي ترتبت على سقوط الجنسية البحرينية، وهي «تتلخص في عدم الحصول على بعض الخدمات الرسمية، ولكنها ليست ذا أهمية مقابل التضحيات العظمى للشعب واستمراري معهم في الدفاع عن الحقوق والتمسك بالمطالب العادلة في تحقيق حياة حرة وكريمة».
ووصف فيروز ما قام به أحد المغتربين من تمزيق لجواز سفره البحريني، بأنه «عمل خاطئ وغير مسؤول، فالجواز وثيقة رسمية لا تمثل الأسرة الحاكمة ولا النظام المستبد وإنما تعريف بهوية المواطن للمجتمع الدولي والهدف منه سهولة التنقل بين دول العالم ليس إلا».
أما المعارض البحريني الدكتور سعيد الشهابي، وهو رئيس «حركة أحرار البحرين» الذي يعيش في بريطانيا منذ أكثر من 30 عاما، فقد تلقى الخبر ببرود، ولم يتعاط معه بكثير من الاهتمام، حسب ما أخبر «السفير».
وروى الشهابي بدوره ما جرى قائلاً «اعتدت سماع الأخبار السيئة من هذا النظام، بين أخبار الاستشهاد والاعتقالات والاعتداءات وهدم المساجد وإلغاء الجنسيات، ودائما ما أتوقع الأسوأ. كما تعودت ألا أرد على القضايا الشخصية وأن أتعاطى معها ببرود، كحكم المؤبد الذي صدر بحقي العام الماضي، وأعتقد أن هذه الإجراءات ستنتهي بسقوط النظام، وإذا لم يسقط فإنها ستتراكم ولن أقوم بشيء حيالها».
وذكّر الشهابي بأن النظام البحريني أصدر بحقه الكثير من الأحكام خلال الثلاثين عاما الماضية، وأن النظام دائما ما يبحث عن ضحايا ليلقي عليهم اللوم، ويرى أن من يتوقف عند قضيته الشخصية يبتعد عن خانة النضال.
كما أكد أنه سيستمر في العمل من أجل قضية الوطن والشعب البحريني، ولن يتوقف عند الهموم الشخصية عن الهموم الشعبية، «نحن نعيش بلدنا قضية وهما، وما يمنعنا من العودة إلى أرض الوطن الذي نحمله في قلوبنا هو العمل من أجل قضيته» كما قال.
وأضاف «عدت في العام 2001، عندما دشن الملك ما يسمى بعهد الإصلاح، إلا أنني لم أر إلا الديكتاتورية والاستبداد على أخوتي، فغادرت مجددا، وسأعود عندما ينتصر الشعب، وهو أمر حاصل لا محالة، ولا أراه بعيدا، حسب القوانين التاريخية والاجتماعية».
وكان القرار، الذي اتخذته وزارة الداخلية البحرينية عشية الانتخابات الأميركية، أثار ردود أفعال محلية بين مؤيد ومعارض، فيما جاءت ردود الأفعال الدولية جميعها منددة وشاجبة للقرار الذي اعتُبر تضييقا على المعارضين وإجراء غير قانوني.
ووصفت منظمة العفو الدولية القرار بأنه «مخيف وتقشعرُّ له الأبدان»، وقال فيليب لوثر، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، «اتخذ القرار لأسباب غامضة للغاية، وهو قرار يبدو أنه جاء بسبب الآراء السياسية للضحايا، ما يثير القلق العميق. والسلطات، بهذا الإجراء، إنما تجعل بعض أفراد المجموعة عديمي الجنسية، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي، شأنه شأن كل أشكال التجريد التعسفي من الجنسية»، داعياً السلطات البحرينية بإلحاح إلى إلغاء هذا «القرار المريع».
كما أعرب المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان روبرت كولفيل عن أسف المفوضية للقرار الذي اتخذته السلطات البحرينية، وأشار «مثل هذا القرار قد يحول نحو 16 من الذين سحبت جنسيتهم الى عديمي الجنسية»، وحث الحكومة على إعادة النظر في هذا القرار، الذي يمثل انتهاكاً واضحاً للمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أن «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما»، و«لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً».
