خطف المعارضين … أسلوب قديم من أيام الاستخبارات السوفياتية
عشية يوم 21 أكتوبر، مَثُل رازفوزهاييف أمام محكمة باسماني في موسكو، وقد أصدرت هذه المحكمة قراراً باعتقاله بتهمة التخطيط لإثارة أعمال شغب، فحين سيق رازفوزهاييف إلى خارج المحكمة، صرخ للصحافيين قائلاً: «أخبروا الناس بأنني تعرضتُ للتعذيب».
في صباح يوم 19 أكتوبر، وصل ليونيد رازفوزهاييف، ناشط في حركة «الجبهة اليسارية»، إلى مكتب «الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين» في كييف، للحصول على معلومات حول إجراءات اللجوء السياسي في أوكرانيا.
في الساعة الواحدة ظهراً، ترك أغراضه في المكتب وخرج لشراء القهوة وما يأكله، ولكنه لم يعد أبداً، فشاهد حارس أمن في «الجمعية العبرية لمساعدة المهاجرين» عدداً من الرجال باللباس المدني وهم يجبرون رازفوزهاييف على ركوب حافلة صغيرة، حاول منعهم ولكنهم دفعوه وأخذوه إلى مكان بعيد.
عشية يوم 21 أكتوبر، مَثُل رازفوزهاييف أمام محكمة باسماني في موسكو وقد أصدرت هذه المحكمة قراراً باعتقاله بتهمة التخطيط لإثارة أعمال شغب. حين سيق رازفوزهاييف إلى خارج المحكمة، صرخ للصحافيين قائلاً: «أخبروا الناس بأنني تعرضتُ للتعذيب».
قام مفوض حقوق الإنسان فلاديمير لوكين بزيارة رازفوزهاييف في سجن ليفورتوفو، وقال إنه احتُجز في الحبس الانفرادي ولم يُسمَح له باختيار محاميه الخاص، وأكد أن رازفوزهاييف رفض خدمات المحامي الذي يرافع عنه راهناً في المحكمة. لكن لم يذكر لوكين شيئاً عن المكان الذي احتُجز فيه رازفوزهاييف طوال يومين وكيف وصل من كييف إلى موسكو. لم ترد أي معلومة عن هذا الأمر في البيان الرسمي للجنة التحقيق حيث ذُكر أن رازفوزهاييف استسلم طوعاً للسلطات الروسية.
تم الكشف عن حقيقة ما حصل مع رازفوزهاييف حين قابلته مجموعة من الناشطين في مجال حقوق الإنسان في ليفورتوفو. تبدو قصته وكأنها جزء من سلسلة أفلام «العراب» الشهيرة. عرضت الناشطة آنا كاريتنيكوفا ما قاله رازفوزهاييف على مدونتها التي تحمل عنوان LiveJournal.
«في الحافلة الصغيرة، ربطوا يديّ وقدميّ بشريط. حين كنتُ أحاول التحرك، كنت أتعرض للركل على ظهري أو كتفي. غطوا وجهي كي لا أتمكن من معرفة المكان الذي نقصده. بعد أن عبرنا الحدود، وضعوا أصفاداً بالسلاسل فوق الشريط وربطوا يديّ وقدميّ معاً. بقيت تلك الأصفاد حتى وصولنا إلى موسكو. لم يعطوني أي طعام أو ماء ولم يسمحوا لي بالذهاب إلى الحمّام. أخذوني إلى قبو في أحد المنازل. بدأوا يهددونني وقالوا إن أحداً لا يعلم بمكاني: «اليوم أنت موجود، لكن غداً لن يبقى لك أي أثر!». طلبوا مني أن أوقع على اعتراف وقالوا إن هذا الأمر وحده سينقذني».
أكدت وزارة الداخلية الأوكرانية حقيقة قصة رازفوزهاييف وأعلنت أن الناشطين الروس خطفوه.
يبدو أن جهاز الأمن الفدرالي اليوم يستعمل ممارسات الشرطة السياسية السوفياتية. اعتباراً من فترة العشرينيات، بدأ عملاء الاستخبارات السوفياتية يخطفون الأعداء السياسيين الذين هاجروا. في عام 1937، خطفوا يفغيني ميلر، رئيس حركة «الجيش الأبيض»، في فرنسا. فسيق إلى موسكو وسُجن في مقر الاستخبارات السوفياتية في لوبيانكا وأُعدم في عام 1939. في عام 1975 في فيينا، خطفت الاستخبارات السوفياتية نيكولاي أرتامونوف، قبطان في سلاح البحرية كان قد انشق عن النظام. قال الجنرال السابق في الاستخبارات السوفياتية أوليغ كالوغين الذي شارك في تلك العملية إنهم حقنوا أرتامونوف بمهدئ قبل عبور الحدود النمساوية، لكن تبين أن الجرعة كانت أقوى من اللزوم فمات أرتامونوف.
صرّح زعيم المعارضة ألكسي نافالني لمجلة «أفيشا» بأن «أعمال العنف غير الشرعية التي تمارسها السلطات هي ردة فعل لأنها فقدت السيطرة على الوضع بكل وضوح. ترتكز سيطرتها في المقام الأول على شعبية بوتين. لكننا نلاحظ أن الناس بدأوا يطلقون صيحات الاستهجان عند مرور موكبه. بدأت السلطات تكثّف حملات القمع للتعويض عن فقدانها السيطرة».
دعا نافالني وقادة معارضون آخرون إلى الاحتجاج ضد خطف رازفوزهاييف وتعذيبه. صرح زعيم «الجبهة اليسارية»، سيرغي أودالتسوف، بأن الاحتجاجات الشعبية وحدها تستطيع وقف حملة القمع المتزايدة بحق الناشطين السياسيين. قال أود التسوف خلال مقابلة أجراها على إذاعة «إيخو موسكفي»: «إنه الأمر الوحيد الذي يخيفهم. إذا لم نحتج، سيرتفع عدد المعتقلين. في الوقت نفسه، سيدوم الشتاء التوتاليتاري لاثنتي عشرة سنة إضافية».
لسوء الحظ، يبدو أن توقع أودالتسوف التشاؤمي سيتحقق. كما كان الوضع في حقبة الاتحاد السوفياتي، لا تزال المعارضة الروسية المنظمة ضعيفة جداً كي تُجبر السلطات على التعامل معها. يطبق الرئيس فلاديمير بوتين سياسة عدم التفاوض مع المعارضة ويبقى الدعم الدولي مصدر الحماية الوحيد للحركة (كما كان الوضع في أيام الحرب الباردة). سبق أن دعت منظمة العفو الدولية ووزارة الخارجية الأميركية السلطات الروسية إلى التحقيق بظروف خطف رازفوزهاييف. لكن يبدو أن فرص الغرب للقيام بتصريحات ومطالب دبلوماسية معتدلة انتهت. فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية فوراً أن تلك التصريحات «غير مناسبة».
خلال الأشهر الستة الأخيرة، انتقلت روسيا إلى تبني مسار معادٍ للغرب، فقد بدأت تتحول إلى دولة فاسدة تقليدية لا تحترم حقوق الإنسان أو القانون الدولي. لا فائدة طبعاً من محاولة عقد شراكة مع دولة مماثلة، فقد يترافق الأمر أيضاً مع نتائج عكسية.
خلال السبعينيات، أدت سياسة التهدئة إلى اندلاع حروب عدة بالوكالة وحرب باردة مطولة دامت 10 سنوات على الأقل. قد يتكبد الغرب والمواطنون الروس خسائر هائلة في حال تكرار هذا الخطأ اليوم