هل تنقذ وثيقة جنيف مهمة الإبراهيمي من الفشل؟
في أول اختبار لمهمته تيقن المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي أن الأزمة السورية خرجت من مسارها المحلي والعربي إلى الفضاء الدولي بعد فشل هدنة العيد كأول محاولة جادة على أرض الواقع.
والإبراهيمي بخبرته حاول أن يعطي لأطراف الأزمة السورية والمؤثرين العرب باتجاهاتها فرصة لتغليب الحل العربي على سواه من حلول رغم إدراكه أن تدويل الأزمة السورية في ظل الانقسام في مجلس الأمن صعب التحقيق، ويحتاج إلى جهود مضنية وصعبة لبلورة موقف دولي يفرض حلا مقبولا على أطراف الأزمة. ومع هذا الإحساس بصعوبة الحل يبدو أن المبعوث الأممي مصمم على المضي في مشواره عكس سلفه الذي تخلى عن مهمته في أول اختبار لها، وقد وجد الإبراهيمي في وثيقة جنيف التي توافق عليها أعضاء مجلس الأمن التي اقترحها المبعوث السابق كوفي أنان أملا للتأسيس عليها وتطويرها بأفكار جديدة، وما يشجع الإبراهيمي على ذلك، أن تلك الوثيقة نالت الإجماع عليها في مجلس الأمن.
ورغم أن الحكومة السورية والمعارضة المسلحة اختلفتا على تفسير بنود وثيقة جنيف إلا أنها قد تصلح لبلورة رؤية تأخذ بنظر الاعتبار مشاغل ومطالب الطرفين خصوصا، وأنهما تعاطيا بشكل إيجابي مع بنودها.
وتكمن أهمية وثيقة جنيف أنها تتحدث عن مرحلة انتقالية رغم عموميتها، إلا أنها قد تكون مدخلا للحل وتقرب من موقفي المعارضة والحكومة السورية في مناقشة تفاصيل الحل المنشود الذي يجنب سوريا المزيد من الدمار واحتمالية دخولها بالمجهول.
إن زيارة الإبراهيمي لموسكو وبكين، وقبل ذلك للعواصم العربية والإقليمية ستساعده على تطوير وثيقة جنيف بمقترحات جديدة تأخذ بنظر الاعتبار الحاجة لرعاية حوار جاد بين أطراف الأزمة لتجسير هوة الخلافات بينها، وتوظيف العناصر الإيجابية التي وردت في صيغة جنيف لتكون مقبولة من جميع الأطراف المؤثرة بالأزمة السورية.
إن دعوة الإبراهيمي لدول الجوار السوري لفتح حوار مع الحكومة السورية، وتشجيعها على اتخاذ خطوات تساعده على المضي في مهمته هي محاولة لكسر حالة الجمود، والانتقال بها من الركود إلى الفاعلية السياسية لفتح ثغرة في جدار الأزمة المسدود من خلال الحوار المستند إلى تلبية مشاغل وتطلعات الشعب السوري بالوسائل والاحتكام إلى مصلحة ومستقبل سوريا ومخاطر انزلاقها بالفوضى والمجهول، وجرها إلى الحرب الأهلية والعنف الطائفي.
وهذا الحوار المنشود رغم أن تركيا بادرت إلى رفضه سيشجع الحكومة السورية على اتخاذ خطوات واقعية فإنه بالوقت نفسه سيدفع المعارضة الداخلية والخارجية إلى الانضمام إلى هذا الحوار إذا تزامن بإجراءات عملية تعزز أجواء الثقة بين الفرقاء، وتقلل تأثير العوامل الخارجية في مسار البحث عن مخارج توافقية لأفق الحل المنشود.
وبتقديرنا أن أي حل ينبغي أن يكون مستندا إلى التنازلات المتقابلة التي تأخذ مستقبل سوريا وهويتها ودورها ومركزها في أمتنا بنظر الاعتبار؛ لأنه الضمانة التي تخرج سوريا من النفق الذي تسعى بعض الأطراف أن تبقيها فيه لتعطيل دورها مثلما جرى للعراق بعد احتلاله وتدميره وإخراجه من معادلة الصراع بالمنطقة لصالح العدو الصهيوني الذي أخل بميزان القوى بمنطقتنا.
من هنا تكمن أهمية الحوار في مهمة الإبراهيمي الذي يساعده على تطوير صيغة وثيقة جنيف وصولا إلى تحقيق الإجماع الدولي عليها؛ لأن أي صيغة للحل لا تكون قابلة للتنفيذ من دون اقترانها بالموافقة الجماعية في مجلس الأمن، فهو وحده القادر على فرض الحل في الأزمة السورية بفعل تأثيرات أعضائه على الأطراف المتنازعة.
وطبقا لتجربة الأشهر العشرين من عمر الأزمة السورية فإن خيار التدخل العسكري والاستقواء بالخارج ـ كما جرى للعراق وليبيا ـ لن يخرج سوريا من محنتها، وإنما سيكون هذا الخيار مدمرا لسوريا وشعبها، مثلما يكون خيار رفض الإصلاح والاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السوري.
فالتخلي عن خياري التدخل العسكري ورفض الإصلاح هما من يجنب سوريا العنف الطائفي لأنه الضمانة لوحدتها ومستقبلها، كما أنه سيساعد المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي في مهمته إذا اقترنت بالإجماع الدولي في مجلس الأمن الذي يسعى لتحقيقه الإبراهيمي.
أحمد صبري