في المقابل، برّر المتخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية المستشار محمد آل بن علي، وهو كان ضابطاً سابقاً في وزارة الداخلية البحرينية، قرار سحب الجنسية. وشرح ذلك بالقول إن «الفقه الدولي المعاصر يؤيد التجريد من الجنسية لحماية كيان الدولة من الأفعال الخطرة ضد أمنها القومي مع ضرورة تقيد استعماله إلى أقصى حد»، مشيراً إلى أن سحب الجنسية وسيلة ناجعة لحماية كيان الدولة الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، إضافة لكونه جزاء أو عقاباً لشخص أو عدد من الأشخاص ما دام ثبت في حقهم أفعال ضارة تهدد الأمن القومي، بحسب تعبيره.
وعن مدى قانونية هذا القرار، اعتبر المحامي البحريني محمود ربيع أنه «إجراء قانوني يصدر عن ملك البلاد يقضي بنزع الجنسية البحرينية عن المواطن سواء أكان أصيلاً أو مجنساً، بسبب عدم ولائه للمملكة أو ارتكابه أفعالاً تضر النظام السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي للمجتمع البحريني»، معقباً بأن «السند القانوني الذي أسندت له السلطات الأمنية في البحرين، هو نص المادة 10 من قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 والذي ينص على أنهُ يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في ثلاث حالات، إحداها التسبب في الأضرار بأمن البلاد».
ويضيف «يُلاحظ، حسب المادة المذكورة، أنها اكتفت بعبارة الإخلال بأمن المملكة ولم توضح نوع الإخلال ومدى لزوم صدور حكم جنائي من المحاكم البحرينية بإدانة المواطن عن هذا الإخلال»، وأشار ربيع إلى أن إسقاط الجنسية لا يعني إسقاط الحقوق الإنسانية لمن أسقطت جنسيته، ولا يعني ضرورة طرده من البلاد، كما أن بإمكانه التقدم بشكوى إلى السلطات القضائية للتظلم في القرار الذي صدر بشأنه من خلال «محاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة».
ويرى ربيع أن «إسقاط الجنسية شابه قصور قانوني إذ يجب أن يصدر مرسوم ملكي من الملك بسحب الجنسية لأنه صاحب الاختصاص الأصيل بموجب المادة المذكورة، أما صدور القرار من وزارة الداخلية فقد صدر من جهة الاختصاص غير الأصلية».
ويضيف «من جانب آخر نرى أن قواعد القانون الدولي تحفظ التعسف في تجريد الشخص من جنسيته، إذ تنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغيرها، كما نرى لزوم صدور حكم جنائي بائن من محكمة مستقلة بإدانة الشخص بإحدى جرائم أمن البلاد. ومن دون التقيد بهذه الضوابط فإن قرار إسقاط الجنسية بالطريقة التي صدر بها سيكون سيفا مسلطا على المعارضين».
وأشار ربيع إلى أن المشرع البحريني أجاز رد الجنسية البحرينية لمن فقدها على سبيل العقاب، وذلك من دون التقيد بوقت معين إذ تنص المادة 11 من قانون الجنسية البحرينية للعام 1963، والتي يتضمن نصها «يمكن بأمر عظمة الحاكم رد الجنسية البحرينية في أي وقت لمن فقدها بموجب أحكام المواد الثلاث السابقة 8 و9 و10».
وفي سياق مواز، (أ ف ب) تظاهر آلاف البحرينيين أمس، في قرية المقشع التي تبعد حوالي كيلومترين عن العاصمة المنامة، مطالبين بتنحي رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة الذي يحتفظ بمنصبه منذ استقلال البحرين في العام 1974.
وردد المتظاهرون شعارات «تنحى يا خليفة». وقال الأمين العام لـ«جمعية الوفاق» أحد أكبر التيارات المعارضة في البحرين، الشيخ علي سلمان «لا نريد أن يعين لنا أحد حكومتنا، نريد أن يكون منصب رئيس الوزراء خادماً للشعب».
وهذا التجمع هو الأول الذي تسمح به السلطات البحرينية بعد قرار وزارة الداخلية في 29 تشرين الأول الماضي بحظر التظاهرات والتجمعات.
وأكد سلمان أن «التظاهر والتجمع السلمي حق إنساني أصيل ومنظم في المواثيق والمعاهدات الدولية»، مطالباً بفتح دوار اللؤلؤة، مهد حركة الاحتجاجات في البحرين التي انطلقت في آذار العام 2001
.