ريتشارد العرب… مهندس ألماني يساهم في ازدهار الصحراء السعودية
نجح المهندس المعماري الألماني ريتشارد بوديكير الذي يعمل في المملكة العربية السعودية منذ 40 سنة تقريباً في تحويل أحلام عملائه الأثرياء إلى حقيقة. على مر العقود، تغاضى هذا الرجل عن مخاوفه السياسية في ذلك البلد المحافظ وأدى دوراً أساسياً في إنشاء مساحات خضراء في الرياض.
سوزان كولبل من «شبيغل» تحدثت عنه.
غالباً ما توصف الجنة على أنها حديقة هادئة حيث توفّر الأشجار الظلال ويتدفق الماء البارد عبر مجاري المياه. يشبه هذا المكان إلى حد كبير المزرعة الخاصة التي يملكها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ابن ولي العهد ووزير الدفاع السعودي.
يشمل منزل الأمير الذي يبلغ 56 عاماً واحة فنية في وسط الصحراء خارج العاصمة إلى جانب ممر للمشاة حيث يحب التجول في المساء.
لا شك في أن معنويات الأمير مرتفعة، فتراه يرتدي ثوباً أبيض ويضع الغترة، يجلس على مائدة طويلة يحيط بها النبات المتسلق وشقائق النعمان. بالقرب منه، يجلس ريتشارد بوديكير في ساحة الشرف وهو في الأصل من نندرتل بالقرب من دوسلدورف في ألمانيا.
يرتدي ذلك المهندس اللون الأسود من رأسه إلى أخمص قدميه ولديه لحية وشاربان معكوفان. يحب الأمراء السعوديون مناداته باسم «ريتشارد العرب» وهو يبدو كأستاذ أجنبي.
سأل صاحب السمو: «كيف حالك يا صديقي ريتشارد؟». فتنهّد بوديكير. يبلغ الأخير الآن 75 عاماً وكان يحقق المشاريع المترفة التي يتمناها عملاؤه في المملكة العربية السعودية منذ 40 عاماً تقريباً.
يتحسس بوديكير لحيته ويقول إن الأمراء والأميرات يختلقون أموراً مدهشة يمكن أن تعود بسهولة إلى القصص الخيالية. بوديكير هو المسؤول عن تحويل تلك الأفكار إلى حقيقة.
اشترى سلطان بن سلمان حديثاً أرضاً بالقرب من منطقة الطائف، مدينة صغيرة نسبياً تقع على منحدرات جبال السروات في جنوب مكة. سيستقل بوديكير غداً طائرة الأمير الخاصة ويتوجه إلى الطائف لإنشاء واحة هناك، وهي عبارة عن مساحة نباتية فيها ورود وخزامى ومنحوتات حجرية طبيعية. سيقود الأمير الطائرة بنفسه.
تأثير كبير
كان تأثير بوديكير على شكل الرياض الراهن كبيراً. حين وصل إلى البلد في عام 1973، كان المكان عبارة عن مدينة شاسعة ومغبرة ومقسّمة إلى طرقات سريعة مؤلفة من ستة ممرات.
صرخ في وجه رئيس التخطيط في سلطة التخطيط العمراني قائلاً: «يجب أن تُخرج الإسمنت من رأسك وتستبدله بالخَضار». أعطى ذلك الألماني الفظ انطباعاً مؤثراً لدرجة أن السلطات السعودية تتابع الاستعانة به وتطلب توصياته حتى اليوم.
في هذه الأيام، تشمل محاور المدن الأساسية، مثل طريق الملك فيصل وطريق الملك عبدالله، أنفاقاً تحت الأرض وهي مغطاة بمنتزهات على مستوى الشوارع كما تصورها بوديكير. تحولت مساحات القصر السابق الذي كان يقع في قلب المدينة إلى منتزه فخم يضم 100 شجرة نخيل حيث ترمز الأشجار إلى الذكرى المئوية للسلالة السعودية.
تشكّل الأوساط الدبلوماسية بدورها واحة أخرى. كلّفت السفارة الألمانية بوديكير أيضاً بتصميم حدائقها. فظهرت ممرات على شكل متاهات محاطة بالأشجار في مركز الرياض ويتراشق الأطفال بالمياه في ملاعبه. أصبحت المدينة الآن موطن عدد من البستانيين وقد تدرب معظمهم على يد فريق بوديكير.
لا وقت للسياسة
تنجم تعاملات بوديكير مع السعوديين عن خليط من التسامح والتشدد من الجانبين: العرب هم مسلمون محافظون وبوديكير أحد أشرس مؤيدي البيئة والخَضار. يقول: «لا وقت لدي للسياسة!»، فهو يهتم حصراً بالأشجار والحدائق ويقول للألمان الذين ينتقدون عدم السماح للمرأة بالقيادة في المملكة العربية السعودية بأن الحل يكمن في نظام الأنفاق المخطط له.
أما عمليات قطع الرؤوس العلنية التي تحصل أحياناً في أيام الجمعة في ساحة الديرة، فلا تؤثر على علاقته مع المملكة العربية السعودية. بحسب رأيه، تُعدِم ثقافات أخرى، من بينها الولايات المتحدة، المجرمين أيضاً ويحصل مجرمون كثر على العفو هنا.
يصل الخدم وهم يحملون التحلية على صوانٍ فضية مليئة بالرز إلى جانب ماء الورد وحلويات بالفاكهة البرية ومأكولات مخبوزة بالسكر. في هذه الأيام، يتقاسم بوديكير مكتبه في الرياض مع شركاء عدة وبعض أفراد عائلته. انضم ابنه ينس إليه منذ بضع سنوات للعمل في المملكة العربية السعودية وزوجته ألكسندرا مهندسة معمارية ناجحة أيضاً. كانت تلك الطريقة الوحيدة لتلبية الطلب المرتفع في المملكة العربية السعودية.
محاولة تحقيق المستحيل
تبتكر عائلة بوديكير بعض الأفكار اللامعة، فقد كسرت المحرمات حين استعملت مياه الصرف الصحي في العاصمة لري وادي إحدى الصحارى. اليوم، أصبحت تلك المنطقة خصبة ويحب الأمراء ومستثمرو النفط بناء منازلهم الفخمة هناك.
لكن هل سيستنزفون قريباً طاقاتهم الابتكارية؟ إلى أي حد يمكن أن تزدهر الصحراء؟ يشعر بوديكير بالتفاؤل في هذا المجال. كُلّف مهندس الأمراء السعوديين وفريقه بتحقيق المستحيل: تحويل الوديان القاحلة في محافظة الرياض (مساحتها أكبر من ألمانيا) إلى منطقة ريفية مزدهرة.
يؤكد بوديكير على أن المشروع ممكن: «ثمة نباتات تصل جذورها إلى 50 متراً تحت الأرض وثمة مياه على ذلك العمق».