أوروبا تتفكك
يحاول آرتور ماس رئيس وزراء مقاطعة كتالونيا في اسبانيا الحصول على الأغلبية في الانتخابات التي حدد لها موعداً في 24 تشرين الثاني، تمهيداً لإجراء استفتاء للحصول على الاستقلال والانفصال عن اسبانيا، طبقاً لحق تقرير المصير.
ستكون نتيجة الاستفتاء تحدياً واضحاً للدستور الاسباني. ولكن ماس يعتمد على الشعور القومي الذي تمثل في المظاهرة المليونية التي جرت في مدينة برشلونة في شهر ايلول الماضي. ويرجع السبب في طلب الانفصال إلى أن كتالونيا تقدم 20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لإسبانيا، في حين ان المقاطعـة تبـقى مهـملة ولا تُعطى من الاستثمارات الا القليل. كما ان اقليـم الباسك يطالب منذ وقت طويل بالانفصال عن اسبانيا. وقد قامت حركة «ايتا» بقيادة تحرك عسكري ضد الحكومة المركزية. ولم تتوقف تلك النشاطات إلا منذ وقت قصير.
لا تجري الحركات الانفصالية في اسبانيا فقط، بل ان الاسكتلنديين يطالبون أيضاً بالانفصال عن انكلترا. وقد حدد تاريخ الاستفتاء على الانفصال في خريف عام 2014. كما ان مقاطعة ايرلندا الشمالية تطالب بالانفصال منذ وقت طويل وذلك بقيادة الجيش الجمهوري الإيرلندي. وفي بلجيكا أيضاً فاز بارت دي ويفر بالانتخابات المحلية. ويعتبر الخبراء ذلك مقدمة لإنشاء الدولة الفلمانكية المستقلة.
وفي إيطاليا، في إقليم الفيرول الجنوبي يسود سخط كبير على حالة المقاطعات الجنوبية التي يسود فيها الفساد والفقر. وتطالب بالانفصال. ان تلك الحركات السياسية تتناقض تماماً مع سياسات الدول الأوروبية الرامية إلى تحقيق التكامل والاندماج فيما بينها، ونسيان الصراعات الدموية التي سادت من قبل. كما ان الاتحاد الأوروبي ينظر إلى عملة اليورو كمقدمة للوحدة السياسية بين الدول الأوروبية كافة.
وفي حين تتضاءل المشاعر السيادية في الدول الأوروبية، يبرز صراع جديد بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة. كما ان المقاطعات الغنية في قلب تلك الدول تنادي بالانفصال، حفاظاً على ثروتها من الذوبان في الأقاليم الفقيرة.
ويتزعم تلك التحركات بعض القادة السياسيين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة. ولا يدل ذلك الا على الأنانية المفرطة.
يقول بارت دي ويفر ان بلجيكا هي اتحاد انتقالي. ولا بد لها من التحول إلى فيدرالية او الزوال. وفي اسبانيا تطالب الاقاليم الصناعية، التي تقدم الجزء الأكبر من الناتج المحلي الاجمالي، بالانفصال. وإقليم الباسك الذي يطالب بالانفصال هو الأغنى في اسبانيا كلها. وعلى الرغم من ان الاقاليم تتمتع بحكم ذاتي، الا ان الحكم المركزي في مدريد هو الذي يسيطر على موازنة الدولة. وفي اسكتلندا ينتشر الشعور نفسه. ويريد الناس التخلص من السيطرة الانكليزية، على الرغم من ان الوحدة تحققت في القرن الثامن عشر.
ساهمت الأزمة المالية الخطيرة التي تعاني منها القارة الأوروبية حالياً، في زيادة الحماس للانفصال في بعض اقاليمها. فهل تتحقق نبوءة الفيلسوف السويسري رئيس دي روجمونت بعودة القارة الأوروبية إلى عهد الامبراطورية الرومانية المقدسة، التي كانت تتألف من عدد لا يحصى من المقاطعات الصغيرة؟