مصر.. “الإخوان” تحت المجهر
مصر في عين العاصفة من جديد، ومشهد ميدان التحرير يعيد الى الأذهان مشهد «ثورة 25 يناير» 2011، والتي تبدو الوجوه فيها من خلال ما يحدث اليوم، قد تغيرت، لكن النوايا باقية!.
وبرزت باكراً نوايا الرئيس الإخواني محمد مرسي في تنصيب نفسه «فرعوناً» جديداً لمصر عبر سلسلة قرارات لم يتجرأ حتى الرئيس حسني مبارك على اتخاذها، حيث أقدم على إصدار إعلان دستوري جديد حصن به قراراته من أية رقابة قضائية ومنع بموجبها أي حل قضائي لمجلس الشورى والجمعية الدستورية، فيما اعتبره الشعب المصري انقلاباً على المطالب الديمقراطية لثورة 25 يناير وتحدياً للمعارضة عبر رفض ما تطالب به من مشاركة باتخاذ القرارات المصيرية في البلاد، متناسياً ان الرغبة في التغيير الديمقراطي عبر هذه الثورة هو الذي أوصله والاخوان للمرة الاولى لسدة حكم أكبر بلد عربي ومحوري في المنطقة.
ويرى متابعون للشأن المصري، ان بداية حكم الرئيس المصري تعتريه مطبات وثغرات كثيرة تفسح المجال للتساؤل عن مدى قدرته وقدرة الإخوان المسلمين على الإمساك بزمام السلطة في مصر في ظل هذه التحركات الشعبية والميدانية الخطيرة، وفي ظل توحد أصوات المعارضة بأجنحتها الليبرالية واليسارية والقومية ضد قراراته، والتي اعتبرت بأنّها انقلاب على المؤسسات الدستورية والقانونية.
فالمعارك التي ما فتئ الرئيس المصري يخوضها منذ وصوله سدة الحكم تبدو فاشلة وملتبسة وتحسم من رصيده الـ51% من أصوات المصريين الذين أوصلوه الى الحكم، فقد خسر أولاً معركة إحياء مجلس الشعب الذي تم حله دستورياً عندما أبطلت المحكمة الدستورية قراره، والمعركة الثانية تمثلت بوعود الـ 100 يوم التي لم يتحقق منها الكثير في مجالات الخدمات العامة، ليأتي التعثر الأكبر عبر اقتراح إبعاد النائب العام كـ»كبش فداء»، بعدما صدرت أحكام تبرئة المتهمين في قضية موقعة الجمل، لتكون كارثة الإعلان الدستوري الذي أخرج النار من تحت الرماد حيث خرجت المظاهرات لتقول لمرسي «إرحل» في نزاع مبكر للشرعية التي اكتسبها بصناديق الإقتراع والذي عززها وزاد من ترفه فيها!.
لم ينفع الدعم الأميركي لمرسي بعد انتهاء حرب غزة، ومحاولة توظيفها في الداخل مع الإنقسام الحاصل في صفوف أهل القانون حول مشاريع كثيرة دستورية وفقهية، إضافة الى استخفاف الإخوان بقدرة المعارضة على المواجهة في الشارع، حيث خالفت المظاهرات التي احتشدت في الميدان كل التوقعات، وتجرأ المتظاهرون على اقتحام مقر الجامعة وحزب الحرية والعدالة في مختلف المحافظات ومحاصرة المقر الرئاسي في الاتحادية «وهروب» مرسي من الباب الخلفي للقصر.
لم تقتصر مشاكل مرسي فقط مع الشارع المصري بل تعدتها لتطال الجيش والقضاء والإعلام، حيث احتجبت أكثر من 11 وسيلة إعلامية احتجاجاً على قرارات الرئيس التعسفية وأيضاً الغضب الذي أصاب القضاة بعد محاصرة مرسي لكبرى محاكم البلاد، وهي المحكمة الدستورية العليا، وتهديدهم بالإضراب وشل عملية الإشراف على استفتاء الدستور المقرر في 15 كانون الأول الحالي، فيما لو تم، هذه المسودة التي يقول المعارضون بأنّها وُضعت على عجل وبما يخدم مصالح وأهداف «الاخوانيين» فقط، وليس دستوراً لمصر «العظيمة» يناسبها لعشرات السنين.
لقد شهدت الجمعية التاسيسية للدستور في مصر احتداماً للخلافات بين القوى المدنية والتيار الاسلامي، مع سعي الأخير الى فرض تصوراته ومحاولة إرضاء التيار التيار السلفي المتشدد عبر المادة التفسيرية للمادة الثانية المتعلقة بالمصدر الرئيسي للتشريع بالشريعة، مما حذا بإعلان الكنيسة المصرية وجميع ممثلي التيار المدني للإنسحاب من الجمعية ليصبح التيار الاسلامي وحيداً في جمعية كتابة الدستور، وهو الوضع الذي يهدد بوضوح شرعية الدستور الجديد حتى لو حصل على غالبية بسيطة في الاستفتاء الموعود.
يبدو أن مرسي مصمم على المضي في المواجهة بعدما أعلن أمس عن المضي في موضوع الاستفتاء، وكرر الدعوة للمعارضة الى الحوار غير المشروط في خطوة تبدو متأخرة، وفي مشهد يضع الثورة المصرية بامتحان عسير يجعلنا نتساءل عن مدى نجاح الثورة المصرية في إرساء قواعد سليمة لحكم ديمقراطي جديد؟.
لقد دخل «الإخوان» في هذا السباق المعقّد بمعركة مفتوحة مع القوى المدنية مجتمعة والتي اتحدت عبر أحداث الأشهر الخمسة الأخيرة، ومعها الطبقة الوسطى والتي تخشى على مكتسباتها الاجتماعية في دستور الاخوان بجانب القوى الثورية التي وجدت نفسها على هامش الحياة السياسية بعد قرارات مرسي التفردية ما يفتح على مصر باب «حرب» سياسية صعبة تعيد التفكير بمكتسبات الثورة وما حققته، ويجعل تجربة الاخوان في السلطة والعالم العربي على المحك وتحت المجهر.