الطريق إلى سورية المعتدلة
تتعدد مشاكل السياسة الخارجية الشائكة التي سيواجهها الفائز بالانتخابات الأميركية يوم الثلاثاء، ويبدو أن أحد تلك التحديات سيسرّع نهاية الحرب الأهلية السورية الوحشية التي تهدد معظم أنحاء الشرق الأوسط. أمضيتُ يومين في مؤتمر مدهش في اسطنبول حضره أكثر من 80 قائداً ثورياً وناشطاً مدنياً كانوا قد قدموا إلى تركيا من داخل سورية. حمل المؤتمر اسم “إدارة العملية الانتقالية في سورية”، وكان برعاية المركز السوري للدراسات الاستراتيجية والسياسية (منظمة بحثية مقرها واشنطن ويرأسها المفكر والناشط السوري رضوان زيادة).
قدم الناشطون أجوبة مقنعة حول ما يجب فعله لإنشاء حكومة انتقالية سورية معتدلة يمكن أن تسرّع نهاية الحرب.
رسالة الثوار الأساسية: تلك البلدان التي تسعى إلى إسقاط الرئيس السوري الوحشي بشار الأسد يجب أن تساعد أعضاء المجتمع المدني والقادة العسكريين غير المتطرفين داخل سورية. هم بدأوا منذ الآن يشيدون البنى الحكومية في مناطق واسعة تحررت من سيطرة النظام.
على عكس الصور التي يشاهدها الغرب، لا يسعى معظم هؤلاء الناشطين إلى إنشاء دولة إسلامية مع أنهم مسلمون. لكنهم يحتاجون إلى مساعدة خارجية ودعم خارجي لمواجهة التمويل الذي تحصل عليه الجماعات الإسلامية من أفراد أثرياء أو حكومات في الخليج العربي.
أخبرني علي بدران، محام وناشط في مجال حقوق الإنسان من منطقة تل رفعت (ضاحية من ضواحي حلب تعرضت للقصف من جانب نظام الأسد): “إذا لم يشأ الأميركيون والغرب منحنا المساعدات الإنسانية والطبية وإنشاء مؤسسات جديدة، سيتعزز موقع السلفيين و”القاعدة”. يملك السلفيون المال وهم يقدمون الخدمات كي يتعاطف الشعب السوري معهم، وسيطرح هذا الوضع تهديداً كبيراً جداً”. حتى الآن، لاتزال المساعدات الأميركية للثوار محدودة، وقد اقتصرت على مساعدات غير عسكرية تحصل عليها جماعات المعارضة السلمية، أبرزها معدات الاتصال. يبرز عائق أساسي أمام تقديم مساعدات إضافية: عجزت المعارضة السورية الخارجية الأساسية (المجلس الوطني السوري) عن توفير قيادة موحدة يمكن نقل المساعدات عبرها بشكل موثوق، كما أنها لم تقدم مساهمات كثيرة إلى الناشطين ميدانياً.
قد تؤدي التطورات خلال الأسبوع المقبل إلى نشوء مجلس قيادي يتألف من ناشطين داخليين يمكن أن يسيطروا على المجلس الوطني السوري، وأن يحظوا باعتراف دولي بصفتهم حكومة انتقالية. فور انتهاء اجتماع كبير للمجلس الوطني السوري في الدوحة في نهاية هذا الأسبوع، سيُعقَد اجتماع ثانٍ على أن يشمل وفوداً من المجالس الثورية ولجان التنسيق في المناطق المحررة. اقترح المعارض السوري الأسطوري رياض سيف فكرة تقضي باختيار مجلس وطني سوري جديد يتألف من 51 شخصاً على أن ينبثق 15 فرداً منهم فقط من المجلس الوطني السوري الراهن. في هذا الصدد، قال دبلوماسي أوروبي: “سيصبح صوت المعارضة الداخلية أعلى بكثير بهذه الطريقة”. يمكن أن يساهم نشوء مجلس موثوق في تقديم التطمينات اللازمة إلى الأقليات الخائفة في سورية كي تتأكد من أنها ستكون جزءاً مرحباً به في حقبة ما بعد الأسد. لكن نشأ خلاف منذ الآن حول اجتماع الدوحة، فقد حاول بعض أعضاء المجلس الوطني السوري تأجيل أي قرار حاسم حتى انعقاد المؤتمر الثاني لاحقاً في القاهرة. يقول زيادة الذي تولى تنظيم المؤتمر والذي يشك بنجاح فكرة رياض سيف: “بعد سنة ونصف من القتال وبعد تحرير مناطق عدة، لا يمكن بناء هيئة شرعية انطلاقاً من المراتب العليا”. لذا اقترح إنشاء جمعية وطنية داخل المناطق المحررة.
لكن تبقى الرسالة مشابهة: نشأت مجالس كافية من المدنيين والقادة العسكريين في المناطق المحررة حتى الآن، ما يسمح بتوفير الأساس اللازم لتشكيل حكومة انتقالية. يجب أن تعمد تلك الحكومات التي تريد إنهاء نظام الأسد سريعاً إلى إنشاء حكومة مماثلة في أسرع وقت ممكن شرط أن تحصل على وعود بأن تتلقى المساعدات اللازمة. في منطقة تل رفعت، يقول علي بدران إن السكان المحليين انتخبوا لجاناً تتعامل مع مشاكل الكهرباء والماء والوقود بعد أن قطعت الحكومة جميع هذه الإمدادات، وذلك على رغم استمرار القصف اليومي الذي قتل 300 شخص هناك حتى الآن. لقد اختاروا قضاة مدنيين لإدارة المحاكم وأنشأوا سجناً لمعاقبة اللصوص. ما من مدارس رسمية لأن مباني المدارس تعرضت للقصف ويقاتل المعلمون على الجبهة، لكن يحاول الناس تنظيم مدارس منزلية تديرها ربات المنازل. لقد أنشأوا مجلساً طبياً يتألف من الأطباء ومجلساً تعليمياً يتألف من المعلمين. كذلك، شكّلوا منظمة إغاثة في محافظة حلب لتقييم الحاجات الغذائية الأساسية بما أن المزارعين يفتقرون الآن إلى البذور والأسمدة لزرع محصول السنة المقبلة وهم يخشون انتشار المجاعة
. لكن ما من أموال لدفع الرواتب وكلفة مستلزمات المدارس أو السجون أو العيادات (قصف النظام معظم المستشفيات). يوضح بدران: “نحتاج إلى الدعم المالي لتمويل إدارة مدنية مع القضاة والشرطة. نحتاج إلى الأموال لتوفير اللقاحات منعاً لانتشار الأمراض”.
تتكرر تجربة تل رفعت في معظم البلدات المجاورة. هؤلاء الناس ليسوا سلفيين متشددين بل إنهم سوريون يحاولون بكل يأس إعادة تنظيم إدارة جديدة. إذا نجحت خطة سيف، سيوفر المجلس الوطني السوري الجديد عنواناً محدداً يمكن أن تصل المساعدات عبره إلى بلدات مثل تل رفعت. لكن إذا فشلت الخطة، فلا بد من إعادة ابتكار الفكرة المطروحة. بغض النظر عن هوية الفائز بالانتخابات الأميركية، يجب أن يجد الرئيس الجديد طريقة لتسريع عملية إنشاء حكومة انتقالية تتألف من أشخاص يشبهون علي بدران، وذلك إذا أردنا منع انهيار سورية والترويج لرسالة الإسلام المتطرف
.