ما هي السيناريوهات المحتملة لازمة مصر؟ و ارتدادها على سوريا؟
عندما اطلقت اميركا و معها الغرب تسمية ” الربيع العربي ” على ما جرى من تحرك و مواجهة مع الانظمة القائمة في بعض البلدان العربية ، حاولت ان توحي بان “التحركات ” هذه (و رغم انها اتت في بعض الحالات ضد انظمة تدعمها ) هي “ثورات حقيقية” من اجل الحرية و العدالة التي يزعم الغرب تمسكه بها و يدعي انها جزء رئيسي من القيم التي يعتمدها و يسعى الى نشرها ، لذا و بعد ان تظاهر الغرب بانه فوجئ بالامر سارع لاحتوائه و توجيهه حيث يريد . و لقد وقع الكثير من الاطراف العاملين في السياسة او الاعلام او حتى في المجال الفكري ، وقعوا في الفخ فساروا مع الغرب و اعتمدوا مصطلحه ، و تحمسوا له رافضين حتى انتقاد العبارة .
لكن و مع هذا الحماس للمصطلح استمر فريق واسع من المفكرين و الباحثين الموضوعيين يرون ان عبارة ” الربيع “لا تتلاءم مع الواقع و النتائج التي اسفرت عنها تلك الحركات خاصة اذا توقفنا عند المشهد المؤلم القائم في الاقطار التي عصفت فيها رياح “الربيع ” المزعوم و التردي الذي اصاب بنية الدولة فيها و المستوى المعيشي المتدهور لابنائها فضلا عن التبعية و الارتهان للغرب من قبل الانظمة المستحدثة .
و اذا قفزنا فوق ما يجري في تونس من اضطرابات اعقبت اقامة “سلطة الاخوان ” فيها ، و ما تتخبط فيه ليبيا من مشاكل و اختلال في الامن و الاستقرار و نهب للثروة الوطنية في ظل “شبه السلطة” التي اقامها الناتو بعد قتل 150 الفا من ابنائها اثناء عملياته التي ادعى انها كانت ل “مساعدة الثوار” على التخلص من حكم معمر القذافي ، فاننا نتوقف عند المشهد المصري الذي يمكن و بالتحليل الموضوعي معرفة حقيقة هذا” الربيع المزعوم ” ، للتمكن من استخلاص العبر و اسقاطها على امكنة اخرى خاصة سورية و مسار المواجهات فيها .
لقد سارعت اميركا لاحتواء الحركة السياسية في مصر ووضع اليد عليها بعد ” الانتفاضة ” ضد حسني مبارك ، قامت بذلك بعد ان ادركت انها لن تقدر على متابعة العمل مع ذاك الرئيس فاوحت له بانها تخلت عنه ما اضطره لمغادرة الرئاسة في اقل من شهر من بدء التحرك ،ترك منصبه لانه كان يعلم بان سلطته تستند اصلا على الدعم الغربي في مواجهة الشعب الرافض له ، فخرج من المشهد فاتحا الطريق امام اعادة انتاج السلطة و تشكيلها باشراف اميركي ..
و بسقوط مبارك دخلت مصر في مرحلة انتقالية بحثاً عن نظام حكم جديد ، و كان واضحا ظهور التنافس بين التيارات العلمانية و الدينية لتولي الحكم و لكن المفارقة تمثلت في مدى تغلغل اميركا في هذه التيارات حيث نجد :
– التيار العلماني اليميني و قد جمع المتنافضين و كانت معظم مكوناته ان لم تقل كلها ترتبط بعلاقة ما با ميركا بدءا بالمجلس العسكري الذي تولى الزمام بعد مبارك و هو في الاصل نتاج البئية التي تشكلت اثر قرار السادات بالانقلاب الاستراتيجي و الالتحاق باميركا ، و مع المجلس نجد شخصيات تصنف في معظمها اميريكية الهوى و التبعية خاصة و ان اميركا اعتمدت عليهم في اكثر من مهمة دولية او عربية.
