تمرين ديبلوماسي بين روسيا وفرنسا وإسرائيل قبل الإنتخابات الأميركية
باريس كانت مسرحاً لسلسلة لقاءات ثنائية جمعت مسؤولين فرنسيين وروس، وفرنسيين وإسرائيليين للتشاور والتنسيق، وذلك قبل أيام على انتخاب الرئيس الأميركي الجديد. فأين كانت نقاط الإلتقاء والإختلاف؟
شهدت باريس أمس محادثات منفصلة مثلّثة الأضلاع بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، ووزيري خارجية ودفاع روسيا سرغي لافروف وأناتولي سرديوكوف، غلب عليها طابع “التمرين الديبلوماسي لردم الهوة” بين المواقف الثنائية للدول الثلاث حول عدد من الملفات الدولية المتعلقة بموضوع المفاوضات بين الاسرئيليين والفلسطينيين، والأزمة السورية والملف النووي الايراني وتداعياتها على أمن واستقرار المنطقة. ويبدو أن هذا “التمرين” مفيد للأطراف الثلاثة بغية إيجاد نقاط تلاقٍ جديدة في انتظار انتخاب الرئيس الأميركي الجديد في السادس من تشرين الثاني.
وكان اللافت أن تجري هذه المحادثات بالتزامن بين الرئيس هولاند ونتانياهو من جهة وبين وزيري خارجية ودفاع فرنسا لوران فابيوس وجان ـ إيفل ودريان ونظيريهما الروسيين لافروف وسرديوكوف من جهة أخرى. وفي الوقت الذي استقبل فيه هولاند هذين الأخيرين التقى فابيوس بنتانياهو عصراً. وكانت حركة دائمة للسيارات الديبلوماسية العابرة الى نهر السين في الاتجاهين من دون أن يُبلّغ عن لقاء الوفد الروسي بالإسرائيلي.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده هولاند مع نتانياهو، ظهرت “علاقة دافئة” بينهما على حدّ وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي نفسه، لاسيما أنّ الرئيس الفرنسي وافق ضيفه على عدم تأييده لطرح مشروع الاعتراف بدولة فلسطين كمراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ناصحاً بالعودة الى المفاوضات من دون شروط، الأمر الذي تلقفه نتانياهو فأبدى ترحيبه بلقاء عباس في قصر الإليزيه إذا دعاهما الرئيس الفرنسي. وعلى رغم تشدّده في الموضوع الإيراني، لم يذهب هولاند إلى حدّ تبني “الخطوط الحمر” التي يطالب بها نتانياهو لكنّه أبدى استعداده لفرض عقوبات إضافية على طهران، معترفاً في الوقت نفسه “بالصعوبات والتداعيات التي تؤثر في حياة الشعب الإيراني”.
وعن الأزمة السورية، قال هولاند إن الوضع يزداد تدهوراً وثمة مخاطر من استمرار الحرب الأهلية إذا لم يتوقف العنف.
أما نتانياهو فقال: “تحدثنا عن سوريا ونحن نملك المعلومات نفسها عن الدور الذي تلعبه إيران وحزب الله اللذان يقدمان دعماً لهذا النظام. وهذا سبب إضافي لاحتواء هذا النظام الإيراني ودوره ودور الحزب في القتل الجماعي، وعدم حصول مجموعات لا نحبذها على ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية”. وهنّأه على موقف باريس المتشدّد حيال طهران لكنه استنتج بأن العقوبات أثرت على الإقتصاد الإيراني لكنها لم توقف البرنامج النووي الإيراني.
وإذا ظهر بعض التقارب بين باريس وتل أبيب حيال عدد من ملفات الشرق الأوسط، إلا أن خلاف باريس وموسكو لا يزال على حاله، على رغم محاولات تضييق الهوّة التي تباعد بينهما حيال الأزمة السورية. إذ أشار فابيوس في موتمره الصحافي المشترك مع نظيره الروسي، وحضور وزيري دفاع البلدين، إلى أنّ المناقشات حول إعلان جنيف الصادر عن “مجموعة العمل” بتاريخ 30 حزيران مستمرة، حيث أكد على وجود “اختلاف في الرأي والتقدير حول وجود بشار الأسد في هيئة الحكومة الانتقالية”، إلا أنه لفت في الوقت نفسه إلى “نقاط إتفاق” حول “الارادة المشتركة لوقف النزاع وتفادي العدوى الدولية” وحول “ضرورة احترام حقوق الأقليات الإتنية أثناء العملية الانتقالية، وضرورة ضمان سيادة مؤسسات الدولة” وأنْ “يتم توحيد قوى المعارضة وانْ يستعيد مجلس الأمن دوره لإيجاد حل”. وفي ردّ على سؤال، نفى تزويد المعارضة بالأسلحة أو وجود جنود فرنسيين على الأراضي السورية.
وإذا كان لافروف قد وافقه الرأي حول عدد من هذه النقاط إلا أنه حذر الفرنسيين والغرب من استمرار “حمام الدم إذا واصلا التفلسف في المطالبة بإسقاط الرئيس بشار الأسد بدعوى أنهم لا يحبون هذا القائد”، لافتاً إلى أن هذا الأمر ليس وارداً في إعلان جنيف وهو من اختصاص الشعب السوري فقط. وذكّر بان الحكومة عينت ممثلها في الهيئة الانتقالية بينما لم تقم المعارضة بالمثل حتى الآن.
وأكد لافروف بأن موسكو وباريس متفقتان على “ضرورة منع تقسيم سوريا إتنياً وطائفياً والحؤول دون انتشار الإرهاب في المنطقة على غرار ما جرى في السيناريو الليبي وتداعياته الإرهابية على دول الساحل والصحراء في مالي”، ومتفقتان أيضاً على “عدم وجود حل عسكري”. مضيفاً “أنه تجري في سوريا حرب أهلية بمشاركة مرتزقة يقاتلون إلى جانب المعارضة، ولا يزال هؤلاء المرتزقة يصلون إلى سوريا عبر حدودها مع الدول المجاورة”.
بالطبع هذا الاختلاف البين حول افق الحل للأزمة في سوريا لا يجب أن يطمس التوافق حول مالي وافغانستان ومكافحة القرصنة على قول فابيوس. وعليه نرى حدود هذا التمرين في جوانبه الثلاثة الفرنسية والروسية والإسرائيلية، فيما العيون تتجه نحو واشنطن لمعرفة إسم الرئيس الأميركي الجديد