استراتيجية أميركية جديدة تجاه سوريا: دعم معارضة الداخل وتحجيم الدور القطري الإخواني
حددت وزيرة الخارجية الأميركية موقفا واضحا من المعارضة السورية التي تتصدر المشهد، وأعلنت أن هذه المعارضة تحتاج إلى إصلاح وتوسيع.
وهي خطوة اعتبرها محللون دليلا على أن واشنطن حسمت أمرها بعدم الرهان على معارضة تجيد الظهور أمام شاشات التلفزيونات ولا تجيد إطلاق رصاصة واحدة فضلا عن انعدام أي صلة لها بالداخل، إضافة إلى فشل الدول الإقليمية التي تكفلت باستقطاب المعارضة وتمويلها والتسويق لها بديلا عن الأسد.
وقالت هيلاري كلينتون الأربعاء إنه قد حان الوقت لتجاوز المجلس الوطني السوري وضم من يقفون “في خطوط المواجهة”.
وأضافت خلال زيارة لكرواتيا “لا يمكن أن تكون هذه معارضة يمثلها أشخاص يتمتعون بخصال جيدة كثيرة لكنهم في كثير من الأمثلة لم يذهبوا إلى سوريا منذ 20 أو 30 أو 40 عاما”، مشددة على أنه “يجب أن يكون هناك تمثيل لمن يقفون في خطوط المواجهة يقاتلون ويموتون اليوم في سبيل حريتهم.”
وقال مراقبون إن واشنطن، التي دعمت جهودا قادتها تركيا وقطر لتشكيل جبهة معارضة تضم علمانيين وإسلاميين يعيشون بالمهجر، اكتشفت أن تلك المعارضة ليس لديها حضور ميداني في سوريا، فضلا عن سمعتها المهزوزة لدى الناس باعتبار أنها تأكل على كل الموائد، وتصدر البيانات والتصريحات دون أن تكون عارفة بما يجري على الأرض.
وأضاف المراقبون أن كلينتون كشفت عن الخطة الأميركية الجديدة في سوريا التي تقوم على الاتصال بالقيادات الميدانية، والشخصيات السياسية والأهلية المؤثرة، وتسعى للتسويق لها بديلا عن الأسد.
وكشفت تقارير أميركية عن أن المقاومة المسلحة لنظام الأسد يسيطر عليها فريقان رئيسيان، الأول يتكون من “المجموعات الجهادية” التي جاء أغلب مقاتليها من الخارج، وتحركها دول مثل قطر وتركيا، والثاني يتكون من القيادات العسكرية والعشائرية التي انشقت عن الأسد ولا تحظى بالدعم الخارجي.
وفيما تسعى واشنطن بكل جهدها لمنع تضخم أعداد “الجهاديين” وتأثيرهم في الثورة، تعمل أيضا على استقطاب المنشقين عن النظام ودعمهم ليكونوا القوة الأبرز التي تستطيع تسلم السلطة بعد الثورة.
ويشير مراقبون إلى أن واشنطن كانت مترددة من البداية في الانفتاح على معارضة الخارج، خاصة أن التجربة الليبية بينت لها أن المقاتلين الميدانيين هم من يحدد طبيعة السلطة القادمة.
بالمقابل يدافع البيت الأبيض عن شعار التغيير من داخل النظام مثلما جرى في اليمن بأن صعد خلف علي عبد الله صالح نائبه منصور هادي، وحافظت قوات الأمن والجيش على تماسكها خاصة أنها تنهض بمهمة محاربة “القاعدة” والمجموعات المتشددة المرتبطة بها.
وارتفعت حدة النقد الموجه للإدارة الأميركية بسبب تراخيها في التعامل مع المجموعات المتشددة التي زاد نفوذها في دول “الربيع العربي” وأصبحت تهدد المصالح الأميركية خاصة أنها وجدت غطاء من التنظيمات إلإخوانية التي صعدت إلى السلطة بمباركة من البيت الأبيض.
وتعيش إدارة أوباما وضعا حرجا سياسيا بعد الهجمات التي استهدفت مقارها الدبلوماسية في مصر وتونس، وخاصة ليبيا حيث قتل سفيرها وثلاثة من معاونيه، ما كشف عن خطأ فادح في حساباتها بخصوص “ترويض” الإسلام السياسي بالمنطقة العربية.
وقال دبلوماسيون عرب في واشنطن إن الإدارة الأميركية غاضبة على دول إقليمية زيّنت لها عملية الانفتاح على مجموعات الإسلام السياسي، وعلى رأس هذه الدول قطر التي زعمت أنها قادرة على توجيه الإسلاميين العرب في الاتجاه الذي تريده واشنطن.
وكانت قطر وتركيا وراء تشكيل المجلس الوطني السوري بتركيبة يهيمن عليها الإخوان المسلمون السوريون وبعض من القيادات العلمانية التي تحوز ثقة بعض العواصم الغربية وخاصة باريس.
وقال دبلوماسي عربي مطّلع بواشنطن أن إدارة أوباما تضغط الآن على قطر لسحب المجموعات الجهادية التي أرسلتها إلى سوريا، والتي يُقدّر أعداد مقاتليها بالآلاف، ولهم حضور مكثّف في مختلف المدن المهمة.
ويعتبر المراقبون أن التصريحات الأخيرة لسلمان العودة، القيادي الإخواني، والأمين العام المساعد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يوجد مقره بالدوحة، والتي طالب فيها “المجاهدين” بعدم الذهاب إلى سوريا، تتنزل في سياق الأجندة الأميركية الجديدة التي تحمست قطر والإخوان للإسراع بتنفيذها.
ويتوقع المتابعون أن يكون اجتماع المعارضة السورية المقرر الأسبوع القادم بقطر صدى لهذه الأجندة، حيث ينتظر أن يحضر الاجتماع نحو 50 من ممثلي المعارضة، أغلبهم من داخل سوريا على أن يكون بينهم ممثلون عن العشائر والمجتمع الأهلي والأقليات التي ظلت متمسكة بالنظام خوفا من “ثورة طائفية” تهدد وجودها.
ويقول هؤلاء إن الاستراتيجية الأميركية الجديدة القاضية بتوسيع دائرة القوى المشاركة في المعارضة ستكسر الجمود القائم في الملف السوري، وتعزل النظام بعد أن نجح في التسويق لكون الصراع قائما بينه وبين مجموعات مدعومة من الخارج وليس ثورة من أجل الحرية.
يضاف إلى ذلك أنها ستجعل الملف يقترب من الحل السياسي مثلما تدافع عن ذلك الجامعة العربية التي أكد أمينها العام نبيل العربي في لقائه أمس مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أنه “ليس أمامنا سوى الحلول الدبلوماسية”.