– التيار الديني و فيه كتلتان رئيسيتان السلفيون المرتبطون ب (السعودية ) و بالتالي تطمئن اميركا لمسارهم ، و الاخوان المسلمون الذين عقدت اميركا معهم الصفقات بمساعي كل من بريطانيا و تركيا و قطر . (لم نذكر الصوفين لاستنكافهم عن السعي الى السلطة)
– التيار المدني اليساري و هو متعدد المكونات و الاتجاهات و يتمثل بالتيارات الوطنية و القومية و هي في اكثريتها ليست على علاقة مع اميركا لا بل ان بعضها في حالة جفاء و ريبة و حذر من اميركا .
و استنادا الى هذا الخريطة اختارت اميركا – على عادتها – اللعب على حصانين فدعمت التيارين الاول و الثاني معا ليتنافسا على ارضائها ، فايدت المجلس العسكري في قراراته المتجاوزة للدستور و الصلاحية و التي جعل من نفسه عبرها مجلسا لكل للسلطات ( لكنه بقي يحاذر التماس و الاشتباك مع السلطة القضائية ) و في الوقت ذاته اوحت للتيار الديني و على راسه ” الاخوان المسلمين” بانها تريد انتقالا سريعا للسلطة و ان تتولى هذه الجماعة شأنها. ثم عملت على محاصرة التيار اليساري لتحول دون وصوله باي شكل من الاشكال.
لقد تمكنت اميركا في نيف و سنة تقريبا من ترويض التيارين المعتمدين لديها و جعلتهما يقدمان ما تريد ، حيث ان المجلس العسكري جاهر اثناء توليه للسلطة بتمسكه باتفاقية كامب ديفيد ملتزما عدم التراجع عن حرف فيها ، كما ان الاخوان المسلمين الذين حاولوا في البدء ممارسة لعبة الالفاظ الملتبسة ، عادوا و استجابوا لها باعلانهم الواضح و الصريح انهم ملتزمون بالاتفاقية نصا و روحا ثم ذهبوا الى ابعد من ذلك لابداء الاستعداد لعقد صفقات تتناول قناة السويس و اقامة القواعد العسكرية الاميركية في مصر و االتدخل في مواضيع لم بجرؤ حتى حسني مبارك على الخوض فيها . و بهذا نشأت الطمأنينة المتبادلة بين اميركا و جماعة الاخوان ، ما مكن اميركا من حزم امرها و اعتماد هذه الجماعة جهة مطلقة الصلاحية لحكم مصر و انسحب الامر على موقف اميركا من الجماعة في بقية دول الربيع المزعوم . و اطمأن الاخوان للثقة و الدعم الاميركي و تدرجوا في المواقف حتى استولوا على السلطة بكاملها بعد ان تنكروا لقول مؤسس حركتهم بانهم “دعاة و ليسوا قضاة.” و هنا مارسوا سياسة الاستئثار و الاقصاء، و شكلوا في سرعة قياسية منظومة الحكم الاستبدادي الذي يحصر السلطات كلها في يدهم دون منازع، او شريك .
كان “الاخوان ” و من ورائهم اميركا يتوقعون او يحسبون بان الشعب المصري ، و معه التيارات المدنية ستستسلم للامر الواقع و تنصاع لحكمهم كما انصاعت من قبله لحكم مبارك ، لكن الحساب كما يبدو لم يكن دقيقا حيث تبين ان الوعي الجماهيري في مصر متقدم و انه يحول دون نجاحهم ، فكان الرفض الشعبي للاداء الاخواني و كانت الانتفاضة المصرية الثانية ، حركة تعامل معها الاخوان بالاهمال اولاً ، ثم بالقمع المليشوي ثم بالتذاكي و الالتفاف و المناورة التي لم تقنع الجماهير ، و بات المشهد المصري الان مفتوحا على اكثر من سيناريو منها :
أ. السيناريو الاول: استمرار جماعة الاخوان في الحكم و عدم اعترافهم بالفشل و السير قدما في المعركة ضد الشعب المصري الى اخر الطريق في المواجهة ، و سيكون لهذا السلوك تداعيات منها :
1) دخول مصر في حالة من النزاع الداخلي الطويل المدى ، ثم تطور الامر نحو اعادة طرح مصير وحدة مصر و تماسكها الوطني ، خاصة اذا لم تتمكن الجماعة من حسم الموقف لصالحها ( و هي عاجزة عن الحسم ضمن المعطيات القائمة ) .
