وليد الفاهوم في “وطن الثدي”
عرفت الساحة الادبية الفلسطينية وليد الفاهوم صوتاً قصصياً ، وراوياً لحكايا المعتقلين السياسيين الفلسطينيين خلف القضبان الحديدية. وقد اثبت حضوره المتواصل خلال السنوات الماضية عبر الصحف والحلقات والمنابر الادبية المختلفة . وهو مثقف مشحون بالقلق الوجودي على مستقبل الانسان الفلسطيني والعربي، وينتمي الى اليسار السياسي والوطني والاتجاه الواقعي الثوري في الادب.
وبالرغم من ممارسته مهنة المحاماة الا انه يحب ويعشق الكتابة ، التي يقول عنها في قصة “الثدي” انها” تغتصبه ، فتظل الفكرة تلح عليه وتسبب له وجع الرأس والمعدة وتلح وتلح حتى يقوم فيرتب الاوراق ويمسك القلم ويقطع علاقته مع الزمان والمكان لكي يتخلص من الوجع”. وقد جاءنا وليد الفاهوم بمجموعة قصصية اسماها “وطن الثدي” ، تضم عدداً من القصص، التي كان كتبها ونشرها في صحفنا وادبياتنا المحلية ولا ريب ان وليد اختار القصة كجنس ادبي قادر على التعبير عن الواقع الاجتماعي والسياسي السائد ، وعن الآلام والهموم والآمال العريضة ، وكوثيقة تاريخية ومرآة صادقة تنقل القضايا والمشكلات ، التي تواجه المثقف والانسان العادي في حياته اليومية.
ووليد الفاهوم صادق في معالجة وتناول الموضوعات المطروحة في قصصه ، وهو يكتب عن امور وهموم عاصرها وعاشها وعايشها وشعر بها، وتجارب خبرها بنفسه، وقضايا انفعل بها اثناء ممارسته مهنة المحاماة وخلال عمله السياسي ونشاطه الاجتماعي والثقافي، فصاغها باسلوبه الخاص بدقة وصدق. ان قارئ قصص وليد الفاهوم يتابع بشغف تداعيات احداثها وبساطتها الطاغية وملامستها الشفافة لحقيقة الواقع ولموضوعاتها العامة ، التي تشكل عالماً غنياً بالتفاصيل الهادئة والمتفجرة ومعايشتها للواقع الحياتي المعاش، وتعمد الى بلورة سمات مغايرة ومخالفة لهذا الواقع من خلال وصف الأمكنة وتطور الاحداث ، ورسم ملامح الشخصيات وعناصرها المدهشة ، لكن في الوقت نفسه يستشف القارئ ان عدداً من القصص تطغى عليها الذاتية والسرد الذاتي الذي يصل احياناً الى حد الطفح، وان الكاتب يفرض نفسه على ابطال قصصه محدداً مواقعهم مسبقاً.
ويحاول وليد في نصوصه رسم صورة للمثقف العربي الذي تنازعه مشاعر الاحباط والاغتراب في مجابهته لقوى غاشمة ومتسلطة تسعى لاخضاعه وتكييفه لمشيئتها ، فيصور البطل في حالات اخفاقه ويأسه وتوقه الدائم والابدي الى التطور والتغيير الاجتماعي الراديكالي. واننا نحس بالثقافة المعرفية لوليد الفاهوم وقراءاته الموسوعية المتنوعة من خلال استخدامه واستحضاره وتضمينه لآيات قرانية واحاديث نبوية شريفة ، وذكره اسماء ادبية وفكرية كاحلام مستغانمي ومحمد شكري واسكار وايلد ، وآلهة واساطير كجلجامش وهاري كريشنا وغير ذلك. ومن ناحية البناء والخصائص الفنية الهندسية وعناصر التشكيل الجمالي هنالك توليفة تجميعية جبرية في القصص ، وقد اجاد وليد في تراكيبه ، التي جاءت منسجمة ومتلاحقة ،وتهب الحيوية والفاعلية والانسجام . لقد استطاع وليد الفاهوم ان يقدم لنا في مجموعته قصصاً بسيطة خالية من التعقيد والبهرجة الكلامية ولا تعتمد اسس وقواعد القصة الفنية التقليدية ، وذات دلالات واضحة الملامح تضغط على الكثير من الجراحات ، التي رافقت مجتمعنا.
واخيراً ، فانني لا اقدم في هذه العجالة تحليلاً واستعراضاً لقصص الكتاب، وانما هي ملاحظات نقدية سريعة واستنتاجات تكشفت وبانت لي اثناء قراءتي لنصوص وليد الفاهوم ، الذي اتمنى له عطاءً دائماً وموقعاً متقدماً على خريطة الادب في هذه البقعة من ارض الوطن .