2) قيام الغرب باعادة تقدير الموقف مع انتظار النتائج التي ستسفر عنها مواجهات مصر لاختيار السياسة المناسبة حيال الازمة السورية.ما سيعني مزيدا من القتل و الدمار و انعدام الاستقرار في المنطقة . و هنا قد يكون مبررا التفكير بتراجع الدعم الخارجي للحركات المسلحة العاملة في سورية خاصة ذات الانتماءات و الجذور التكفيرية و الاخوانية ما سيمكن الدولة في سورية من تحقيق انجازات ميدانية مؤثرة في مواجهتها.
ب. السيناريو الثاني: تمكن القوى المناهضة للاخوان من كسر شوكتهم و حملهم على الاعتراف بالفشل في ارساء دولتهم في مصر هنا سيكون للامر تداعيات على اكثر من صعيد منها :
1) ارتداد الفشل على الجماعة في اكثر من موطن ،سواء في البلدان التي استطاعت الوصول الى السلطة فيها كتونس و بدأنا نلاحظ استشراء انفلات الامن و تراجع الاستقرار السياسي فيها ، او في البلدان التي يحاول الاخوان حكمها ، حيث ان اداءهم في مصر شكل صدمة كبيرة للناس و باتت الجماعة موضع شكل و ريبة و لا يتقبلها او يصدقها عاقل.بعد افتضاح امرها و طبيعتها المنافية لقواعد العدل و الحرية .
2) تراجع اميركا عن تبني حكم الاخوان و و العودة الى التيار العلماني اليميني الذي تعول عليه لمسك البلاد و تأمين مصالحها فيها .
3) اعادة النظر في المواقف الغربية من الازمة السورية ، و هي مواقف قامت على دعم جماعة الاخوان و السلفيين و في حربهم على الدولة السورية لتدمير اقتصادها و جبشها و وحدتها الوطنية و منع اقامة الدولة القوية التي تزعج اسرائيل . و هنا سيكون المجال متاحا اكثر امام الدولة لتقليص مدة معركتها الدفاعية و اعادة الحال الى نصابه .
ج. السيناريو الثالث : قيام التيار العلماني اليميني و بدعم اميركي خفي بعملية انقاذية يبادر اليها الجيش المصري عبر اعادة احياء المجلس العسكري و هنا يمكن تصور احد الامور التالية :
1) وضع الجيش يده على السلطة و عزل جماعة الاخوان و العودة الى ما كان حصل بعد اسقاط حسني مبارك .و هو امر سيعيد تكرار التجارب السابقة مع احتمال تحول مصر الى حكم العسكريين بوسائل و مؤسسات مدنية .
2) ضبط الجيش للوضع و بالتفاهم مع الاخرين و دفع القوى السياسية لحوار مع ممارسة الضغوط على جميع الاطراف من اجل الوصول الى حلول توافيقية و صيغ مقبولة للدستور و قانون الانتخاب .
3) تراجع المراهنة الغربية و الاميركية على الاخوان المسلمين في داخل مصر و خارجها خاصة لجهة ما يروج من قرب الاعلان الحكومة الاخوانية لقيادة المرحلة الانتقالية في سورية .
و رغم اننا نتمنى لمصر الخروج السريع الآمن من ازمتها ، فاننا لا نرى حظوظا مرتفعة للسيناريو الثاني او الثالث و اننا نرجح حصول السيناريو الاول خاصة مع خروج المرشد العام للجماعة بموقفه بالامس و الذي قطع الطريق على اي حل سلمي للازمة بقوله بانهم ” ماضون في المواجهة مهما كلف الامر” موقف اتبعه مرسي بمناورته التي رفضت .